كيف نتعامل مع أثر الإمام أحمد حين أُخبر عن مجالسة بعضهم لاهل البدع فقال: “أفأعلمتموه؟” قالوا: نعم، قال: “ألحقوه بهم”؟


يقول السائل: كيف نتعامل مع قول الإمام أحمد -رحمه الله- الذي أورده ابن سعد في طبقاته وهو أن الإمام أحمد أُخبر أن فلانًا جالسَ فلانًا من أهل البدع، فقال الإمام أحمد: “أفأعلمتموه؟” قالوا: نعم، قال: “ألحقوه بهم”؟

الجواب:

هذا الأثر أثرٌ عظيم وهو يدل على قاعدة أهل السنة: أن من جالس أهل البدع فإنه مثلهم، وقد دلت على ذلك الأدلة من الكتاب والسنة والإجماع.

أما الكتاب فقوله تعالى: ﴿‌لَا ‌تَجِدُ ‌قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ﴾ [المجادلة: 22] الآية، وقد استدلَّ بهذا الإمام مالك على عدم مجالسة أهل البدع، وذكر هذا الشاطبي في كتابه (الاعتصام).

وقال تعالى: ﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ ‌إِنَّ ‌اللَّهَ ‌جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا﴾ [النساء: 140] وقد استدلَّ بهذا ابن جرير، إلى غير ذلك من الآيات.

أما السنة فقد ثبت في الصحيحين من حديث عائشة -رضي الله عنها- أن النبي ﷺ قال: «إذا رأيتم الذين يتّبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم»، وهذا صريح في وجوب حذرهم وعدم مجالستهم.

أما الإجماع فقد حكاه ابن بطة بعد أن ساق آثارًا كثيرة في كتابه (الإبانة الكبرى) وذكر إجماع السلف على ذلك، ومن الآثار العجيبة التي ذكرها ما رواه عن سفيان الثوري أنه دخل البصرة فسأل عن ربيع بن صبيح فقيل: عالم سنة، فقال: من جلساؤه؟ قالوا: القدرية، فقال: هو قدري.

ومن الآثار التي ذكرها ابن بطة عن ابن المبارك والأوزاعي أنهما قالا: من أخفى علينا بدعته لم تخف علينا ألفته. ذكر هذا في (الإبانة الصغرى)، ومن الآثار التي ذكرها في (الإبانة الكبرى) عن محمد بن عبد الله الغلابي أنه قال: يتكاتم أهل الأهواء كل شيء إلا الألفة والصحبة.

إلى غير ذلك من الآثار الكثيرة، والله يقول: ﴿إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ﴾ فإذن لا يصح أن يُصاحَب أهل البدع.

لكن أنبه إلى أمور:

الأمر الأول: فرقٌ بين أن يُصاحبهم لذات المصاحبة وبين أن تحصل المصاحبة لأمر عارض، كأن يجتمع هو وإياهم في عمل أو وظيفة أو نحو ذلك مما يضطروا إليه، فهذا ليس داخلًا في كلام السلف، لذلك في كلام الأوزاعي وغيره أنه يكونوا مخرجه ومدخله، إذن مصاحبتهم لأمرٍ عارض كوظيفة أو غير ذلك ليس داخلًا في هذا الأمر.

الأمر الثاني: أن كل من وقع في بدعة تُوجب إخراجه من السنة إلى البدعة لا يُحتاج فيه إلى إقامة حجة، وقد سبق الجواب على هذا وذكر الأدلة على ذلك.

فإن قيل: قد قال أحمد في هذا الأثر في هذا الرجل: ” أو أعلمتموه أن فلانًا مبتدع؟” قالوا: أعلمناه، قال: ” فألحقوه به “، فكيف أن الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- لم يُبدّعه مباشرة، بل أرجعه إلى تعليمه؟

فيقال: فرقٌ بين أمرين، بين أن يتلبَّس الرجل بالبدعة نفسها كأن يقول إن الله ليس في السماء، أو أن يُؤول الصفات وغير ذلك من البدع، أو يرى أن إنكار المنكر يُنفر المدعويين كما هو حال جماعة التبليغ، إلى غير ذلك، فمثل هذا يُبدّع ولا يحتاج إلى قيام حجة، فرقٌ بين من يتلبّس بالبدعة مباشرة وبين أن يُصاحب غيره، فمثل هذا لا يُبدّع حتى يعلم أن غيره مبتدع، ففرقٌ بين الأمرين كما يدل عليه أثر الإمام أحمد -رحمه الله تعالى-.

أسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا، وجزاكم الله خيرًا.

1050_1


شارك المحتوى:
0