الطاقة الإيجابية والسلبية في الموازين الشرعية


الخطبة الأولى:

الحمدُ للهِ العليمِ الخبيرِ، القويِّ العزيزِ الحكيمِ، خلَقَ كُلَّ شيءٍ فأتقَنَهُ صُنْعًا وتقديرًا، وشرَعَ الشرائِعَ فأحْكَمَها عَمَلًا وتنظيمًا، فسُبحانَهُ مِنْ إلهٍ عظيمٍ، وخالِقٍ حكيمٍ.

وأشهدُ أنْ لَا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ شهادةً أرجو بِهَا النَّجاةَ مِنْ العذابِ الأليمِ، والفوزَ بدارِ النَّعيمِ المُقيمِ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ المبعوثَ رحمَةً للعالمينَ، وحُجَّةً على العِبادِ أجمعينَ، صَلَّى اللهُ عليهِ وَعَلى آلِهِ وأصحابِهِ، وَمَن اهتَدَى بهديهِمْ القويمِ، وسلَّمَ تسليمًا.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا ‌قَوْلًا ‌سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 70-71].

أمَّا بعدُ:

فإنَّ مِن القواعدِ التوحيديَّةِ والأصولِ العقَديَّةِ التمييزَ بينَ الأسبابِ الحقيقيةِ والأسبابِ الوهميَّةِ، وإنَّ الاعتمادَ على الأسبابِ الوهميَّةِ شركٌ كالتَّمائمِ والطِّيَرةِ والاستسقاءِ بالنجومِ، فمَن تطيَّرَ برؤيةِ أعرَجٍ أو سماعِ صوتٍ غُرابٍ في حصولِ مصيبةٍ أو خسارةٍ، فهذا سببٌ وهميٌّ وهو شركٌ.

روَى الترمذيُّ عن ابنِ مسعودٍ -رضي الله عنه- أنَّ النبيَّ ﷺ قالَ: «الطِّيَرَةُ شِرْك، الطِّيرة شركٌ، الطيرة شِرْكٌ -ثلاثاً-».

ومَن لَبِسَ الحِرَزَ لِدفعِ ضُرٍّ مِن عينٍ أو سحرٍ أو بلاءٍ، فهذا سببٌ وهميٌّ وهو شركٌ، ثبتَ عند الإمامِ أحمدَ عن عُقبَةَ بنِ عامرٍ -رضي الله عنه- أنَّ النبيَّ ﷺ قالَ: «مَنْ عَلَّقَ تَمِيمَةً فَقَدْ أَشْرَكَ».

ومَن نسَبَ نِعمةَ المطرِ إلى النجومِ فهذا سببٌ وهميٌّ وهو شركٌ، عَن أبي مالكٍ الأشعريِّ -رضي الله عنه- أنَّ النبيَّ ﷺ قالَ: «أَرْبَعٌ مِنَ الْجَاهِلِيَّةِ لَا يُتْرَكُنَّ: الْفَخْرُ فِي الْأَحْسَابِ، وَالطَّعْنُ فِي الْأَنْسَابِ، وَالِاسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ، وَالنِّيَاحَةُ».

فاحذَروا الاعتمادَ على الأسبابِ الوهميَّةِ، أو نسبةَ خيرٍ أو شرٍّ إليهَا، بخلافِ الأسبابِ الحقيقيةِ، فإنَّ الاعتمادَ عليها جائزٌ شرعًا، كدفعِ العطَشِ بشُربِ الماءِ، أو دفعِ الجوعِ بأكلِ الطعامِ، أو التَّداوي بالحِجامةِ وشُربِ العسَلِ، وذلكَ أنَّ السَّبَبَ الحقيقيَّ يُعرَفُ بأمرينِ:

الأمرُ الأولُ: الشرعُ، فقَد أخبرَ النبيُّ ﷺ أنَّ شُرْبَ العسَلِ والحِجامَةِ دواءٌ، فهو سببٌ حقيقيٌّ، روَى البخاريُّ عن ابنِ عباسٍ -رضي الله عنه- أنَّ النبيَّ ﷺ قالَ: ««الشِّفَاءُ فِي ثَلَاثَةٍ: فِي شَرْطَةِ مِحْجَمٍ، أَوْ شَرْبَةِ عَسَلٍ، أَوْ كَيَّةٍ بِنَارٍ، وَأَنْهَى أُمَّتِي عَنِ الْكَيِّ».

الأمرُ الثاني: بالتَّجرِبةِ بقيودِها الشرعيَّةِ، ويُقدِّرُ ذلكَ أهلُ التخصُّصِ والمعرفةِ، كإقرارِ علماءِ الإلكترونيَّاتِ أنَّ الريموتَ يفتحُ الأبوابَ، وإقرارِ الأطباءِ أنَّ الدواءَ المعيَّنَ يَصلُحُ لِعلاجِ مرضٍ معيَّنٍ، وهكذا.

وما سِوَى ذلكَ فهوَ مِن الأسبابِ الوهميَّةِ وَلَا يصِحُّ الاعتمادُ عليها، والاعتمادُ عليها شركٌ، فإنْ ظنَّهُ سببًا بتقديرِ اللهِ فهذا كَذِبٌ وهو شركٌ أصغَرٌ، وإنْ ظنَّهُ سببًا مُستقِلًّا فهذا أشدُّ وهو شركٌ أكبرُ.

اللهُمَّ احفَظْ لَنَا توحيدَنَا، وأعِذْنَا مِن الشركِ صغيرِهِ وكبيرِهِ.

أقولُ ما تسمعونَ، وأستغفِرُ الله لي ولكُمْ فاستغفروهُ، إنهُ هو الغفورُ الرحيمُ.

 

الخطبة الثانية:

الحمدُ للهِ والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، أمَّا بعدُ:

فإنَّ مِن الأسبابِ الوهميَّةِ بَلْ مِن الخُزعبلاتِ البوذيَّةِ ما يُسمَّى بالطاقةِ الكونيَّة والطاقةِ الإيجابيَّةِ والسلبيَّةِ، فإنَّ أصلَها مِن بلادِ الشعوذةِ كالصينِ والهندِ، ثُمَّ انتقلَتْ إلى بلادِ الغربِ للخِواءِ الرُّوحيِّ عِندَهم؛ فإنَّ العلمانيَّةَ جرَّدَتهُم مِن غِذاءِ الأرواحِ فَلَم يجدوا إلَّا الفَزَعَ إلى الشعوذةِ الصينيَّةِ والهنديَّةِ لإشباعِ الحاجاتِ الرُّوحيَّةِ، ثُمَّ سُمِّيَتْ بأسماءٍ برَّاقَةٍ لتَرُوجَ على الخَليقَةِ بالأسماءِ الجميلةِ، كَمَا قالَ تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ ‌زُخْرُفَ ‌الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ﴾ [الأنعام: 112].

ثُمَّ شاعَ بينَ جُهَّالِ الأُمَّةِ المحمديَّةِ لِدوافِعَ مُختَلِفَةٍ، إِمَّا لِدافِعِ الإعجابِ بالغربِ، أو لِدافِعِ خَديعةِ الناسِ والتكسُّبِ وَرَاءَ هذِهِ الدَّعَواتِ، عَن أبي سعيدٍ الخُدْرِيِّ -رضي الله عنه- أنَّ النبيَّ ﷺ قالَ: ««لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ»، قُلْنَا يَا رَسُولَ اللهِ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: «فَمَنْ؟».

والطاقةُ الكونيَّةُ إيجابيَّةٌ أو سلبيَّةٌ خُزعبلاتٌ وفي الميزانِ الشرعي ضلالاتٌ، بَلْ شِركيَّاتٌ.

كيفَ يُصدِّقُ عاقِلٌ أنهُ إذا كرَّرَ فقيرٌ أنهُ غنيٌّ يصيرُ غنيًّا؟ يا لله! كيفَ يُصدِّقُ ذُو لُبٍّ أنهُ يستطيعُ بِتَكْرَارِ كلماتٍ أنْ يُشبِعَ جائعًا ويشفي مريضًا؟

كيف يُصدقُ سَويٌ أن السعادةَ تدركُ، والإنسَ يحصّلُ بخيلاتٍ وتوهماتٍ؟

يا أهلَ التوحيدِ، أليسَتْ هذِهِ الكَهَانَةُ بعينِها، والشعوَذَةُ بنفسِها؟ حتَّى إنَّ حقيقةَ قولِ هؤلاءِ تركُ التعلُّقِ على اللهِ والتوكُّلِ عليهِ، ألَمْ يقُلِ اللهُ تعالَى: ﴿‌فَابْتَغُوا ‌عِنْدَ ‌اللَّهِ ‌الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [العنكبوت: 17] وقالَ تعالَى: ﴿‌وَإِنْ ‌يَمْسَسْكَ ‌اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [يونس: 107].

فاحْذَروا الكَهَانةَ والشَّعوَذَةَ بأسماءٍ بَرَّاقَةٍ وعِباراتٍ جذَّابَةٍ، وحَذِّرُوا مِن هذِه الشعوذَةِ باسمِ الطَّاقةِ الكونيَّةِ، وإنَّ الناسَ إذا دُعوا إلى الباطلِ على وجهِ الحقيقيِّ لَمْ يُقبِلوا عليهِ، لكنَّهُ إذا غُيِّرَ وكُسِيَ ألفاظًا جميلةً فُتِنوا بِه، والمَرْجِعُ في تمييزِ حلِ الأمورِ أهلُ العلمِ الشرعيِّ دونَ غيرِهم، كَمَا أمرَ اللهُ بالرجوعِ إليهِم فقالَ: ﴿فَاسْأَلُوا ‌أَهْلَ ‌الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: 43].

اللهُمَّ احفَظْ توحيدَنَا، اللهُمَّ احفَظْ علَيْنا وعَلَى أولادِنا وَأزواجِنا وأحبابِنَا توحيدَنَا يا أرحمَ الرَّاحمينَ …

نسخة للطباعة
تنزيل الكتاب
نسخة للجوال
تنزيل الكتاب

خطبة الطاقة الإيجابية والسلبية في الموازين الشرعية


شارك المحتوى:
0