زياد الدريس … والسلفية التي قصد !


بسم الله الرحمن الرحيم

زياد الدريس … والسلفية التي قصد !

ردًا على الدريس في مقالته (السلفية: هل هذا وقتها؟) وتوابعها

الحمد لله وحده, والصلاة والسلام على نبيه وعبده ,,, أما بعد :

كتب الأستاذ زياد الدريس مقالًا في صحيفة الحياة بعنوان (السلفية … هل هذا وقتها ؟) وهب للرد عليه ثلة من الأفاضل الكرام, ممن أخذتهم الغيرة على بيان الحق ونصح الخلق, وفي مقدمتهم الأستاذ عبد الرحمن الأنصاري, في رد شاف واف, أرتكز على فهم دقيق لمقصود مقال الأستاذ الدريس, والمنطلقات الفكرية التي أنتجت ذاك المقال .

وقبل تسرب الوسوسات الشيطانية أقول: إن معرفة حقيقة المقاصد والنيات للأشخاص لا يعلمها إلا الله وحده جل في علاه, وأما مقصود ألفاظ وعبارات الأشخاص فمتاح لكل عارف بلغة الضاد, ولا يكون التنصيص على أن مقصود العبارة وأنه كذا أو كذا دخولًا في نية القائل وقصده, بقدر ما يكون بيانًا لمقصود الكلام وما يدل عليه, والإنسان مؤاخذ في الشرع بما يصدر عن لسانه, وإنما جُعل اللسان على الفؤاد دليلًا, وذلك على معتقد السلف.

وعلى ما قاله عمر رضي الله عنه : ” إنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم, فمن أظهر لنا خيرًا أمنَّاه وقرَّبناه وليس إلينا من سريرته شيء, اللهُ يحاسبه في سريرته, ومن أظهر لنا سوءًا لم نأمنه ولم نصدقه, وإن قال إنّ سريرته حسنة ” .

فعندما يقول الأستاذ الدريس (السلفية … هل هذا وقتها ؟) مختتمًا العبارة بعلامة استفهام وهو استفهام استنكاري كما وضّح في مقاله, فمقصود هذا الصنيع : استنكار تبني خطابًا يدعو إلى التمسك بالسلفية, وأن ذلك ليس وقته بالكلية سواء اتفقنا على كنه تلك المسماة بالسلفية أو اختلفنا.

ولن ينفع الأستاذ الدريس اضطرابه وتناقضه بعد المقال وبعد توالي الردود عليه من كرام أفاضل, نص هو على عقل بعضهم وإن رمى البعض الأخر بفرية التأليب والاستعداء لمجرد اختلافه معهم منهجيًا, فإن سلّمنا تسليم السذج وتركنا هؤلاء المؤلبين بزعم الدريس ومناصريه, فما القول فيمن نصصت على رجاحة عقله وفهمه كالأستاذ عبد الرحمن الأنصاري زاده الله توفيقًا ؟

والعقلاء يعرفون أن زيادًا الدريس هداه الله تورّط بمقاله وقاله, ثم ذهب المذاهب للخروج من هذه الورطة, ولا يعلم بأن لسانه قد أدانه عند كل ذي لب وصدر متجرد للحق.

فخذ هذه أيها القارئ الكريم لتعرف أن الدريس بصره الله بما ينفعه قصد أصول السلفية المتفق عليها بين أهلها, فيقول الدريس بلسان فصيح : ((أن الدولة العربية الكبرى التي دعت، الأسبوع قبل الماضي، إلى الارتقاء بمنظومة التعاون الخليجي العربي نحو «اتحاد خليجي»، هي ذاتها الدولة الإسلامية الكبرى التي دعت، الأسبوع الماضي، إلى الهبوط من دورها المركزي في رعاية الإسلام والدعوة إليه إلى رعاية «السلفية» والدعوة إلى «تبنّي إستراتيجية لنشر المنهج السلفي» … الدوائر الدينية التي يمكن المملكة العربية السعودية أن تكون فيها: الدائرة الكبرى هي الدولة الإسلامية التي تحتضن قبلة المسلمين الذين يتجهون إليها من مشارق الأرض ومغاربها خمس مرات كل يوم. الدائرة الوسطى هي الدولة السُّنّية التي تحمي مذهب أهل السنّة وتدعمه. الدائرة الصغرى هي الدولة السلفية التي تتبنى منهج دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، يرحمه الله)). انتهى الكلام المقصود من منطوق الدريس

فالكاتب صرّح بأن تبني الدولة لاستراتيجية لنشر المنهج السلفي ورعاية السلفية هو هبوط من الدائرة الاولى الكبرى التي يدعو إليها الكاتب بزعمه إلى الدائرة الصغرى وليست الوسطى أيضًا ! بل الصغرى المتمثلة في «الدولة السلفية التي تتبنى منهج دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب يرحمه الله » وهذا نص عبارته !!

ثم يأتي الأستاذ الدريس فيُشهد الله على أنه لم يقصد السلفية المنهج الذي عليه الصحابة والسلف الصالح فقال في تغريدة له : ((وليس هدفي علم الله نقد السلفية المنهج الذي هو منهاج الصحابة والسلف الصالح الذين نفخر بإتباعهم والانتماء لهم دينًا ووطنًا)) !؟

إذن هما أحد أمرين :

إما أن الأستاذ الدريس سدده الله يهرف بما لا يعرف, ويكتب بضحالة معرفية لا تمت للواقع بصلة, ومن هذه حاله لا يجوز له التطرق لمسئوليات الدولة والتعرض لنقدها.

وإما أن الأستاذ الدريس عفا الله عنه يعتقد ويدين الله بأن منهج دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ليس على منهج الصحابة والسلف الصالح.

ولو لي الخيار لاخترت للأستاذ الجهل على الثانية !!!

ولكنّ تعقيبات الأستاذ الدريس وردوده بعد المقالة الورطة, تدل على أنه يتخبط ويتناقض وهما علامة الأقوال الباطلة والمنحرفة كما هو معلوم .

فالأستاذ أراد الهروب من الورطة برمي ما احتمل من بطلان على ظهر ما يسمى بالجامية أو السلفية الحزبية, فوقع في شر أعماله بأن سقط في برزخ بين باطلين والله المستعان.

علمًا بأن الاستاذ وكل من فرح بهذا المقال وتمنى أن يكون هو من كتبه !, لو صدقوا لصدعوا بالحق وأنه لا فرق بين السلفية الوهابية وبين السلفية الجامية وبين السلفية التقليدية وبين السلفية العلمية بحسب التقسيم المحدث الباطل.

وإنما هم ناقمون على السلفية أصولًا لا أفرادًا, وهو الذي قصده وعناه زياد الدريس بمقاله الورطة, وفهمه المعجبون على هذا النحو دون مواربة, ولكن الباطل لجلج وأصحابه في ذلة وصغار ولو هملجت بأقوالهم مواقع إفساد المجتمعات أقصد التواصل الإجتماعي.

فإيهام الأستاذ الدريس للناس بأنه إنما ينقم على بعض السلفيين الذين ينبزون بالجامية زورًا وبهتانًا من الكاتب وغيره, وسوف تكتب شهادتهم ويسألون, ينقضه نص كلامه عن مجموع المشاركين في الندوة وذلك عند قوله : ((إن النبرة الحزبية الخفية أو المستترة في نقاشات وتوصيات الندوة لا تنبئ عن ذلك الهدف النبيل، بل هي تكريس لمزيد من الحزبية الاقصائية)) .انتهى

انظر ملخصات البحوث وأوراق العمل على الرابط للتحقق من دعوى الكاتب !؟

http://www.imamu.edu.sa/events/alsalafyah/forms/Documents/Abstracts.pdf?bcsi_scan_FDDE8F6572C53A92=BTLZkSkpFXNAFQ/oOUAI2RQrk3osAAAAfXz1ZQ==&bcsi_scan_filename=Abstracts.pdf

ولا أدري عن أي إقصائية يتحدث, علمًا بأن المشاركين في هذه الندوة المباركة جاءوا من مختلف البلاد الإسلامية, بل وكثير منهم تحدث عن الأخطاء الفردية التي تقع من بعض السلفيين في تطبيقهم للسلفية كمنهج, فانتقدوا الغلو في التبديع والتكفير وانتقدوا التساهل والتمييع, وبهذا تعرف أن الذم من قبل الدريس إنما هو موجه لأصل المنهج لا إلى من ينبزهم الكاتب بالجامية فقط, ولو أفصح لنطق بذلك صراحة, بل لتعدى إلى القول بأن كل العلماء السلفيين الكبار هم من الجامية, لأن السلفية من حيث أصولها هي إقصائية في نظر الكاتب وكل من اُعجب بمقاله من أهل الانحراف سواء من الرافضة والصوفية أو من الليبرالين أو من أصحاب التفسير السياسي للإسلام من الحركيين.

وبهذه النظرة المجحفة يكون أئمة السلف كلهم من أتباع الشيخ محمد أمان الجامي رحمه الله وأسكنه فسيح جناته ورفع درجته في المهديين, ويذكرنا هذا بالنكتة الصوفية التي تقول: إن ابن تيمية وهابي !! .

إذن فالشيخ صالح اللحيدان حفظه الله جامي لأنه صرّح بمثل ما يُنتقد على ما يسمى بالجامية فقال سلمه الله بقوله : ” بالنسبة للاخوان المسلمين أرجو ألا يتولوا سلطة في أي بلاد إسلامية، وأن لا تكون السلطة لهم، هم ليسوا في عملهم ساعين لنصرة العقيدة واعلاء شأنها هم عمل في الغالب طلاب حكم، هم في ذلك يرون قول المرشد كأنه تشريع من السماء “. انتهى ونطق به حفظه الله في محرم 1433 للهجرة.

وكذلك الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله يكون جاميًا لأنه صرّح بمثل ما يُنتقد على ما يسمى بالجامية ” فحذّر سلمه الله من الحزبيين الذين يريدون انتزاع الحكم في البلاد السعودية ” عند تعليقه خلال هذا الشهر على كلمة ولي العهد الأمير نايف بن عبد العزيز حفظه الله في ندوة السلفية التي أكد فيها سموه تمسك الدولة السعودية بالمنهج السلفي السوي.

وكذلك الشيخ عبد المحسن العباد البدر حفظه الله يكون جاميًا لأنه يصرّح بما يُنتقد على ما يسمى بالجامية فحذّر من جماعة الإخوان المسلمين ومن جماعة التبليغ ونص حفظه الله على مفارقة دعوة هذه الجماعات للدعوة الصحيحة المتمثلة في الدعوة السلفية فقال حفظه الله : ” وبمقتضى كلام مؤسس هذه الحزب – يقصد حسن البنا – الذي تبرأ فيه ممن لا يوافقهم فإنه لا تلاقي بيندعوتهم والدعوة السلفية التي قامت عليها الدولة السعودية وهي تحكيم الكتاب والسنة وفقاً لما كان عليه سلف الأمة، ومن مهمات حزبهم الوصول إلى السلطة ولم يظفروا بها … وليس لعُبَّاد أصحاب القبور الذين يدعونهم ويستغيثون بهم ويسألونهم قضاء الحاجات وكشف الكربات ـ فيما أعلم ـ نصيب من دعوة الإخوان المسلمين، ومثلهم جماعة التبليغ ” .انتهى وكان بتاريخ 27/12/1432 للهجرة.

وكل من ينتسب للدعوة السلفية عقيدة ومنهجًا واستدلالًا بحق, وعلى رأسهم الشيخ العلامة محمد الصالح العثيمين رحمه الله لا يخالف في هذه المواقف المتظافرة والمتفقة على قول واحد: جِماعهُ البراءة من المخالفات المنهجية المبتدعة ومحاربتها والتحذير منها, ومن أصحابها كلا بحسب ضلالته, ومن خالف في ذلك وهوّن من شأنها فهو إما جاهل بالمنهج السلفي وإن كان محب له, أو متستر به مستخف به ولاريب.

وأما أخطاء وجهالات بعض أتباع المشايخ من المتحمسين للسلفية ممن قل علمه أو نقص حلمه, وقد ضرب الأستاذ الدريس مثالًا بسلفي فرنسا, إن صدق.

فصنيع الأستاذ عين صنيع أهل الجاهلية, الذين ينفرون الناس عن أهل الحق, بأخطاء أتباعهم كما أورده الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في مؤلفه مسائل الجاهلية فقال : (المسألة التاسعة عشرة هي : أنهم يقدحون في بعض الصالحين بفعل بعض المنتسبين إليهم).

قال الشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله : ” وهذا ظاهر بيّن في أنّ صاحب الهوى يتلمّس ما يُبطل به حجة من جاءه بالهدى وما يُضعف به مكانَه، وقد يكون ذلك عن طريق القدح في الأتباع، إذا لم يجد طريقًا على صاحب الدعوى … فإذا لم يجد طريقًا قدح في الأتباع ليكون قدحه في الأتباع قدحًا في المتبوع، وهذا كان في المشركين كما سمعتم، وكان عند اليهود وعند النصارى وعند أصحاب كل النِّحلات؛ لأنّه من أسهل الطرق؛ لأنّ الأتباع ليسوا بمعصومين – يعني بخلاف أنبياءهم المعصومين- فلابد أن يحصل منهم غلط، لابد يحصل منهم قصور، فإذا أُبطل الحق بفعل الأتباع صار ذلك نوع هوى، بل هو هوى باطل، وهذا جاء في طوائف في هذه الأمة … لهذا نقول هاهنا إن القاعدة المقررة أنه يُنظر إلى الحق الثابت، ولا ينظر إلى من أخطأ تطبيق ذلك الحق، فإنّ من الناس من يكون يخطئ في تطبيق الحق، فلا ينسب خطؤه إلى ذلك الطريق الحق … ، فلا يجوز أن يقدح في أحد من أهل العلم بفعل بعض المنتسبين إليه، بل أعظم من ذلك أنه قد قدح في الإسلام بفعل المسلمين، ولا بد هنا أن يكون تباين بين الإسلام والمسلمين؛ لأن المسلمين بفعلهم لا يدلون على الإسلام، فمن أراد أن يعرف الإسلام ولأن يتعلم الإسلام يأخذه من معينه الصافي، ولا ينظر في أفعال أهله لأنه ربما كان في أفعالهم ما يصد عن الالتزام بالإسلام واعتقاد صحته “. انتهى

فالسلفية ليست حزبًا حركيًا أو تنظيمًا إخوانيًا, يسعى إلى تكثير السواد وإقصاء الذوات, بل هي منهج دعوي يحرص على إنقاذ الناس من ظلمات عقولهم إلى أنوار الصراط المستقيم الموصل للنعيم المقيم, فالأمر بالمعروف بالمعروف والنهي عن المنكر بدون منكر, من أعظم درجات النصح للناس بكافة أجناسهم وعلى مختلف مخالفاتهم وأخطاءهم, وهذا ما تقوم به الدولة السعودية منهجًا بغض النظر عن أخطاء التطبيق عند الأفراد وهذا الذي لن يخلو منه عمل .

ومن المعيب على كاتب مثل الأستاذ, وهو المنتمي إلى بلاد التوحيد والسنة, أن يختلط عليه الأمر أو يظهره كذلك, فيفصل بين الإسلام والسلفية ويجعلهما متقاطعان مختلفان, ويكأن السلفية بدعة من البدع, وهو يعلم على الاقل أن دعوى أهلها بأنها هي الإسلام الصافي الذي فهمه السلف الصالح عن نبيهم صلى الله عليه وسلم وتمسك به من بعدهم إلى عهد الدولة السلفية السعودية, وهي كذلك, فأعزها الله بهذه الدعوة وأعز الدعوة بها .

فنعم هذا هو والله وقت السلفية, والثبات عليها, والعمل على نشرها بين المنتسبين للإسلام, ليعيش المسلمون في عز وأمن وأمان, فيستطيعون بناء القوة والمنعة وإعداد العدة, التي تخولهم للعيش بكرامة وعزة وشموخ .

وليس بالفوضى الخلاقة المسماة بالثورات والحاصلة في بعض بلاد المسلمين هذه الأيام, فهذه والله وبالله وتالله من أكبر أسباب زيادة انحطاط الأمة وتكالب أعدائها عليها, وهوانها على الناس, ولله الأمر من قبل ومن بعد .

وأعجب من بعض الكتّاب وكيف يخفى عليهم حال الحرب الباردة بين دولتنا السعودية وعدوتها اللدودة إيران الرافضية وأذنابها من الجماعات الحزبية, فهل هذا هو المرجو منهم في هذه الأوقات, فالواجب عليهم ترك شهواتهم الفكرية جانبًا, والحذر من سكرة الفكر, وتمنية الشيطان الرجيم {يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلا غُرُورًا} وهي عادة الشيطان مع الإنسان فمن كيده له كما قال ابن القيم : أنه يورده الموارد التي يخيل إليه أن فيها منفعته, ثم يصدره المصادر التي فيها عطبه, ويتخلى عنه ويسلمه, ويقف يشمت به ويضحك منه .

وما أحسن ما أنشد حسان بن ثابت رضي الله عنه في هذا المعنى حين قال:

دَلّاهُمْ بِغُرُورِ ثُمّ أَسْلَمَهُمْ … إنّ الْخَبِيثَ لِمَنْ وَالَاهُ غَرّارُ

وَقَالَ إنّي لَكُمْ جَارٌ فَأَوْرَدَهُمْ … شَرّ الْمَوَارِدِ فِيهِ الْخِزْيُ وَالْعَارُ

فمن كان خليًا عن البدعة الحركية أو الليبرالية فستنفعه الذكرى إن شاء الله, ومن كان محترقًا بإحدهما فليس لها من دون الله كاشفة .

والله أعلم وأحكم وهو القادر على هداية من يشاء من عباده وأن يغفر ذنوبنا وإسرافنا وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم, والحمد لله رب العالمين.

وكتبه ناصحًا / علي بن عمر النهدي

14 صفر 1433 ه


شارك المحتوى: