خديعة الأبراج كبرج الثور


الخطبة الأولى:

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْعَمَ عَلَيْنَا بِالتَّوْحِيدِ، وَأَنْجَانَا مِنَ التَّنْدِيدِ، وَالصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ إِمَامِ الْمُوَحِّدِينَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1] … أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ عِلْمَ الْغَيْبِ خَاصٌّ بِاللَّهِ وَحْدَهُ، لَا يُشْرِكُهُ فِيهِ أَحَدٌ، قَالَ تَعَالَى: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا﴾ [الجن: 26] وَقَالَ تَعَالَى: ﴿قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ﴾ [النمل: 65] وَقَالَ: ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ﴾ [الأنعام: 59].

وَاعْتِقَادُ عِلْمِ الْغَيْبِ فِي الرُّسُلِ وَالْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَغَيْرِ ذَلِكَ شِرْكٌ أَكْبَرُ مُخْرِجٌ مِنَ الْإِسْلَامِ، وَمَا أَكْثَرَ هَذَا فِي جُهَّالِ الْمُسْلِمِينَ، وَاعْتِقَادُ أَنَّ الْجِنَّ وَالشَّيَاطِينَ تَعْلَمُ الْغَيْبَ شِرْكٌ أَكْبَرُ، فَعِلْمُ الْغَيْبِ خَاصٌّ بِاللَّهِ وَحْدَهُ.

وَمِمَّا شَاعَ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ جُهَلَاءِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُمُ اعْتَقَدُوا فِي الْكَوَاكِبِ وَالنُّجُومِ وَالْأَفْلَاكِ، فَنَسَبُوا إِلَيْهَا الْخَيْرَ وَالشَّرَّ، مِنْ مَطَرٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَهَذَا كُلُّهُ مُخَالِفٌ لِلتَّوْحِيدِ، كَأَنْ يُنْسَبَ الْمَطَرُ لِنَجْمِ سُهَيْلٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ.

رَوَى الْإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، لَا يَتْرُكُونَهُنَّ: الْفَخْرُ فِي الْأَحْسَابِ، وَالطَّعْنُ فِي الْأَنْسَابِ، وَالِاسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ، وَالنِّيَاحَةُ».

وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ قَالَ: ” {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ} [الملك: 5] خَلَقَ هَذِهِ النُّجُومَ لِثَلَاثٍ: جَعَلَهَا زِينَةً لِلسَّمَاءِ، وَرُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ، وَعَلَامَاتٍ يُهْتَدَى بِهَا، فَمَنْ تَأَوَّلَ فِيهَا بِغَيْرِ ذَلِكَ أَخْطَأَ، وَأَضَاعَ نَصِيبَهُ، وَتَكَلَّفَ مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ “.

وَفَرْقٌ كَبِيرٌ بَيْنَ مَنْ يَنْسِبُ الْمَطَرَ إِلَى الْأَفْلَاكِ وَالنُّجُومِ وَبَيْنَ مَنْ يُخْبِرُ بِأَنَّ ظُهُورَ نَجْمٍ كَذَا عَلَامَةٌ عَلَى حُصُولِ الْأَمْطَارِ أَوْ غَيْرِهَا، وَلَيْسَ سَبَبًا وَإِنَّمَا عَلَامَةٌ، فَيَذْكُرُ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْإِخْبَارِ، فَهَذَا جَائِزٌ وَلَيْسَ شِرْكًا، مَعَ اسْتِحْضَارِ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَبِّبُ وَأَنَّ هَذِهِ النُّجُومَ لَيْسَتْ أَسْبَابًا، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَخْلُقِ النُّجُومَ وَالْأَفْلَاكَ أَسْبَابًا بَلْ هِيَ خَلْقٌ مُسَخَّرٌ لَا إِرَادَةَ لَهُ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ [الأعراف: 54].

وَإِنَّ مَقْتَضَى التَّوْحِيدِ أَنْ يَمْتَلِئَ الْقَلْبُ تَعَلُّقًا بِاللَّهِ وَحْدَهُ، وَلَا يُنْسَبُ الْخَيْرُ أَوِ الشَّرُّ لِأَسْبَابٍ وَهْمِيَّةٍ لَا إِرَادَةَ لَهَا، وَأَنَّ اعْتِقَادَ هَذَا فِي الْكَوَاكِبِ وَالنُّجُومِ مِنَ اعْتِقَادَاتِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ الْمُشْرِكِينَ.

اللَّهُمَّ احْفَظْ عَلَيْنَا تَوْحِيدَنَا، وَأَحْيِنَا عَلَى التَّوْحِيدِ وَالسُّنَّةِ حَتَّى نَلْقَاكَ رَاضِيًا عَنَّا.

 

الخطبة الثانية:

الْحَمْدُ لِلَّهِ وَكَفَى، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ الْمُجْتَبَى وَرَسُولِهِ الْمُصْطَفَى، أَمَّا بَعْدُ:

فَمِمَّا شَاعَ كَثِيرًا بَيْنَ جُهَّالِ الْمُسْلِمِينَ وَالْكَافِرِينَ الِاعْتِقَادُ فِي الْأَبْرَاجِ، كَبُرْجِ الثَّوْرِ وَالْأَسَدِ وَالْحُوتِ … وَغَيْرِهَا، فَيَزْعُمُونَ أَنَّ مَنْ وُلِدَ فِي بُرْجٍ كَذَا فَصِفَاتُهُ كَذَا وَكَذَا … إِلَخَ.

وَكُلُّ هَذَا كَذِبٌ وَخُرَافَةٌ مُنَافٍ لِلتَّوْحِيدِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لِلْأَبْرَاجِ تَأْثِيرٌ فِي خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ أَوْ سَعَادَةٍ أَوْ تَعَاسةٍ، وَمَنْ زَعَمَ ذَلِكَ فَقَدْ أَخْطَأَ، وَتَابَعَ الْأَوْهَامَ وَالْجَهَالَاتِ، وَجَعَلَ نَفْسَهُ لُعْبَةً يَتَلَاعَبُ بِهَا الشَّائِعَاتُ، فَكَيْفَ يَقْنَعُ مُتَعَلِّمٌ مُثَقَّفٌ بِهَذِهِ الْجَهَالَاتِ وَالْخُزَعْبِلَاتِ؟ كَيْفَ يَقْنَعُ عَاقِلٌ ذَكِيٌّ بِهَذِهِ التُّرَّهَاتِ الَّتِي لَمْ تُثْبَتْ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ وَلَا دَلِيلٍ تَجْرِيبِيٍّ عِلْمِيٍّ؟ يَا لَلَّهِ أَيْنَ عُقُولُ الْمُسْلِمِينَ؟ يَا لَلَهِ أَيْنَ الذَّكَاءُ وَالْفِطْنَةُ وَالْحَصَافَةُ؟ حَتَّى بَلَغَ بِبَعْضِ الْمُخْدُوعِينَ الْجَاهِلِينَ أَنَّهُ قَبْلَ أَنْ يُزَوِّجَ أَحَدًا أَوْ يُصَادِقَهُ أَوْ يُصَاحِبَهُ يَسْأَلُ مِنْ أَيِّ بُرْجٍ هُوَ؟!

اللَّهُ أَكْبَرُ! أَلِهَذَا الْحَدِّ خُدِعَتِ الْعُقُولُ وَصَارَتْ تَتَّبِعُ السَّرَابَ؟ أَلِهَذَا الْحَدِّ ضَعُفَ التَّوْحِيدُ وَالتَّوَكُّلُ؟

إِنَّ مَنْ طَالَعَ الدَّجَّالِينَ وَالْمُتَلَاعِبِينَ بِهَذِهِ الْأَبْرَاجِ فِي الْقَنَوَاتِ الْفَضَائِيَّةِ أَوْ وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ فَهُوَ آثِمٌ وَلَوْ لَمْ يُصَدِّقْهُمْ!

رَوَى الْإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ، وَقَدْ جَاءَ اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ، وَإِنَّ مِنَّا رِجَالًا يَأْتُونَ الْكُهَّانَ، قَالَ: «فَلَا تَأْتِهِمْ».

فَكَيْفَ إِذَا اعْتَقَدَ فِيهِمْ وَصَدَّقَهُمْ فَإِنَّهُ يَكْفُرُ، لِمَا رَوَى أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَنْ أَتَى كَاهِنًا، أَوْ عَرَّافًا، فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ».

أَيُّهَا الْمُوَحِّدُونَ، حَافِظُوا عَلَى تَوْحِيدِكُمْ، فَلَا نَجَاةَ إِلَّا بِالتَّوْحِيدِ، رَوَى الْإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «مَنْ لَقِيَ اللَّهَ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ لَقِيَهُ يُشْرِكُ بِهِ دَخَلَ النَّارَ».

فَتَعَاهَدُوا أَوْلَادَكُمْ ذُكُورًا وَإِنَاثًا، وَأَزْوَاجَكُمْ، وَزُمَلَاءَكُمْ، أَلَّا تَزِلَّ بِهِمُ الْأَقْدَامُ فِي مُطَالَعَةِ هَذِهِ الْأَبْرَاجِ وَتَصْدِيقِهَا، وَإِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَدْعُو إِلَيْهَا فَقُومُوا قَوْمَةَ مُوَحِّدٍ فَنَاصِحُوهُ وَأَنْكِرُوا عَلَيْهِ، فَإِنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ.

اللَّهُمَّ ثَبِّتْنَا عَلَى التَّوْحِيدِ وَالسُّنَّةِ حَتَّى نَلْقَاكَ رَاضِيًا عَنَّا.

اللَّهُمَّ احْفَظْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا.

اللَّهُمَّ اهْدِنَا فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَبَارِكْ لَنَا فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَتَوَلَّنَا فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ.

أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

وَقُومُوا إِلَى صَلَاتِكُمْ يَرْحَمْكُمُ اللَّهُ.

نسخة للطباعة
تنزيل الكتاب
نسخة للجوال
تنزيل الكتاب

ضلال الاعتقاد في الأبراج كبرج الثور والحوت


Tags: , ,

شارك المحتوى:
0