فضل تدارس الحديث النبوي والتحذير من هجرانه


📖 قال تعالى: ﴿أَوَلَم يَكفِهِم أَنّا أَنزَلنا عَلَيكَ الكِتابَ يُتلى عَلَيهِم إِنَّ في ذلِكَ لَرَحمَةً وَذِكرى لِقَومٍ يُؤمِنونَ﴾ [العنكبوت: ٥١].
📌وفيها من العلم:
📝 قال ابنُ جرير -رحمه الله-: “ذُكِر أن هذه الآية نزلت من أجل أنّ قومًا مِن أصحاب رسول اللهﷺ انتسخوا شيئًا مِن بعض كتب أهل الكتاب” [انتهى من التفسير].
📚و عن ابن أبي مُلَيْكَة، قال: أهدى عبدُ الله بنُ عامر بن كُرَيْز إلى عائشة هَدِيَّةً، فظنَّتْ أنه عبد الله بن عمرو، فرَدَّتها، وقالت: (يَتَتَبَّعُ الكُتُبَ وقد قال الله: {أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم}. فقيل لها: إنّه عبد الله بن عامر. فقبِلَتْها).
↩️وعن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه: أنّه دخل على النبيﷺ بكتابٍ فيه مواضع مِن التوراة، فقال: (هذه أصبتُها مع رجل مِن أهل الكتاب، أعرِضُها عليك!) فتغيَّر وجهُ رسول اللهﷺ تغيُّرًا شديدًا لم أرَ مثله قطُّ، فقال عبد الله بن الحارث لعمر: (أما ترى وجهَ رسول الله ﷺ؟!) فقال عمر: (رضينا بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد نبيًّا). فسُرِّي عن رسول اللهﷺ، وقال: ((لو نزل موسى فاتَّبعتموه وتركتموني لضللتم، أنا حظُّكم مِن النبيين، وأنتم حَظِّي مِن الأُمَم)) رواه ابوداود في المراسيل.
↩️وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِﷺ: ((ما من الْأَنْبِيَاءِ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا قَدْ أُعْطِيَ مِنَ الْآيَاتِ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُهُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيَّ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ)). أَخْرَجَاهُ.
↩️وعن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- عَنْ النَّبِيِّﷺ، قَالَ: ((مَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ مِنْ الْهُدَى وَالْعِلْمِ كَمَثَلِ الْغَيْثِ الْكَثِيرِ أَصَابَ أَرْضًا فَكَانَ مِنْهَا نَقِيَّةٌ قَبِلَتْ الْمَاءَ فَأَنْبَتَتْ الْكَلَأَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ وَكَانَتْ مِنْهَا أَجَادِبُ أَمْسَكَتْ الْمَاءَ فَنَفَعَ اللَّهُ بِهَا النَّاسَ فَشَرِبُوا وَسَقَوْا وَزَرَعُوا وَأَصَابَتْ مِنْهَا طَائِفَةً أُخْرَى إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لَا تُمْسِكُ مَاءً وَلَا تُنْبِتُ كَلَأً فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِي دِينِ اللَّهِ وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ فَعَلِمَ وَعَلَّمَ وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ)) رواه الشيخان.
💡وعلَّق الحافظ ابن حجر -رحمه الله- على الحديث فقال: “شَبَّهَ السَّامِعِينَ لَهُ بِالْأَرْضِ الْمُخْتَلِفَة الَّتِي يَنْزِل بِهَا الْغَيْث، فَمِنْهُمْ الْعَالِم الْعَامِل الْمُعَلِّم. فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْأَرْض الطَّيِّبَة شَرِبَتْ فَانْتَفَعَتْ فِي نَفْسهَا وَأَنْبَتَتْ فَنَفَعَتْ غَيْرهَا. وَمِنْهُمْ الْجَامِع لِلْعِلْمِ الْمُسْتَغْرِق لِزَمَانِهِ فِيهِ غَيْر أَنَّهُ لَمْ يَعْمَل بِنَوَافِلِهِ أَوْ لَمْ يَتَفَقَّه فِيمَا جَمَعَ لَكِنَّهُ أَدَّاهُ لِغَيْرِهِ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْأَرْض الَّتِي يَسْتَقِرّ فِيهَا الْمَاء فَيَنْتَفِع النَّاس بِهِ، وَهُوَ الْمُشَار إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ: ((نَضَّرَ اللَّه اِمْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي فَأَدَّاهَا كَمَا سَمِعَهَا)). وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْمَع الْعِلْم فَلَا يَحْفَظهُ وَلَا يَعْمَل بِهِ وَلَا يَنْقُلهُ لِغَيْرِهِ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْأَرْض السَّبْخَة أَوْ الْمَلْسَاء الَّتِي لَا تَقْبَل الْمَاء أَوْ تُفْسِدهُ عَلَى غَيْرهَا. وَإِنَّمَا جَمَعَ الْمَثَل بَيْن الطَّائِفَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ الْمَحْمُودَتَيْنِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الِانْتِفَاع بِهِمَا، وَأَفْرَدَ الطَّائِفَة الثَّالِثَة الْمَذْمُومَة لِعَدَمِ النَّفْع بِهَا” انتهى.
📌والمختصرات الفقهيّة إنما وضعت للحفظ لمبتدئي الطلبة، وأمّا الإغراق في دراسة المتون الفقيّة فإنّه يذهب بالطالب بعيداً عن الآية والحديث ويكدُّ ذهنه في عبارات مغلقة مقفلة من دون طائل”.
📜قال ابن القيّم -رحمه الله-: “أن النبيﷺ قال: ((بدأ الإسلام غريبًا، وسيعود غريبًا كما بدأ))، وأخبر أن العلم يقل، فلا بد من وقوع ما أخبر به الصادق، ومعلوم أن كُتَب المقلِّدين قد طَبَّقت شرق الأرض وغربها، ولم تكن في وقت قط أكثر منها في هذا الوقت، ونحن نراها في كل عام في ازدياد وكثرة، والمقلدون يحفظون منها ما يمكن حفظه بحروفه، وشهرتها في الناس خلاف الغربة، بل هي المعروف الذي لا يعرفون غيره؛ فلو كانت هي العلم الذي بعث اللَّه به رسوله لكان الدين في كل زمان في ظهور” [انتهى من الإعلام].

↩️وقال -رحمه الله-: “ومثله التعصب للمذاهب، والطرائق، والمشايخ وتفضيل بعضها على بعض بالهوى والعصبية، وكونه منتسباً إليه، فيدعو إلى ذلك ويوالي عليه، ويعادي عليه، ويزنُ الناس به، كُلُ هذا مِن دعوى الجاهلية” انتهى.
📖وقال تعالى: ﴿قُل فَأتوا بِكِتابٍ مِن عِندِ اللَّهِ هُوَ أَهدى مِنهُما أَتَّبِعهُ إِن كُنتُم صادِقينَ * فَإِن لَم يَستَجيبوا لَكَ فَاعلَم أَنَّما يَتَّبِعونَ أَهواءَهُم وَمَن أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهدِي القَومَ الظّالِمينَ * وَلَقَد وَصَّلنا لَهُمُ القَولَ لَعَلَّهُم يَتَذَكَّرونَ﴾ [القصص: ٤٩-٥١].
والله أعلم.

🖊حرر في: 18-12- 1444هـ.


شارك المحتوى:
1