عبر ودروس بعد أن هدأت النفوس


 

بسم الله الرحمن الرحيم،

الآن، وبعد أن هدأت النفوس، وسكن بركان العاطفة، يمكن أن نعلق على مقتل الصحفية الفلسطينية (شرين أبو عاقلة)، وذلك باستخلاص عدة دروس من هذه الحادثة الأليمة، وهي:
1- غدر الصهاينة المحتلين، وهذا غير مستغرب، بل هو ديدن أجدادهم، والسر في زيف أمجادهم.

2- احتقارهم لكل من وقف في سبيل طغيانهم، أيًّا كان دينُه، ما دام واقفا في طريقهم، حاجبا لزيف بريقهم.
3- تناقض الغرب، الذي أدان روسيا الغاصبة عند مقتل الصحافي الأمريكي بلا تردد، ولما كان القاتل صهيونيا والمقتول فلسطينيا، اكتست مباني كلماتِهم كلَّ حذَر، وحوَت معاني تبريراتِهم كلَّ قذَر، وصار الأمر موقوفا على تحقيق للجَزْم، ولا بد من التأكد قبل إثبات التهمة على الخَصْم… وهذا كله من تناقضاتهم التي ملأت الآفاق، ومؤامراتهم التي تُحاك في الأنفاق، والله محيط بالكافرين.
4- تجذُّر القضية الفلسطينية في أعماق المسلمين، على اختلاف طبقاتهم وافتراق توجهاتهم.
5- المواقف تخلِّد ذكرَ صاحبها، ليس الجاهُ والمالُ والجمال، وهذا في الدنيا، وأما الآخرة فلا نصيب فيها إلا لأهل الإيمان.
6- العاطفة إذا لم تُضبَط بالشرع صارت عاصفة، والوجدان بُركان إلا إذا صاحبه شرعٌ محكَّم وعقل مسكِّن.
7- قوة سلطان الإعلام على النفوس، وسحر الصورة في شحن الأجواء وتحريك المشاعر، وهذا سحر اهتدى إليه كهَنَة الغرب قبلَنا، وطالما استعملوه ضدَّنا.
8- هَوْل الصدمة يُنسي التاريخ، وضوابط الشرع، إلا من رحم الله، فترى الناس لا يترحَّمون على من مات من جنود المسلمين في قتال الخوارج والكافرين، ولكنهم يترحمون على من مات على غير ديننا، لأنه دافع عن القضية الفلسطينية التي هي بالأساس دينية، فكيف تُنصر بمحارَبة الدين، ومحادَّة شرع رب العالمين؟!
9- الجزم بالشهادة لمن لم يثبت فيه نص من المسلمين أمر غير مقبول، فكيف إذا كان على من ليس من المسلمين؟! هذا لا شك أنه أشدُّ إثما، وهو من الكذب على الله، والله يقول: {ويلكم لا تفتروا على الله كذبا فيُسحتكم بعذاب وقد خاب من افترى}.
10- من مكائد شياطين الإنس والجن: زعزعة الثوابت، وتغيير المفاهيم، وتزييف الحقائق، من أجل إضعاف الوازع الديني، حتى جاء في البروتوكول 19 من (بروتوكولات حكماء صهيون):
“…ولكي نصل إلى هذه الغاية ـ استخدمنا الصحافة، والخطابة العامة، وكتب التاريخ المدرسية الممَحَّصَة بمهارة (أي: المحرَّفة)، وأوحينا اليهم بفكرة أن القتيل السياسي شهيد، لأنه مات من أجل فكرة السعادة الإنسانية.”
11- أسعد الناس مَن حزِنَ على من مات ظُلما، وقُتِل غدرا، فأدَّى حقَّ الناس، ولكنه لم يقل إلا ما يرضي الله، فلم يضيِّع حقَّ الله.
12- حزِنَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم على عمه أبي طالب (الذي نصره وآواه وأيده بما أوتي من جاه ومال) وقال: لأستغفرن لك ما لم أنه عنك، فنزل القرآن ينهاه عن ذلك : {ما كانَ للنبيِّ والذينَ آمَنُوا أنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ ولو كَانُوا أُولِي قُرْبَى، مِن بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لهمْ أنَّهُمْ أصْحَابُ الجَحِيمِ}.
13- مهما رحِمَ وتعاطَف المخلوق، فرحمته هِبَةٌ من الله الذي هو أرحمُ منه بنفسه، ومن رحمته أنه نهى عباده عن الاستغفار لمن مات على غير ملتهم، وسار على غير شٍرْعَتِهم.
14- بعضُ الناس يستعمل ألفاظا مجمَلة يريد أن يرضيَ بها الجماهير المكلومة، ويتناسى حدودَ عقيدته المعلومة، فيقول عن الصحفية النصرانية: (إلى رحمة الله الواسعة)! وهذا من الباطل الواضح، فإن الله يقول: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۚ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ}، قال الحسن وقتادة: “وسعت رحمته في الدنيا البر والفاجر، وهي يوم القيامة للمتقين خاصة”.
15- كلُّ فتنة وحادِث يحل بالمسلمين، ينكشف فيه تناقضُ أهلِ الباطل من علمانيين، ومتحزبين، ومبتدعين، فتراهم يُتاجِرون بالعقيدة والمبادئ، فيغضبون لها تارة، ويغضبون على مَن غضب لها تارة، مذبذَبون لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، يُناوٍرون بالمبادئ وليست لهم مبادئ، ويُتاجِرون بالقضية الفلسطينية وهم أكثر من أضرَّ بتلك القضية الإسلامية، {تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون}.

والله من وراء القصد.

وكتب: د. الصغير بن عمار

ظهر السبت 13 شوال 1443
ويوافق 14 ماي 2022


شارك المحتوى:
0