المجموعة (1070)


يقول السائل: هل يستحب لمن كان على طهارة أن يتوضأ مرة أخرى إذا أراد النوم؟

الجواب:
قد جاءت الأحاديث عن رسول الله ﷺ أنه يتوضأ لكل صلاة، وجاءت أحاديث أنه صلى أكثر من صلاة بوضوء واحد، منها ما روى البخاري عن عمرو بن عامر عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: كان النبي ﷺ يتوضأ عند كل صلاة. قال عمرو: قلت: كيف كنتم تصنعون؟ قال: يُجزئ أحدنا الوضوء ما لم يُحدث.

ومنها ما روى الإمام مسلم عن بريدة -رضي الله عنه- أنَّ النبيَّ ﷺ صلى الصلوات يوم الفتح بوضوء واحد، فقال له عمر: لقد صنعت اليوم شيئًا لم تكن تصنعه، قال: «عمدًا صنعت يا عمر».

فالحديث الثاني دالٌّ على أنه صلى أكثر من صلاة بوضوء واحد بخلاف الحديث الأول، فإنه كان يتوضأ لكل صلاة، وظاهر كلام شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- أنَّ البحث عند العلماء جارٍ في الصلوات ولا يدخل في ذلك تجديد الوضوء لأجل الذكر أو غير ذلك، لذا ذكر -رحمه الله تعالى- كما في (مجموع الفتاوى) أنَّ العلماء تنازعوا في تجديد الوضوء لمن صلى، قال: أما من لم يُصل فإنَّ تجديد الوضوء له بدعة، لم يفعله النبي ﷺ ولا صحابته الكرام، ولا المسلمون إلى يومنا هذا.

فظاهر كلامه أنَّ الأمر معلق بالصلاة ولا يدخل في ذلك الذكر، وقد رأيت الشاشي الشافعي ذكر أنَّ الطهارة تُجدد لأجل الذكر، لكن فيما ذكر شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- من فهم العلماء السابقين من الصحابة والتابعين لهم أنَّ المسألة في الصلاة وأنَّ ما عدا الصلاة -والله أعلم- لا يدخل في ذلك، ويؤيد كلامه أنه لم يثبت في السنة النبوية أنَّ النبيَّ ﷺ كان يُجدد وضوءه للنوم.

فلذا تجديد الوضوء في مثل هذا -والله أعلم- فيه نظر، لاسيما والحكمة من ذلك أنَّ ينام متطهرًا وأن يُضعف تلاعب الشيطان به، كما بيَّن ذلك النووي -رحمه الله تعالى- في شرحه على مسلم.

يقول السائل: هل يصح لنا أن نقول: إنَّ الله خلق السماوات والأرض لأجل عبادته مستدلًا بقوله تعالى: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون﴾…؟

الجواب:
في هذا نظر -والله أعلم-، فإنَّ الآية صريحة في أنَّ الله خلق الجن والإنس لأجل عبادته، أما السماوات والأرض فلا يلزم أن يكون كذلك، بل قد يكون خلقها سبحانه لينتفع بها العباد، كما قال سبحانه: ﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ [هود: 7] فقوله: ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ أي: ليبلوكم في الانتفاع بها، كما بيَّن هذا ابن كثير -رحمه الله تعالى-، أي في انتفاع العباد بها.

وإنما يُتعبَّد بخلق السماوات والأرض بأن يتفكَّر العباد فيها، كما قال سبحانه: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ﴾ أما أن يُقال إنَّ ذات خلق السماوات والأرض لأجل عبادته، هذا يحتاج إلى دليل -والله أعلم-.

أسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا، وجزاكم الله خيرًا.

1070


شارك المحتوى: