المجموعة (1044)


يقول السائل: يتناقل بعضهم أوبريت “نبي الهداية” في مهرجان الرسول الأعظم لفرقة الحديدة، ومن كلماتهم عن رسولنا محمد ﷺ: “يا مُجلل الهم والكرب …”، فما حكم تناقل هذا؟

الجواب:
إن أعظم ما أمر الله به التوحيد، وقد أجمعت الرسل في الدعوة إلى التوحيد كما قال سبحانه: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾، وكل نبي يأتي إلى قومه قائلًا: ﴿يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾، وإذا كان أهم الأوامر وأعظمها كما قال تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ بدأ بالتوحيد، ولما بدأ بالمحرمات بدأ بنقيضه وهو الشرك لأنه أعظم الآثام، كما قال سبحانه: ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾
ثم جلس نبينا محمد ﷺ في مكة عشر سنوات لا يدعو إلا إلى التوحيد، ثم فُرضت عليه الصلاة في السنة العاشرة واستمر داعية للتوحيد والفرائض تُفرض عليه، إلى مرض موته وهو يدعو إلى التوحيد كما أخرج البخاري ومسلم من حديث عائشة -رضي الله عنها- أن النبي ﷺ قال: «لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد».

ونقيض التوحيد الشرك، وهو الذنب الوحيد الذي لا يغفره الله، كما قال سبحانه: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ في آيتين في سورة النساء، والكلام على التوحيد يطول لكن من المتقرر في كتاب الله وسنة النبي ﷺ وعند أهل العلم أن أعظم الواجبات التوحيد وأن أعظم المحرمات الشرك.

وخلاصة التوحيد: إفراد الله بما يختص به، وأعظم ما يختص به العبادة، لذا قال سبحانه: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾، وقال: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ أي لا نعبد إلا أنت، وقال: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ﴾.

ومن العبادات العظيمة: الدعاء، فإن الدعاء عبادة، قال سبحانه: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾ وقال سبحانه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ﴾ وقال سبحانه: ﴿وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13) إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ﴾ سمى دعاء غيره شركًا، وقال: ﴿وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ﴾.

وقال: ﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ﴾ فدل على أن صرف شيء من العبادة لغير الله ومنه الدعاء شرك أكبر لا يغفره الله، ومن ذلك دعاء رسول الله ﷺ بعد موته بقول: يا مجلل الهم والكرب. فهذا شرك أكبر أعظم من الزنا وشرب الخمر وقتل النفس، فاتقوا الله يا أمة محمد والزموا التوحيد الذي جاء به رسول الله ﷺ والذي أنزله الله في كتابه وجعله أعظم أمر وأجل عبادة، وجعل نقيضه وضده أعظم ذنب وأشنع معصية، فاتقوا الله يا أمة محمد.

لذا حذَّرنا نبينا ﷺ من الغلو فيه، ومن الغلو في رسول الله ﷺ أن تُصرف له العبادات من الدعاء وغير ذلك، كما روى البخاري عن ابن عباس عن عمر أن النبي ﷺ قال: «لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله»، وثبت عند أحمد والنسائي أن النبي ﷺ قال: «إياكم والغلو، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو».

فلا يجوز أن نرفع النبي ﷺ فوق منزلته وأن نغلو فيه بأن نصرف له العبادات، نعم يجب أن نُحبه وأن نُقدم محبته على آبائنا وأمهاتنا وأولادنا وأنفسنا، لكن هذا شيء والغلو فيه شيء آخر.

وأختم بأن حقيقة محبته هي اتباعه لا بالغنا والرقص وبالشرك -عافاني الله وإياكم- كما شاع عند الصوفية الذين تلاعب بهم الشياطين، لو رجعتم إلى هدي الصحابة الكرام، هل كانوا أهل رقص وغنا بزعم محبة النبي ﷺ؟ كلا والله، بل كانوا أهل اتباع له، يقومون الليل ويصومون النهار ويخرون للأذقان يبكون ويخشعون، لا بالرقص وبالغناء وغير ذلك كما في هذا الأوبريت.

هذا يؤكد أن هؤلاء الصوفية بطَّالون، وأهل إشباع لرغباتهم وشهواتهم باسم الدين، وهم في ذلك ما بين كاذبين أو مُغرر بهم، وإلا كيف يرضون أن يُشركوا بالله ثم بأوبريت بغناء وموسيقى، وكل هذا محرم، وليس هذا موضع بيان ذلك.

فمن كان محبًا لرسول الله ﷺ فليتبعه كما أمر الله، قال الله عز وجل: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾ أسأل الله أن يهدينا وجميع المسلمين لما فيه الخير، وأسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا، وجزاكم الله خيرًا.

1044


شارك المحتوى: