الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين بفضله اهتدى المهتدون، وبعدله وحكمته ضل الضالون، لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون، وأشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيرا.
أَمَّا بَعْدُ : فَ (اتَّقُوا اللهَ) عِبَادَ اللهِ(وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)
عباد الله : لَمَّا أَجْمَعَ فرعونُ على قتلِ موسى ومن معه, أمر اللهُ موسى بالخروجِ بقومِهِ ليلاً, فعلم فرعون فأرسل في المدائن حاشرين, فلحق موسى ومن معه متوجهين صوب البحر, فلما دنوا من البحر, قال أصحاب موسى: ﴿ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ﴾. فلما دنا أوائل جند فرعون, ضرب موسى البحر بالعصا فانفلق اثنتي عشرة فِرْقاً, فلما خرج موسى ومن معه, وتكامل فرعون وجنودُهُ داخل البحر. التقى عليهم البحر بأمرِ اللهِ فأغرقهم ، وكان ذلك في اليومِ العاشرِ من محرّم .
بعد ذلك واعد الله موسى؛ كما قال سبحانه: (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى) واعد الله موسى أن يأتيه لينزل عليه التوراة ثلاثين ليلة، فأتمها بعشر (وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ)، فلما تم الميقات، بادر موسى عليه السلام إلى الحضور للموعد شوقا لربه، وحرصا على موعوده، ولكن موسى عليه السلام استبق قومه للقاء الله سبحانه وتعالى، وسأله ربه عم أعجله؟ فقال: ( وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى ) لتزداد عني رضاً، والعجلةُ مذمومةٌ إلا إذا كانت في الدينِ؛ قال تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ) ولما سأله ربه: لماذا سبق قومه؟ قال: (هُمْ أُولاءِ عَلَى أَثَرِي ) خلفي سوف يَلحَقونَ بي ، فأخبر الله موسى ( فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ ) وكان قد استخلف عليهم أخاه هارون وقال له:( اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ)، فما الذي حدث أثناء تلك الغيبة من موسى (وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكَانُواْ ظَالِمِينَ) كان بنو إسرائيل قد استعاروا من القبط، وهم سكان مصر الفرعونيين، استعاروا منهم حلياً كثيرا، ولما هرب بنو إسرائيل أخذوا معهم الحلي ، فخرجوا وهو معهم ، وجمعوه وألقوه في الحفرة تحرجاً منه، حين ذهب موسى ، ليراجعوه فيه إذا رجع ،وكان هناك رجل، قيل إنه ليس من قوم موسى، لكنه من طائفة تعبد البقر، يقال له: السامري دخل معهم ، وكان السامري قد بصر يوم الغرق بأثر فرس جبريل ، فسولت له نفسه أن يأخذ قبضة من أثره، وأنه إذا ألقاها على شيء حيي، فتنة وامتحانا، فشكل لهم من الحلي عجلاً، فألقى تلك القبضة على ذلك الذي صاغه بصورة عجل، فتحرك العجل، وصار له خوار وهو صوت البقر، قال الله: (وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ ) وقال بعضهم لبعض (هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ) هذا العِجلُ هو معبودُكم ومعبودُ موسى الذي غَفَل عنه موسى هاهنا، وذهبَ إلى الجبلِ ليطلُبَه ،
حبك الشيء يعمي ويصم، كما قال النبي ﷺ في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام أحمد وأبو داود: “لما افتتنوا به أحبوه وتغلغل فيهم”، فلم يكونوا على استعداد لتركه ، وصاحب الهوى يعميه الهوى ويصمُّه، فلا يستحضر ما لله ورسوله في ذلك ولا يطلبه، ولا يرضى لرضا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يغضب إذا حصل ما يغضب له بهواه ، لأن الهوى يطغى على قلب الإنسان فيؤثر على آرائه ، لذا هو من الأسباب الرئيسة لحدوث التفرق والاختلاف في هذه الأمة.
وقد ذكر الله -تعالى- في سورة طه أن هارون كان في غيبة موسى حريصاً جداً عليهم، وأنه كان مقاوماً للشرك فيهم، ولذلك قال الله:( وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ ) ليس البيان حصل من موسى فقط، حصل من قبل من هارون: هذه فتنة لكم، وإن ربكم الرحمن وليس هذا العجل (وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي فيما آمركم به وأنهاكم وَأَطِيعُوا أَمْرِي ).
ولكن هؤلاء الشرذمة أصروا على عبادة العجل، وقالوا: ( لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ )، وكانوا هم الأغلبية ، فقالوا ( لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى )أي فلا نقبل كلامك .
ثبت مع هارون ناس ، لكن ما استطاعوا أمام هذا الطوفان من الأشخاص الذين يريدون عبادة العجل .
ولما رأى موسى ما حل بقومه ، رَجَعَ إليهم غَضْبَانَ أَسِفًا ، والأسف: هو أشد الغضب، قال موبخاً لهم: (بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِيَ ) أي في عبادتكم العجل بعد أن تركتكم (أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ ) استعجلتم مجيئي إليكم وهو مقدر من الله ، (يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا ) وذلك بإنزال التوراة، والنَّصرِ على أعدائِكم، وغيرِ ذلك ( أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ ) أي: المدة، وطال عليكم انتِظارُ ما وعَدَكم اللهُ، فتطاولتم غيبتي وهي مدة قصيرة؟ هذا قول كثير من المفسرين، ويحتمل أن معناه: أفطال عليكم عهد النبوة والرسالة، فلم يكن لكم بالنبوة علم ولا أثر، واندرست آثارها، فعبدتم غير الله، لغلبة الجهل ، وليس الأمر كذلك، بل النبوة بين أظهركم، والعلم قائم، أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم؟ أي: فتعرضتم لأسبابه ، وهذا هو الواقع .
(وَأَلْقَى الألْوَاحَ ) التي أعطاه الله إياها وأنزلها عليه في جبل الطور ، مكتوبة التوراة في الألواح، فألقى الألواح غضباً على قومه، وليس إهانة للألواح، وهذا هو قول جمهور أهل العلم: (وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ ) أي: ورَمى موسى عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ الألواحَ في الأرضِ؛ غَضَبًا على قومِه حينَ رآهم يَعبُدونَ العِجلَ .
روى أحمد وصححه الألباني عن ابنِ عبَّاسٍ رضِيَ اللهُ عنهما، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (ليس الخَبَرُ كالمُعايَنَةِ، إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ أخبَرَ موسى بما صَنَعَ قومُه في العِجلِ، فَلَمْ يُلْقِ الألواحَ، فلمَّا عايَنَ ما صَنَعوا أَلْقى الألواحَ )
قال الشنقيطيُّ: (وكثيرٌ من المفسِّرين يقولون: إنَّه ألقاها
إلقاءً قويًّا حتى تكسَّرت، وأنه رُفِعَ شيءٌ منها مع المكسَّرِ منها. وكلُّ هذا لا دليلَ عليه، ولم يَقُمْ عليه دليلٌ صحيحٌ لا في كتاب ولا من سُنَّةٍ، وظاهرُ القرآنِ أنَّها لم تتكسَّرْ )
أخذ برأس أخيه يجره إليه لأنه كان قد استخلفه على قومه خوفاً من أن يكون قد قصر في أمرهم ونهيهم، وقال:( يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّو) بعبادتِهم العِجلَ وكفرهم بالله ، (أَلَّا تَتَّبِعَنِ) أي: أنْ تتَّبعني وتلحقَ بي وتسيرُ ورائي بمن معك من المؤمِنينَ وتفارِقُهم ليكون أزجر لهم .
ثمَّ أخَذ موسى بلِحيةِ أخيه هارونَ ورأسِه يجُرُّه إليه، فناداه هارونُ بالأمومة مُستَعطِفًا لأخيه متوسلا إليه: ( يَا ابْنَ أُمَّ ) ابْنَ أُمَّ يعني يا ابن أمي، أنا وإياك من بطن واحد (لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي ) ولا تشدني شداً ، ففيه أن إعفاءُ اللِّحيةِ هو مِن هَديِ الأنبياءِ عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ،
(أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ)
( إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي) أنا لست قوياً مثلك، فلم يسمعوا كلامي أو يبالوا به ( وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي )
وفي سورة طه (إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ) إن لحقتُ بكَ مع الذين لم يعبدوا العجلَ أن تقولَ لي: فرقتَ بين بني إسرائيل بأن جئتَ ببعضِهم، وتركتَ بعضهم ، ولما لم يكن ذلك من التفريق المذموم لأنَّ مَصلحةَ صَلاحِ الاعتقادِ هي أمُّ المصالحِ التي بها صَلاحُ الاجتِماعِ؛ أراد موسى أن يبين لأخيه أنَّه كان مِن الواجِبِ عليه أن يترُكَهم وضَلالَهم، وأن يلتَحِقَ بأخيه مع عِلمِه بما يُفضي إلى ذلك مِن الاختِلافِ بينهم.
وبعد سماعِ اعتذارِ أخيه هارونَ، التفت الخطاب إلى السامري أصل الفتنة: (قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ) ما حملك على ما صنعت؟ (قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ ) رأيت شيئاً لم يره القوم، رأيت جبريل على فرسه حين جاء لهلاك فرعون بإغراقه (فَقَبَضْتُ قَبْضَةً ) من أثر حافر فرس جبريل، وهذا هو المشهور عند أكثر من المفسرين كما يقول ابن كثير -رحمه الله
(وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي ) حسنت نفسي هذا الشيء وأعجبها.
قال موسى للسامري:( فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لَا مِسَاسَ ) أخرج عنا وباعدنا ، فلا يمسُّك ولا يخالِطُك ولا يقربُك أحدٌ من النَّاسِ، ولا تمسُّ ولا تخالطُ ولا تقربُ أحدًا منهم؛ عقوبةً لك على إضلالِك بني إسرائيلَ .
وهذه الآيةُ أصلٌ في نَفيِ أهلِ البِدَعِ والمعاصي، وهِجرانِهم، وألَّا يُخالَطوا .
(وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا) لعذابك يوم القيامة (لَّنْ تُخْلَفَهُ ) لن يُخلِفَكه اللهُ (وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ) ومعبودك هذا الذي فتنت به الناس (الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا ) ومقيماً على عبادته (لَّنُحَرِّقَنَّهُ ) في النار ( ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا ) بعد برده بالمبارد حتى صار ذرات ، فيذر في هواء في البحر ليفرقه فيه فيتلاشى تماماً ، لأنه كان قد أُشرِبَ العِجلُ في قلوبِ بني إسرائيلَ، فأراد موسى عليه السَّلامُ إتلافَه وهم ينظُرونَ، على وَجهٍ لا تُمكِنُ إعادتُه بالإحراقِ والسَّحقِ وذَرْيِه في اليَمِّ ونَسفِه؛ ليزولَ ما في قلوبِهم مِن حُبِّه، كما زال شَخصُه، ولأنَّ في إبقائِه مِحنةً؛ لأنَّ في النُّفوسِ أقوى داعٍ إلى الباطِلِ .
ولما بين موسى بطلان ما عمله السامري عاد لبيان الحق وهو أنه سبحانه المستحق للعبادة وحده فلا معبود بحق سواه ( إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا )
(وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ
يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) وبعد رؤيتهم غضب موسى وسماع موعظته نَدِمَ بنو إسرائيلَ ندمًا شديدًا على عِبادتِهم العِجلَ (لَئِنْ )لم يَتداركْنا ربُّنا برحمتِه؛ بالتَّوبةِ والمغفرة، لَنَكُونَنَّ من الهالِكينَ .
(وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ )
نادَى موسى عليه السَّلام قومَه بظُلمهم أنفسهم باتِّخاذهم العِجلَ إلهًا يعبدونه؛ وأن عليهم التوبةُ من هذا الجُرم الشنيع، في حقِّ مَن أَوجدهم من العدَم، فالذي خلقَهم هو من يستحقُّ أن يُعبَد وحده لا شريك له، ثمَّ وصَف لهم كيفيَّةَ توبةِ الله تعالى عليهم ( فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) بأنْ يَقتُل بعضُهم بعضًا بالخناجر بالسيوف ولا يبالي من قتل في ذلك الموطن، لا يحنو رجل
على قريب ولا بعيد .
(إن الذين اتخذوا العجل سينالُهم غضبٌ من ربِّهم وذلَّةٌ في الحياة الدُّنيا) كما أغضبوا ربَّهم واستهانوا بأمره. ﴿وكذلك نجزي المفترين﴾ فكلُّ مفترٍ بدعة ، كاذب على الله وعلى شرعه متقوِّل عليه ما لم يقلْ؛ فإنَّ له نصيبًا من الغضب من الله والذُّلِّ في الحياة الدنيا ، كما قال الإمام سفيان بن عيينة : : ليس في الأرض صاحب بدعة إلا وهو يجد ذلة تغشاه،واستدل بهذه الآية.
فكان الغضب الذي نال بني إسرائيل في عبادة العِجْل فهو أنَّ الله تعالى لم يقبل لهم توبةً حتى قتل بعضُهم بعضًا كما في سورة البقرة:( فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ )، وأمَّا الذّلة فأعقبهم ذلك ذُلًّا وصغارًا في الحياة الدُّنيا.
(ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)أي: تجاوزْنا عنكم بمحوِ ذنوبِكم بعد عبادتكم العِجل،
لتكونوا من الشاكِرين نعمةَ الله تعالى عليكم بالعَفوِ .
أقول ما سمعتم
الخطبة الثانية :
الحمد لله …
عباد الله : صام موسى عليه السلام اليوم الذي نجاهم فيه من فرعون شكرا الله على هذا النصر وهذه النعمة، وصامه بنو إسرائيل من بعده واستمروا على صيامه حتى قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وفيها من اليهود من يصومون يوم عاشوراء فسألهم صلى الله عليه وسلم: لما تصومون هذا اليوم؟ مذكرا لهم وإلا فهو يعلم فضل هذا اليوم وما جرى فيه قالوا: هذا يوم نجا الله فيه موسى وقومه فصامه موسى شكرا لله فنحن نصومه قال صلى الله عليه وسلم: نحن أحق وأولى موسى منكم فصامه وأمر بصيامه وقال: لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لأَصُومَنَّ التَّاسِعَ والعاشر ، استقر صيامه سنة في هذه الأمة شكرا لله عز وجل لأن انتصار موسى عليه السلام انتصار للمؤمنين في كل زمان انتصار للحق في كل زمان ، مِمَّا يَبْعَثُ الفَرَحَ والتفاؤلَ في نُفُوسِ المؤمنين, ويُقَوِّي جانِب الثقة بالله في قلوبهم, فإن الله وَعَدَ عباده المؤمنين, وَوَعْدُه صادق, وَأَمْرُه نافذ, متى ما قاموا بلوازم الإيمان, وتَوَفَّرَت فيهم عَوامِلُ النصر وأسبابُه, بالنصر على عدوِّهم والتمكينِ في الأرض.