المقاصد العقدية للصيام


المقاصد العقدية للصيام

الخطبة الأولى


إن الحمد لله، نحمده و نستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. صلى الله عليه وعلى آله وصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.



أما بعد:


يا أيها الناس اتقوا الله، واعملوا بمراضيه وسارعوا في طاعته ما دام الوقت وقت إمكانٍ ومقدرةٍ فالفتن خطافة، والمستقبل غيب، ولا يدري الإنسان متى يموت أو يمرض أو يعجز فيفوت عليه وقت العمل والمسارعة وما شرع الصوم الا لتحقيق التقوى (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون )



عباد الله :الصيام مدرسة المؤمنين، منه يتخرجون، ومنه يتعلمون، يعرفون به ربهم، وتأخذ نفوسهم على طاعته، ويتأملون معانيه، ومقاصده، وآثاره، فيعود ذلك على قلوبهم وجوارهم بالاستقامة وحسن العمل.



إن من المقاصد العظيمة في الصيام، تلك المقاصد العقدية التي ترسخ في قلب العبد المسلم تعلقه بربه، وتعزز معتقده ليصمد أمام الفتن والأهواء والمغريات.


إن المسلم مادام قوي المعتقد راسخاً فيه، فلا يضره شيء بإذن الله، وما دام خفيف المعتقد غير راسخ فيه فقد تهزه أدنى شبه، وتركسه أدنى شهوه.



ولأجل ذلك كانت دعوة الرسل قائمة في المرتكز الأول على تصحيح المعتقد وترسيخه في القلوب.
فإن القلوب متى ما عمرت بالمعتقد الصحيح أثمرت الاستقامة على السنة والثبات عليها، ومتى ما اهتزت العقيدة فيها، أو عمرت بالمعتقد الفاسد انحرفت الجوارح إلى البدع، وسارعت إلى الزيغ.

فمن المعالم العقدية في الصيام :


1- إقامة توحيد الله ففي الحديث القدسي يقول الله تعالى : ( الصوم لي وأنا أجزي به يدع شرابه وطعامه وشهوته من أجلي) .


2- تحقيق الإيمان بغنى الله تعالى عن خلقه من كل وجه وافتقار الخلق له من كل وجه ففي الحديث يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعام وشرابه)، فإن الله تعالى لم يكلفنا بعبادته لحاجته لنا، بل لحاجتنا له افتقارنا غاية الافتقار لرحمته وعفوه، ورحمته إنما تنال بطاعته.


3- تحقيق الإيمان برقابة الله واطلاعه وعلمه بما أعلن وما أخفي فإن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، وهذا الإيمان بالمراقبة يحث الصائم على المحافظة على صومه من إفساده بالمفطرات، والعمل بذلك في وقت الصيام يحث المسلم على مراقبة الله في كل أمر من أمور حياته وليس في الامتناع عن المفطرات فحسب.


4- تحقيق العبودية لله بمخالفة اليهود والنصارى وعدم التشبه بهم حيث يبادر المسلم للفطر متى تحقق غروب الشمس وكذا بأكل طعام السحور بخلاف اليهود والنصارى ففي الحديث يقول صلى الله عليه وسلم : (عجلوا الفطر فإن اليهود والنصارى يؤخرون) ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر).


5- عظم الرابطة بين أهل الإيمان حيث جاء الصيام لتعزيز هذا الارتباط وتقويته ففي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من فطر صائما كان له مثل أجره من غير أن ينقص ذلك من أجر لصائم شيئا). وكذلك شرع الله زكاة الفطر لسد رمق المحتاج من المسلمين، وكذلك أمر بالكف عن الخصومة وقت الصيام والرد على من خاصم في وقت الصيام أن يقول له (إني صائم) وفي هذا درء للسيئة بالحسنة وفيه دفع لما قد يقع بين المتخاصمين من المسلمين مما قد يوجد في النفوس من الحقد والعداوة إثر الخصومة، وهذا من أعظ ما يعزز الموالاة بين المؤمنين ويحفظ هذه الرابطة العظيمة فالمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض.

ومن المعالم العقدية في الصيام :

6- صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم حيث قال صلى الله عليه وسلم : (للصائم فرحتان :فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه) فإن كل صائم ينتابه شعور بالفرح الحسي والطمأنينة في القلب عند فطره، أي عند انتهاء صومه اليومي، وعند إتمامه صيام شهر رمضان وحلول العيد ، وهذا من آثار الطاعة، وثمرات الاستقامة.


7- ختم صيام شهر رمضان بإعلان التوحيد لله بالتكبير كما قال تعالى في ختم أحكام الصيام في سورة البقرة ( ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلمن تشكرون)
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم … إلخ

الخطبة الثانية :


الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه ومن أحبه فاتبع سنته ونهجه وسلم تسليما كثيرا أما بعد :



عباد الله :

العقيدة الصحيحة أصل الفلاح، ومرتكز النجاح، فاحرصوا على تحقيق التوحيد والإيمان بالله وحسن الاعتقاد والعمل، وإياكم والتهاون في المعتقد بتعريض القلوب لسياط الشبهات، ومجالسة أهل الأهواء أو الاستماع لهم، أو القراءة في مقالاتهم أو كتبهم، فالإصغاء لأهل الأهواء مطية الزيغ.

وحافظوا على ما بقي من شهركم بحسن العمل والمسارعة في طاعة الله ومضاعفة الجهد، فقد ذهب منه ما أودعت فيه -يا عبدالله- من خير أو شر، فاختم شهرك بالمزيد من الإحسان إن كنت محسنا، واستدراك ما فاتك إن كنت مسيئا مفرطاً.



ثم صلوا وسلموا على الرسول المصطفى والنبي والمجتبى والإمام المقتفى محمد بن عبدالله. اللهم صلِّ وسلمْ على عبدِكَ ورسولِكَ نبينا محمد، اللهم وارض عن أَصحابِه وأتباعِه إلى يومِ الدينِ، وعنّا معهم بِعَفْوِك وَرَحْمَتِك، وغُفْرَانِك يا أَرْحَمَ الراحمين.



اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين. ودمِّر أعداء الدين، واحم حوزة الدين، وأجعل هذا البلد آمناً مطمئنَّا وسائر بلاد المسلمين.

اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على طاعتك.

اللهم لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.

اللهم وفقنا لصيام رمضان وقيامه إيماناً واحتساباً، واجعلنا فيه من المقبولين، وأعذنا من مسالك أهل الغفلة وأهل التضييع والتفريط يا رب العالمين.



اللهم وأجعله شهر بركة على أمة الإسلام، أعز فيه أمرها، وأعل فيها كلمتها، وأجمع به شتاتها وفرقتها، وأنصرها على عدوها يا أرحم الراحمين.

اللهم ولِّ على المسلمين خيارهم، واكفهم شرارهم وأصلح ولاة أمور المسلمين وارزقهم الباطنة الصالحة الناصحة التي تدلهم على الخير وتأمرهم به وتحذرهم من الشر وتنهاهم عنه.



اللهم وفق ولي أمرنا لكل خير و جنبه كل شر وارزقه السداد في القول والعمل واجمع به كلمة المسلمين وانصر به دينك وأعل به كلمتك .وآخر دعوانا أنِ الحمد لله رب العالمين .

الخطبة مهذبة من خطبة الشيخ صالح السويح .


شارك المحتوى: