خطورة الدين وانهماك الناس فيه


الخطبة الأولى

الحمد لله الذي أوجب العدل في كل الأحوال، وحرم الظلم في الدماء والأعراض

والحقوق والأموال، وأشهد أن لا إله إلا الله كامل الأوصاف وواسع النوال، وأشهد

أن محمدا عبده ورسوله الذي فاق جميع العالمين في العدل والفضل والإفضال، اللهم

صل وسلم على محمد وعلى آله وأصحابه خير صحب وأشرف آل.

 

أما بعد: أيها الناس، اتقوا الله تعالى، واعلموا أن مدار التقوى على القيام بالعدل في

حقوق الله وحقوق العباد، فإن التوحيد غاية العدل، والشرك أعظم الظلم وأشنع

الفساد، كما قال تعالى: ﴿إن الشرك لظلم عظيم﴾.

 

فإذا كان الله هو الذي خلقك ورزقك وعافاك وأعطاك فمن العدل الواجب أن يكون معبودك، وإليه ترجع في رغباك ورهباك، فمن أظلم ممن سوى المخلوق الناقص الفقير بالرب الغني الكامل القدير. إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، قال تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين﴾

 

أيها المؤمنون:

قد أمر الله ورسوله بالعدل بين الناس في جميع الحقوق، ونهى عن الظلم والجور

والفسوق.

وقد روى ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم النحر فقال: “يا أيها الناس أي يوم هذا؟”، قالوا: يوم حرام، قال: “فأي بلد هذا؟”، قالوا: بلد حرام، قال: “فأي شهر هذا؟”، قالوا: شهر حرام ، قال: “فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا”، فأعادها مرا ر ا، ثم رفع رأسه فقال: ” اللهم هل بلغت، اللهم هل بلغت”.

بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعني الله وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة، أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

 

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له: إله الأولين والآخرين، وقيوم السماوات والأرضين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحابته أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد؛

 

معاشر المؤمنين:

إن من أعظم الظلم الذي تفشى في كثير من المجتمعات الإسلامية، ولدى ضعيفي الإيمان والله المستعان هو المماطلة بسداد الدين مع قدرة المدين على الوفاء.

ثبت عن رسولنا صلى الله عليه وسلم أنه قال: “مطل الغني ظلم” وفي رواية البخاري “لي الواجد يحل عقوبته وعرضه” أي: يحل شكايته وحبسه.

 

معاشر المؤمنين: الدين شأنه عظيم، وإذا مات الإنسان، ولم يفِ بما عليه، فإنه معرض لخطر عظيم، وخطب جسيم.

فعن جابر رضي الله عنه ، قال: توفي رجل فغسلناه، وحنطناه، وكفناه، ثم أتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عليه، فقلنا: تصلي عليه؟ فخطا خطى، ثم قال: “أعليه دين؟” قلنا: ديناران، فانصرف، فتحملهما أبو قتادة، فأتيناه، فقال أبو قتادة: الديناران علي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “حق الغريم، وبرئ منهما الميت؟” قال: نعم، فصلى عليه، ثم قال بعد ذلك بيوم: “ما فعل الديناران؟” فقال: إنما مات أمس، قال: فعاد إليه من الغد، فقال: لقد قضيتهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الآن بردت عليه جلده”.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه”.

وروى مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قام في أصحابه فذكر لهم أن الجهاد في سبيل الله، والإيمان بالله أفضل الأعمال، فقام رجل، فقال: يا رسول الله، أرأيت إن قتلت في سبيل الله، تكفر عني خطاياي؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: “نعم، إن قتلت في سبيل الله، وأنت صابر محتسب، مقبل غير مدبر”، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كيف قلت؟” قال: أرأيت إن قتلت في سبيل الله أ ت كفر عني خطاياي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “نعم، وأنت صابر محتسب، مقبل غير مدبر، إلا الدين؛ فإن جبريل عليه السلام قال لي ذلك”.

 

وأعظم من ذلك أيها المؤمنون: من أخذ أموال الناس، وهو لا يقصد أداءها.

فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من أخذ أموال الناس يريد

أداءها أدى الله عنه، ومن أخذ يريد إتلافها أتلفه الله”.

 

اللهم اقض عنا الدين، وأغننا من الفقر، وتوفنا وأنت راض عنا، ونحن في سلامة من الديون والحقوق يا رب العالمين.

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون * وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون﴾

و الحمد لله رب العالمين.

 

أعد الخطبة: بدر بن خضير الشمري.

. للملاحظات التواصل عبر الرقم: 0533646769

خطورة الدَّين وانهماك الناس فيه


شارك المحتوى: