كيف نُقابل الشبهات المتعلقة بالدولة السعودية ودعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب؟


يقول السائل: كيف نقابل الشبهات المتعلقة بتاريخ المملكة العربية السعودية ودعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، مثل أنهم خرجوا على الخلافة العثمانية، أنهم قاتلوا المسلمين واستولوا عليهم بحكومتهم، وأن الدولة السعودية أقيمت بمساعدة دُوَل الغرب؟

يُقَالُ جوابًا عن هذا السؤال: إن هذه الشُّبَه وغيرها كثير يطفو بين حين وآخر، وهي عند التدقيق شُبَهٌ واهية، وعند كشفها بالعلم والتدقيق تكون زائفة؛ لأنه لا دليل ولا مستَنَد لهذه الشُّبَه.

أما قول القائل: إنهم خرجوا على الدولة العثمانية.

فيقال: إن هذا بهتان وكذب؛ لأن الدولة السعودية الأولى، لم تكن تحت حكم العثمانِيِّين، بل إن”نَجدًا” كلها لم تكن تحت حكم العثمانيين، فلذلك لا يصح أن يقال: بأنهم خرجوا على الدولة العثمانيّة.

وفي دواوين الدولة العثمانية ذكروا المناطق والدول والمدن التي هي تابعة لهم، وذكروا خراجها، ولم يكن من بينها الدولة السعودية أو أهل “نجد” عمومًا؛ فإن “نجدًا” من رحمة الله قد أُغفِلت وتُرِكت؛ لأنها صحراء قاحلة، فلذا لا مطمع للعثمانيين ولا غيرهم فيها، لكن الله برحمته قد خصَّها بعد ذلك بدعوة الإمام المجدِّد محمد بن عبد الوهاب، وبنصرة الإمام المجدد محمد بن سعود-رحم الله تعالى جميع أئمة المسلمين، إنه الرحمن الرحيم-.

وقد فصَّلت هذا وبيَّنته في كتاب بعنوان “الإمامة العظمى”، وهو موجود في “موقع الإسلام العتيق”.

أما قوله: إنهم قاتلوا المسلمين، واستولوا عليهم بحكومتهم.

فيقال: هذا بهتان عظيم؛ فإن دولة الإمام محمد بن سعود بتأييد من الإمام محمد بن عبد الوهاب، لم يقاتلوا أحدًا ابتداءً، ولم يقابلوا أحدًا بالقتال، بل غيرهم اعتدى عليهم وقاتلهم وآذاهم، وهم دافعوا عن أنفسهم.

ثم بعد ذلك أخذوا يدعون الناس إلى التوحيد، فمن لم يستجب لهم قاتلوه، وهذه هي سُنَّة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمَّدًا رسول الله، أي: أن يقوموا بتوحيد الله.

وقد أجمع العلماء على أن الطائفة إذا امتنعت على إقامة شعيرة ظاهرة؛ فإنهم يُقاتَلون على ذلك، حكى الإجماع شيخ الإسلام ابن تيمية، وبيَّن أن الطائفة الممتنعة عن إقامة الشعيرة عند القتال، وأنهم إذا صابروا وقاتلوا على امتناعهم عن إقامة الشعيرة أنهم يكونون كُفَّارًا، كما في “مجموع الفتاوى”.

ثم حكى –رحمه الله تعالى- الإجماع على أنهم يُقاتَلون.

هذا في عموم الشعائر الظاهرة، فكيف بتوحيد الله الذي قاتل النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- الناسَ عليه؟! كما في حديث ابن عمر وحديث أبي هريرة، قال -صلى الله عليه وسلم-: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمَّدًا رسول الله».

فالمقصود: أنهم في أول الأمر لم يقاتلوا، بل اشتغل شيخ الإسلام رحمه الله تعالى بدعوة الناس، وبإرسال الرسائل لدعوة الناس إلى توحيد الله، لكنهم قُوتِلوا بعد ذلك، فدافعوا عن أنفسهم، فلما قوّوا واستطاعوا على قتال الناس، قاتلوهم على امتناعهم على توحيد الله، وإصرارهم على الشرك، والذبح لغير الله، والدعاء لغير الله، إلى غير ذلك.

وينبغي أن يُعلَم أنه لا يقال في باب القتال: أنه يحتاج إلى إقامة الحجة على كل فرد بل الناس تبع لحكامهم سلمًا وحربًا وإقامة للحجة، بل يكفي أن تُقامَ الحجة على حاكِمهم، والناس تبعٌ له في الحُجَّة، وفي الصلح، وفي الأمان، وفي القتال، وغير ذلك.

أما قول السائل: إن الدولة السعودية أقيمت بمساعدة دُوَل الغرب، هذا إنما يُذكَر ويُثَار في الدولة السعودية الثالثة، أي: التي أقامها الإمام المجدِّد المصلح الإمام عبد العزيز بن عبد الرحمن بن سعود –رحمه الله رحمة واسعة-.فقد أُثِيرت هذه الشبهة عليه.

وهذا من الباطل، وقد بيَّنت شيئًا من ذلك في كتابي “تبديد كواشف العنيد في تكفير دولة التوحيد”، و هو رد على التكفيري الجَلَد محمد المقدسي، لمَّا كفَّر الدولة السعودية، وكفَّر الإمامَ ابنَ باز وغيرَه من علمائِنا.

فالمقصود: كانت بريطانيا دولة عظمى، وإليها ترجع الدول، وكان كثيرٌ من الدول تحت حُكْمِها، وتحت قُوَّتها وسيطرتها إلا -برحمة الله- نجدًا فإنها قد أُغفِلت وأُهمِلت؛ لما تقدمت الإشارة إليه.

فالمقصود أن الإمام عبد العزيز-رحمه الله تعالى- لما قاتل كان مضطرًّا أن يتعامل مع بريطانيا، وبتوفيق الله له، وبقيامه بتوحيد الله وبنصرة الدين قد أعانه الله، واستفاد من بريطانيا بما لا يضرّ دِينَ الله، بل بما يرجع على دِين الله بالقوة، لذا قرأت مقالًا لعلماء من بلجيكا فيما أذكر، وقد أثبتتُه في كتابي “التبديد”: أنهم وصفوا الملكَ عبدَ العزيز بأنه نابليون العرب، وقالوا: هو الحاكم الوحيد الذي غلب بريطانيا.

وصدقوا، فإنه –رحمه الله تعالى- استطاع أن يتغلَّب على بريطانيا، لا بقتالها، وإنما بأن استفاد منها، وهيَّأ الله له الأمر حتى استفاد من بريطانيا بما يرجع إلى توحيد الجزيرة، حتى صار مَلِكًا لِنَجَد والحجاز، التي سُمِّيت بعد ذلك بالمملكة العربية السعودية.

ثم مما ينبغي أن يُعلَم أن بريطانيا تعادي المسلمين على دينهم، فهل يُعقَل: أن بريطانيا أو غيرها تكون سببًا لإيجاد دولة توحيد وسُنَّةٍ كالدولة السعودية، التي قامت على توحيد الله وسُنَّة النبي -صلى الله عليه وسلم-، هذا لا يُعقَل، وهو مخالف لكتاب الله، وسُنَّة النبي -صلى الله عليه وسلم-، لكن الله هيّأ ذلك لأمرٍ، يريده سبحانه.

وقد استفاد الملك عبد العزيز من بريطانيا، ولم يصادمها لضعفه، لكن الله هيّأ له الأسباب حتى استفاد منها، فكان سببًا بعد ذلك لتوحيد هذه الدولة العظيمة دولة التوحيد والسنة.

ومما أختم به كلمة عظيمة لشيخنا الإمام عبد العزيز بن باز-رحمه الله تعالى- أنه قال: العداء لهذه الدولة عداء للتوحيد عداء للحق، يعني به الدولة السعودية.

أسال الله أن يُعِزَّها وجميعَ دول المسلمين بالتوحيد والسنة، وأن يعلِّمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما عَلَّمنا، وجزاكم الله خيرًا.

dsadsdsdsdsads

شارك المحتوى: