تأصيل التبديع وسبب تبديع الإخوان والتبليغ


تأصيل التبديع وسبب تبديع الإخوان والتبليغ

بسم الله الرحمن الرحيم

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ………. أما بعد:

فهذه إجابة سؤال صوتي ورد على قناتي بالتليجرام، ثم فرغ :

متى يُخرَج الرجل أو الطائفة من أهل السنة إلى أهل البدعة؟

يقال جوابًا على هذا السؤال: ينبغي أن يُعلم أن المسائل المختلف فيها نوعان:

نوعٌ يسوغ الخلاف فيه؛ أي اختلف فيه السلف ولم يكن مصادمًا للنص من كل وجه، ويسمى: بالمسائل الاجتهادية.

ونوعٌ لا يسوغ الخلاف فيه بأن يكون مخالفًا لإجماع سابق، أو لنص من كل وجه، وهذا يسمى بالمسائل الخلافية.

ذكر هذا شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- في كتابه “بيان الدليل في بطلان التحليل”.

إذا تبين أن المسائل نوعان، نوعٌ يسوغ الخلاف فيه، ونوعٌ لا يسوغ الخلاف فيه، فإنَّ بحث متى يبدع الرجل فهو من الصنف الذي لا يسوغ الخلاف فيه، أي: في المسائل التي تعد مخالفة لإجماع أهل العلم، فمثل هذا هو الذي يُبحَث فيه متى يبدع الرجل؟

ويجب أن يُعلم أن المسائل المخالفة للإجماع إذا تلبس بها رجل، أو فعلها، أو تبناها فإنه لا يُبدَّع مطلقًا، بل فيها تفصيل، وإنما يبدَّع في أحد حالين:

الحال الأولى: أن يكون خالف أهلَ السنة في أمرٍ كلي، ومعنى أمرٍ كلي؛ أي: في قاعدة كلية تحتها أفراد وجزئيات، فمثلاً لو أن رجلاً أو طائفةً قالوا: لا ندعو للتوحيد، واستمروا على هذا، هذا أمرٌ كلي، فرقٌ بين أن لا يدعو في موقفٍ معين، وبين أن يتخذ منهجًا أن لا يدعو إلى التوحيد، فمثل هذا مخالف لأهل السنة في أمرٍ كلي.

أو قالت طائفة: نحن لا ننكر المنكر، حتى لا ننفِّرَ المدعو، هذا مخالفة لأهل السنة في أمرٍ كلي.

أو قالت طائفة: نحن لا نوالي، ولا نعادي على التوحيد والسنة، وإنما نتحزب على أحزابنا، فمثل هذا مخالفة لأهل السنة في أمرٍ كلي، لأن كل من كان معهم أحبوه، وكل من لم يكن معهم بَغِضوه، أو عادوه، أو انتقصوه، أو غير ذلك.

أو قالت طائفةٌ، أو رجلٌ: نحن نؤول الصفات الفعلية، هذه مخالفة لأهل السنة في أمرٍ كلي.

أو قالت طائفةٌ أو رجل: نحن لا نثبت خبر الآحاد في باب الاعتقاد، هذا مخالفة لأهل السنة في أمرٍ كلي، إلى غير ذلك من الأمثلة الكثيرة.

فمن خالف أهلَ السنة في أمرٍ كلي، فإنه يُبدّع.

وقد قرَّر هذا الشاطبي -رحمه الله تعالى-، وهو مقتضى كلام شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى-، وكلام غيره كالبربهاري وغيره؛ لأن الذي خالف أهلَ السنة في أمرٍ كلي خالفهم في أصلٍ من أصولهم، والسلف قد بدّعوا جمعًا ممن خالف أهلَ السنة، بدّعوا القدرية، وبدّعوا الجهمية، وبدّع الإمام أحمدُ أبا سعيدٍ بن كُلاَّب، فبدَّع السلف الكلابية، ثم بعد ذلك بدَّع العلماء الأشاعرة، إلى غير ذلك مما فعله العلماء في تبديع من خالف أهلَ السنة في أمورٍ كلية.

فإذًا القاعدة: كل من خالف أهلَ السنة في أمرٍ كلي فإنه يُبدَّع.

فإن قيل: ما المراد بالكلي؟

يقال: المراد بالكلي هو الذي تحته أجزاء وأفراد، ويقابل الكليَّ الجزئيُ الذي ليس تحته شيء، وإنما هو فردٌ واحد، جزء واحد.

الحال الثانية: إذا خالف أهلَ السنة في أمرٍ جزئي بشرط أن يكون هذا الجزئي مشهورًا الخلاف فيه، بين أهل السنة وأهل البدعة، يعني: اشتهر الخلاف فيه بين أهل السنة وأهل البدعة.

كأن يقول رجلٌ أو طائفة: نحن نسب الصحابي الفلاني، كأن يسبوا أبا هريرة -رضي الله عنه-، أو معاوية بن أبي سفيان، أو عبد الله بن عمرو بن العاص، فمن سب، أو انتقص صحابيًا واحدًا فهو مبتدع؛ لما قرّر ذلك الإمام أحمد في كتابه “أصول السنة” التي ينقل فيها إجماع أهل السنة، وقرره غيره -رحمه الله تعالى-، وإن كان هذا مخالفًا لأهل السنة في أمرٍ جزئي لكنه يُبدّع.

ومثل ذلك: لو أن رجلاً أو طائفة يرون الخروج على حاكمٍ مسلم ، فإنهم يُبدَّعون في ذلك؛ لأنهم قد خالفوا أهل السنة في أمرٍ جزئي لكن هذا الجزئي مما اشتهر الخلاف فيه بين أهل السنة وأهل البدعة.

أو قال رجلٌ أو طائفة: نحن لا نثبت الاستواء لله؛ نؤول الاستواء، أو نؤول النزول، أو نؤول العلو، إلى غير ذلك، كل هذه أمور جزئية، ومن فعل ذلك فإنه يُبدَّع، وكلام أئمة السنة في أمثال هذا كثيرٌ.

فإذًا من خالف أهل السنة في أمرٍ جزئي فإنه يُبدَّع.

لذا ضَلَّلَ الإمام سفيانُ الثوري، والإمام أحمدُ، الحسنَ بنَ صالح؛ لأنه ما كان يصلي خلف ولاة الأمور، ولا يرى الجمعة خلفه، ويرى الخروج عليه، وإن كان لم يخرج، لكنه لما اعتقد ذلك بدّعوه، مع أن المخالفة في مثل هذا مخالفة في أمرٍ جزئي، وكذلك بدَّع الإمام أحمدُ الحسينَ الكرابيسي لما رأى اللفظ، مع أنه لم يصرِّح أن القرآن مخلوق، لكنه وقع في بدعة اللفظ، وهي بدعة واحدة، ومع ذلك بدّعه الإمام أحمد، وقال قوام السنة: ((لما بدّعه الإمام أحمد توارد أهل السنة على تبديعه)).

إذًا، يتلخص مما تقدم أن من خالف أهل السنة في أمرٍ كلي، فإنه يُبدّع، أو خالف أهل السنة في أمرٍ جزئي اشتهر الخلاف فيه بين أهل السنة وأهل البدعة، فإنه يبدّع.

والحال الثانية مستفادة من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- لما ذكر متى يُبدّع الرجل والطائفة؟ قال: إذا خالف أهل السنة في أمرٍ اشتهر الخلاف فيه بين أهل السنة وأهل البدعة، ثم ضرب أمثلةً على ذلك رحمه الله رحمة واسعة.

إذا تبين هذا، فإنه من وقع في أحد هذين الأمرين فإنه يُبدّع، بخلاف من خالف أهل السنة في أمرٍ جزئي لم يشتهر الخلاف فيه بين أهل السنة وأهل البدعة، فمثل هذا لا يُبدَّع، كما أوَّل القاضي شريح -رحمه الله تعالى- قراءة “بل عجبت”، وأنكر صفة العجب.

قال ابن تيمية -رحمه الله- كما في “مجموع الفتاوى”: وهو مع ذلك هو إمام من الأئمة بالاتفاق.

وكذلك القصاب صاحب “نكت القرآن” يرى عذاب القبر، لكن لا يرى أن العذاب يستمر، فأخطأ في هذا، وذكر هذا شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- في كتابه “بيان تلبيس الجهمية”، وذكر كلام بعض أهل العلم في الاعتذار له، وعدم تبديعه؛ وأن مثل هذا الخطأ لا يبدع به.

ومثل ذلك الإمام ابن خزيمة -رحمه الله تعالى-، أوَّل حديث الصورة في عود الضمير إلى رب العالمين سبحانه، وقال إنه يعود إلى آدم، أو إلى الضارب، فلما فعل هذا وخالف إجماع أهل السنة، لم يبدّعه أهل السنة؛ لأنّ خطأه خطأٌ جزئي، ذكر هذا في بحث نفيس شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه “بيان تلبيس الجهمية”، ونقل كلام جمع من أهل السنة في عدم تبديع ابن خزيمة، والسبب في ذلك هو أن خطأ القصاب، وخطأ ابن خزيمة خطأ جزئي، فمن أخطأ خطأ جزئيًا فإنه لا يُبدَّع.

هذه أصول ينبغي أن تضبط، وأن تعرف؛ ليعرف الرجل متى يبدّع المخالف، سواء أن كان جماعة أو كان فردًا، وأن نكون في هذا الباب وسطًا على ما عليه أهل العلم، لا نكون كالحدادية الذين يبدعون بكل جزئي، ولا نكون كالحزبيين الذين يرجعون التبديع، بل والتكفير أيضًا إلى أهوائهم ومصالح حزبهم، وإنما نكون وسطًا على ما عليه أهل السنة.

وإذا عُلم ما تقدم، يُعلم يقينًا أن جماعة الإخوان المسلمين جماعة بدعية، وهي مبتدعة؛ والسبب في ذلك أنها خالفت أهل السنة في كليات كثيرة، فهم لا يرون الدعوة إلى التوحيد وإفراد الله بالعبادة، وعندهم تحزب على حزبهم، وولاء وبراء على حزبهم، قد ذكر شيخ الإسلام في المجلد الثالث عشر من “مجموع الفتاوى”، لما أراد أن يضرب مثلاً على متى يُبدّع الرجل؟ قال: ((كل من والى وعاد على رجل فإنه يبدَّع)).

ومراد كلامه: أن من تحزب على رجل؛ فمن كان معه أحبه، ومن لم يكن معه بغضه وكرهه، ذكر أن مثل هذا يُبدّع.

فمثل ذلك يقال في جماعة الإخوان المسلمين الذين يتحزبون على جماعتهم، فمن كان معهم أحبوه وقدَّروه، ومن لم يكن معهم إما أن يبغضوه، أو لا يلتفتوا إليه، إلى غير ذلك.

وأيضًا مما تُبدَّع به جماعة الإخوان المسلمين أنهم يرون الخروج على الحكام، ويدينون بهذا، من إمامهم حسن البنا، إلى الإخوان المسلمين اليوم، فهم يدينون بالخروج على الحكام ويرون ذلك دينًا، ويرون أن الحكم لا ينبغي أن يكون إلا لهم، وأنه إذا لم يكن لهم، فلابد أن يُسْقَط هذا الحاكم، فبما أنهم يتدينون بالخروج على الحكام فإنهم مبتدعة.

وأيضًا مما يبدّعون به عدم مبالاتهم والاهتمام بالتوحيد وبالسنة، ولا يلتفتون إلى مثل هذا، وإنما يبالون، ويتعصبون، ويوالون، ويعادون على ما تقدم ذكره من حزبهم.

ومثل ذلك أيضًا إذا عُلم هذا، عُلم بما تقدم ذكره أن جماعة التبليغ جماعة بدعية، وذلك لأصول عندهم، وهي:

الأصل الأول: التحزب على الجماعة.

الأصل الثاني: عدم الدعوة للتوحيد.

الأصل الثالث: التزهيد في العلم.

الأصل الرابع: عدم إنكار المنكر؛ ويرون أن إنكار المنكر ينفِّر المدعوّين، إلى غير ذلك مما عندهم من الأصول.

فينبغي لنا أن نضبط هذه المسائل علميًا على ما سار عليه علماؤنا وأئمة السنة، بالنظر إلى الدليل وصنيع سلف هذه الأمَّة، ثم بعد ذلك نطبقّه عمليًا على واقعنا من غير إفراطٍ ولا تفريط، وبعدلٍ حتى ننزِّل العلم على الواقع، ويعرف الناس من المبتدع من غيره، فنقوم بواجب الله تجاه المبتدعة من الإنكار عليهم والتحذير منهم، وبغضهم إلى غير ذلك.

أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يفقهنا في الدين، وأن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا ما علّمنا، وجزاكم الله خيرًا.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لسماع المادة:

http://www.islamancient.com/ressources/audios/1949.mp3

د. عبدالعزيز بن ريس الريس

المشرف على شبكة الإسلام العتيق

14 / 11 / 1437هـ


شارك المحتوى: