بدعة الاحتفال بالمولد النبوي


 

الخطبة الأولى:

الحمدُ للهِ الذي مَنَّ على البشريةِ بالرحمةِ المُهداةِ مُحمدٍ بنِ عبدِ اللهِ ﷺ، وَالصلاةُ والسلامُ على رسولِنَا وخليلِنَا محمدٍ بنِ عبدِ اللهِ ﷺ.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا. يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 70، 71]، أمَّا بَعدُ:

فقدْ منَّ اللهُ بإرسالِ محمدٍ ﷺ، فقالَ سبحانَه ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [الجمعة: 2].

وهوَ دعوةُ أبيهِ إبراهيمَ عليهِ السلامُ، قالَ سبحانهُ ﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [البقرة: 129].

وَهُوَ السراجُ المنيرُ البشيرُ النذيرُ، قالَ سبحانَهُ ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا. وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا﴾ [الأحزاب: 45، 46].

وهوَ الهدايةُ كمَا قالَ تعالَى ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الشورى: 52].

وهوَ صاحبُ المقامِ المحمودِ الذِي لا ينبغِي إلا لهُ، قالَ تعالَى ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا﴾ [الإسراء: 79].

وقدْ أمرَ اللهُ بطاعتِهِ فِي القرآنِ فِي نحوٍ منْ أربعينَ موضعًا كمَا قالَ ذلكَ شيخُ الإسلامِ ابنِ تيميةَ-رحمه الله-.

وإنَّ لنبينَا ﷺ حقوقًا علينَا بيَّنتها الشريعةُ المحمديةُ، ومنْ تلكُم الحقوقِ:

الحقُّ الأولُ: اتباعُه فإنَّه سببٌ لمحبةِ اللهِ قالَ سبحانَه ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾ [آل عمران: 31] وقال ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ [الأحزاب: 21].

فالمحبُّ الصادقُ هوَ المتبعُ لهٌ ومنِ ادَّعى محبتَه ولم يتبعْه فليسَ صادقًا فِي محبتِه بلْ محبتُه ناقصةٌ.

الحقُّ الثاني: محبتُه، فيجبُ أنْ نقدِّمَ محبتَه علَى محبةِ كلِّ شيءٍ حتَّى علَى نفوسِنَا.

أخرجَ الشيخانِ منْ حديثِ أنسٍ، والبخاريُّ من حديثِ أبِي هريرةَ أنَّ النبيَّ ﷺ قالَ: (ٍلَا يؤمنُ أحدُكم حتَّى أكونَ أحبَّ إليهِ منْ ولدِه ووالدِه والناسِ أجمعينَ)

الحقُّ الثالثُ: أن لَّا يتقدمَ بينَ يديهِ ﷺ قالَ سبحانَهُ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [الحجرات: 1]، أخرجَ ابنُ جريرٍ عنِ ابنِ عباسٍ أنهُ قالَ:” لا تقولُوا خِلافَ الكتابِ والسنةِ “.

ومنَ التقديمِ بينَ يديهِ ﷺ: البدعُ؛ التِي حقيقتُها إحداثٌ فِي الدينِ مِا لم يكنْ عليهِ النبيُّ ﷺ ولا صحابتُه.

أخرجَ البخاريُّ ومسلمٌ عن عائشةَ أنَّ النبيَّ ﷺ قالَ: «منْ أحدثَ فِي أمرنَا هذَا مَا ليسَ منهُ فهو ردٌّ».

فالإحداثُ فِي الدينِ أمرٌ محرَّمٌ وكبيرةٌ مِن كبائرِ الذنوبِ بخلافِ الإحداثِ فِي أمورِ الدنيَا فإنهُ مباحٌ، فالمكيِّفاتُ والسياراتُ محدثاتٌ، لكنَّها ليستْ بدعةً لأنهَا منْ أمورِ الدنيَا.

وإنْ لازمَ الإحداثَ فِي الدينِ أنَّ اللهَ لمْ يكملْ دينَه ولمْ يؤدِّ رسولُ اللهِ الأمانةَ ببلاغِ الدينِ؛ لذا قَال الإمامُ مالكٌ رحمَهُ اللهُ: “مَن أحدثَ فَي هذهِ الأمةِ شيءٌ لم يكنْ عليهِ سلفُها فقدْ زعمَ أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ خانَ الرسالةَ؛ لأنَّ اللهَ يقولُ ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ [المائدة: 3] فمَا لم يكنْ يومئذٍ دينًا فَلا يكونُ اليومَ دينًا”.

أسألُ اللهَ الذي لا إلهَ إلَّا هوَ أنْ يمنَّ علينَا بالقيامِ بحقوقِ نبينَا ﷺ.

أقولُ مَا تسمعونَ وأستغفرُ اللهَ لِي ولكُم فاستغفروهُ إنَّه هوَ الغفورُ الرحيمُ.

 

الخطبة الثانية:

الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ والصلاةُ والسلامُ علّى النبيِّ الأمينِ محمدٍ بنِ عبدِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وآلِه وصحبِه وسلمَ أمَّا بعدُ:

فإنَّ الإحداثَ فِي الدينِ مبغضٌ للهِ ربِّ العالمينَ؛ لأنَّه لَا دليلَ عليهِ، ولمْ يفعلْه سلفُنا وهمْ أغيرُ وأحرصُ علَى رضَا اللهِ، ومنْ ذلكَ هذَا الاحتفالُ الذي يفعلُه أصحابُه بزعمِ محبةِ رسولِ اللهِ ﷺ.

وهوَ محرمٌ شرعًا لأوجهٍ:

الوجهُ الأولُ: أنهُ بدعةٌ لأنهُ لَا دليلَ عليهِ، ولمْ يفعلْه رسولُ اللهِ ﷺ ولا سلفُنا الأخيارُ، ولو كانَ خيرًا لسبقونَا إليهِ.

الوجهُ الثاني: أنَّ أولَ منْ أحدَثه العبيديونَ وهمُ المسمونَ بالفاطميينَ – كذبًا وزورًا – فِي القرنِ الرابعِ، والذي أحسنُ أحوالِهم أنَّهم رافضةٌ مكفرونَ للصحابةِ ومتهمونَ أمَّ المؤمنينَ عائشةَ – رَضيَ اللهُ عنهَا- بالزنَا.

يا سبحانَ اللهِ يمضِي القرنُ الأول ُوالثاني والثالثُ فَلا تُفعلْ هذهِ البدعةُ!

كيفَ تكونُ خيرًا ويتركُها أصحابُ القرونِ المفضلةِ؟ فلا سلفَ للمحتفلينَ بالمولدِ من العلماءِ الماضينَ كأئمةِ المذاهبِ الأربعةِ أبي حنيفةَ ومالكٍ والشافعيِّ وأحمدَ – رحمهمُ اللهُ -.

الوجهُ الثالثُ: أنَّ تحديدَ مولدِ النبيِّ ﷺ باليومِ الثانِي عشرَ منْ ربيعٍ الأولِ لَا دليلَ عليهِ قطعيٌّ، بلْ إنَّ العلماءَ لا يزالونَ مختلفينَ فِي تحديدِ يومِ مولدِ النبيِّ ﷺ؛ لأنهُ لَا دليلَ واضحٌ على تحديدِه بهذَا اليومِ.

الوجهُ الرابعُ: أنَّه عندَ فعلِ هذهِ البدعةِ يفعلُ معهَا بدعٌ أخرى، بلْ وشركياتٌ مثلُ الاستغاثةِ برسولِ اللهِ وغيرِ ذلكَ منَ البدعِ كاعتقادِ الحضرةِ، حتَّى يقولَ أحدُهم:

هذَا النبيُّ معَ الأحبابِ قدْ حضرَا… وسامحَ الكلَّ فيمَا قدْ مضَى وجرَا

فالشطرُ الأولُ: بدعيٌّ، والثانِي: شركيٌّ.

يا سبحانَ اللهِ يدَّعونَ محبةَ رسولِ اللهِ ويشاقونَه فِي أصلِّ الدينِ الذِي جاءَ بهِ وهوَ توحيد الله.

الوجهُ الخامسُ: أنَّ معاودَةَ هذا اليومَ بالاحتفالِ يُصَيِّرُهُ عيدًا، والأعيادُ كلُّها محرمةٌ فِي الشريعةِ إلَّا عيدَ الفطرِ وعيدِ الأضحى.

أيُّها المسلمونَ: إنَّ كثيرًا منَ الباطلِ يروجُ بحجةِ كثرةِ منْ يفعلُه أوْ أنَّ الآباءَ وَالأجدادَ كانُوا يفعلونَه، وهَذا ليسَ عذرًا عندَ اللهِ؛ لأنَّ الشريعةَ أمرتْ باتباعِ الكتابِ والسنةِ وعدمِ الالتفاتِ إلَى غيرهمَا كمَا قالَ سبحانَه ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ [النساء: 59].

وقدْ ذمَّ اللهُ اتباعَ الكثرةِ فِي قولِهِ ﴿وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [الأنعام: 116] وقال ﴿فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾ [الحديد: 26].

وذمَّ اتباعَ الآباءِ والأجدادِ والمعظَّمينَ وتركِ الكتابِ والسنةِ، قالَ سبحانَه عنْ أهلِ النارِ ﴿وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا﴾ [الأحزاب: 67].

إنَّ بدعةَ الاحتفالِ بمولدِ النبيِّ ﷺ شائعةٌ في العالمِ الإسلاميِّ، والمخدوعينَ بها كثيرونَ، وكثيرٌ منهم يستعدُّ لها من أولِ هذا الشهرِ شهرِ ربيعٍ الأولِ، فقوموا بواجبِ النصيحةِ، وتحذيرِ الناسِ من هذهِ البدعةِ فمن كانَ من الناسِ سالِمًا فيُحذَّروا وِقايةً؛ فإنَّ الوِقايةَ خيرٌ من العلاجِ، ومن كان  متورِّطًا بها فيُحذَّرُ ليتركَهَا ويجتَنِبَهَا، قال تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ [آل عمران: 110].

وقد أصبحَ المجتمعُ كالقريةِ الواحدةِ عبرَ هذه القنواتِ الفضائيةِ ووسائلِ التواصلِ الاجتماعيِّ، فتعاهدوا أولادَكُم وأهلَكُم أجمعينَ ليحذَرُوها وينفُروا منها النفرةَ الشديدةَ.

أسألُ اللهَ الذي لَا إلهَ إلَّا هُو أنْ يمنَّ علينَا أنْ نشربَ منْ حوضِ نبينَا محمدٍ ﷺ، ونسألُ اللهَ أنْ يشفعَ فينَا نبينَا محمدًا وأنْ نكونَ رفقاءَهُ فِي الجنةِ إنَّه الرحمنُ الرحيمُ.

اللهمَّ يا مَن لا إلَه إلا أنتَ وفِّق المسلمينَ للقيامِ بكتابِك وسنةِ نبيِّك علَى مَا عليهِ السلفُ الصالحُ إنَّك الرحمنُ الرحيمُ وقومُوا إلَى صلاتِكم يرحمْكم اللهُ.

نسخة للطباعة
تنزيل الكتاب
نسخة للجوال
تنزيل الكتاب
dsadsdsdsdsads

شارك المحتوى:
0