فضل السماحة في البيع والشراء


 

الخطبة الأولى

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾، ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾. أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ، وَكُلَّ ضَلاَلَةٍ فِي النَّارِ. أما بعد:

فإنّ من الأخلاقِ النبيلة والصفاتِ الجليلة ومن أسبابِ النجاةِ من النار السماحةَ والسهولة، فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أَلَا ‌أُخْبِرُكُمْ ‌بِمَنْ ‌يَحْرُمُ ‌عَلَى ‌النَّارِ أَوْ بِمَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ النَّارُ، عَلَى كُلِّ قَرِيبٍ هَيِّنٍ سَهْلٍ» رواه الترمذيُّ وحسنه. وحثّ -صلى الله عليه وسلم- على السَّمَاحَةِ فِي الْمُعَامَلَةِ وَاسْتِعْمَالِ مَعَالِي الْأَخْلَاقِ وتركِ الْمُشَاحَةِ والتَّضْيِيقِ عَلَى النَّاسِ فِي المطالبة، ودعا بالرحمةِ للرجلِ السّمحِ في تعامله، فقال -صلى الله عليه وسلم-: «رحم اللهُ رجلًا سمحًا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى» رواه البخاري. وقال -صلى الله عليه وسلم-: «أدخل اللَّهُ الجنةَ ‌رجلًا ‌كان ‌سهلًا مشتريًا وبائعًا، وقاضيًا ومقتضيًا» رواه أحمدُ وحسّنه الألباني. وعن حُذَيْفَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: “أُتِيَ اللهُ بِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِهِ آتَاهُ اللهُ مَالًا، فَقَالَ لَهُ: مَاذَا عَمِلْتَ فِي الدُّنْيَا؟ قَالَ وَلَا يَكْتُمُونَ ‌اللهَ ‌حَدِيثًا، قَالَ: يَا رَبِّ آتَيْتَنِي مَالَكَ، فَكُنْتُ أُبَايِعُ النَّاسَ، وَكَانَ مِنْ خُلُقِي الْجَوَازُ، فَكُنْتُ أَتَيَسَّرُ عَلَى الْمُوسِرِ، وَأُنْظِرُ الْمُعْسِرَ، فَقَالَ اللهُ: أَنَا أَحَقُّ بِذَا مِنْكَ، تَجَاوَزُوا عَنْ عَبْدِي”، فَقَالَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ وَأَبُو مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيُّ -رضي الله عنهما-: هَكَذَا سَمِعْنَاهُ مِنْ فِيّ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

وقد ضرب لنا رسولُنا -صلى الله عليه وسلم- أروعَ الأمثلةِ في ذلك، فكان أحسنَ الناس معاملةً. وكان إذا استسلف سَلَفًا قضى خيرًا منه. وكان إذا استسلف من رجلٍ سَلَفًا قضاه إياه، ودعا له، فقال: «بارك الله لك في أهلك ومالك، إنما جزاءُ السَّلَف الحمد والأداء». وكان لرجلٍ عليه -صلى الله عليه وسلم- حَقٌّ، فَأَغْلَظَ لَهُ، فَهَمَّ بِهِ أَصْحَابُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ ‌لِصَاحِبِ ‌الْحَقِّ ‌مَقَالًا»، فَقَالَ لَهُمْ: «اشْتَرُوا لَهُ سِنًّا، فَأَعْطُوهُ إِيَّاهُ»،                 فَقَالُوا: إِنَّا لَا نَجِدُ إِلَّا سِنًّا هُوَ خَيْرٌ مِنْ سِنِّهِ، قَالَ: «فَاشْتَرُوهُ، فَأَعْطُوهُ إِيَّاهُ، فَإِنَّ مِنْ خَيْرِكُمْ، أَوْ خَيْرَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً» رواه البخاري ومسلم.

بارك الله لي ولكم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلّم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله، وتخلقوا بالسماحة المحمودة، وإياكم والشح المذموم، واعلموا أنّ السماحة أن تبذلوا الحق الذي عليكم وتقتنعوا ببعض الحق الذي لكم.

فمن وُفّق لهذا الخلقِ النبيل سَهُل عليه التعاملُ والصلحُ بينه وبين خصمِهِ ومعامِلِه، وتسهلت الطريقُ للوصولِ إلى المطلوب. بخلاف من لم يجتهد في إزالةِ الشحِّ من نفسه، فإنه يعسر عليه التعاملُ والصلح؛ لأنه لا يرضيه إلا جميع ماله، ولا يرضى أن يؤدي ما عليه، فإن كان خصمه مثله اشتد الأمر وعظُم النزاع. قال الله تعالى: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ‌وَأُحْضِرَتِ ‌الأنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا}.

وصلوا وسلموا… .

 

 

أعد الخطبة/ د. بدر بن خضير الشمري

 

 

 

 

خطبة بعنوان فضل السماحة في البيع والشراء


شارك المحتوى:
0