المجموعة (864)


يقول السائل: بدأ ينتشر الزواج بلا ولي، فما الحكم في ذلك مع الدليل والتوضيح لأحكام الولي؟

الجواب:
ينبغي أن يُعلم أن الأمر شديد، وليس سهلًا، فإن الأدلة الشرعية من الحديث النبوي وفتاوى الصحابة على أنه لا نكاح إلا بولي، والأصل في الفروج والأبضاع الحرمة، فلذلك ينبغي أن يكون المسلم حذرًا وألا يُقدم على شيء من مثل هذا إلا ببينة وبرهان كالشمس في رائعة النهار، لئلا يقع في ذنب كبير وجُرم عظيم وهو الزنا -عافاني الله وإياكم-.

ولا يخفى على كل مسلم ما يترتب على الزنا من الوعيد في الدنيا والآخرة، فلذا ينبغي الحذر غاية الحذر، وأن يحتاط المسلم غاية الاحتياط، وأن يجعل مرجعه في دينه كله لاسيما في الفروج والأبضاع الدليل من الكتاب والسنة.

وقد دلت الأدلة من السنة النبوية وآثار الصحابة على أنه لا يصح زواج إلا بولي، أخرج الخمسة إلا النسائي عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- أنه قال: قال -صلى الله عليه وسلم-: «لا نكاح إلا بولي وشاهدين». صححه الإمام أحمد ويحيى بن معين، والإمام البخاري، وغيرهم من أهل الحديث.

وثبت عن عمر -رضي الله عنه- وابن عباس أنهما قالا: “لا نكاح إلا بولي”، وثبت عن غيرهم من الصحابة.
فلذا من تساهل في هذا الأمر وتزوج بلا ولي، فقد خالف الحديث النبوي، وخالف الخليفة الراشد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، وخالف بقية الصحابة الذين نصُّوا على أنه لا نكاح إلا بولي، كابن عباس وغيره -رضي الله عنهم-.

فليتق الله كل مسلم وليكن حذرًا وألا يجعل هواه ولا ما تشتهيه الأنفس غالبًا وحكمًا عليه.

ثم يتعلق بالولي أحكام يطول ذكرها، لكن أُشير إلى بعضها على عجالة سريعة:

الأمر الأول: يُشترط أن يكون الولي ذكرًا، فلا يجوز ولا يصح أن يكون الولي امرأة، ثبت عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: “لا تُنكح المرأة المرأة”، وقد أجمع العلماء على ذلك، كما حكاه ابن قدامة -رحمه الله تعالى-.

الأمر الثاني: يُشترط في الولي أن يكون ذكرًا بالغًا، فلا يصح أن يكون الصغير وليًا، وذلك أن الصغير لا يصح بيعه ولا شراؤه، كما قال سبحانه: ﴿وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ﴾ [النساء: 5]، إلى أن قال سبحانه: ﴿ وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ﴾ [النساء: 6].

فإذن لا يُعطى الصغير المال ولا يصح بيعه ولا شراؤه، فكيف يصح أن يكون وليًا؟

الشرط الثالث: أن يكون الولي مسلمًا، فالكافر لا يجوز أن يكون وليًا على مسلمة، لقوله تعالى: ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾ [التوبة: 71].
فلو أسلمت امرأة فلا يصح أن يكون أبوها أو أخوها الكافر وليًا عليها، وهذا بإجماع أهل العلم، حكى الإجماع ابن المنذر -رحمه الله تعالى-.

الأمر الرابع: الأحق بالولاية وهي على الترتيب: الأب، ثم الجد، وإن علا، ويلي ذلك الابن ثم ابن الابن، وإن نزل، ثم الأخ الشقيق الذي من الأم والأب، ثم الأخ لأب، ثم الأقرب فالأقرب في الإرث.

فعلى هذا لو أن الابن زوَّج أخته مع وجود الأب أو الجد لم يصح أن يكون وليًا، بل يكون بالترتيب: الأب ثم الجد ثم الابن ثم ابن الابن، ثم الأخ الشقيق، ثم الأخ لأب، ثم على حسب الترتيب في الإرث.

هذه بعض الأحكام المتعلقة بالولي، وأؤكد أن الأمر شديد، فليتق الله من تساهل في ذلك وتزوج بلا ولي، وليعلم أن الأمر شديد وأن الأمر مزلة قدم ووقوع في زنا وهو كبيرة من كبائر الذنوب، أسأل اله أن يعافينا وإياكم.

أسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، وجزاكم الله خيرًا.

864


شارك المحتوى: