التعقيب على الجامية


بسم الله الرحمن الرحيم

فقد نشرت جريدة الوطن الجمعة الماضية بتاريخ 13/ 11/ 1428هـ مقالاً حول الجامية للأخ خالد بن عبدالله المشوح – وفقه الله لهداه – ، ورأيت فيه حقاً أشكره عليه وأسأل الله له المزيد من فضله

وأيضاً رأيت فيه أموراً لا أظنها موافقة للحقيقة والواقع كما ستتضح من قراءة هذا المقال .

لذا أردت المشاركة تكميلاً لمقاله لاسيما ولي مشاركة سابقة في مثل هذا الموضوع ، فقد ألقيت – بفضل الله وعونه – درساً بعنوان ( حقيقة الجامية ) وهي مسجلة في شريط ومن إنتاج تسجيلات البينة بمدينة الرياض . وأيضاً لي رسالة مختصرة مطبوعة بعنوان ( الجامية والوهابية والحشوية ألقاب تنفيرية ) وكلاهما موجودان في موقعي ( الإسلام العتيق) على الشبكة العنكبوتية

وألخص هذه المشاركة في نقاط :

النقطة الأولى/ تأكيد ما ذكر في الشيخ العلامة محمد أمان بن علي الجامي بما ذكره الإمام عبدالعزيز بن عبدالله بن باز – رحمه الله – فقال في كتابه رقم 64 في 9/1/1418هـ عن الشيخ محمد أمان: معروفٌ لديَّ بالعلم والفضل و حسن العقيدة، و النشاط في الدعوة إلى الله سبحانه والتحذير من البدع و الخرافات غفر الله له و أسكنه فسيح جناته و أصلح ذريته وجمعنا و إياكم و إياه في دار كرامته إنه سميع قريب ا.هـ.

النقطة الثانية / سبب إطلاق هذا اللقب التنفيري هو أن الشيخ محمد أمان وإخوانه من أهل العلم كالشيخ العلامة ربيع بن هادي المدخلي والشيخ العلامة أحمد النجمي والشيخ العلامة صالح السحيمي والشيخ العلامة زيد بن هادي المدخلي والشيخ العلامة عبيد الجابري والشيخ العلامة عبدالسلام بن برجس العبدالكريم – رحمه الله – والشيخ العلامة عبدالله العبيلان وآخرين تعاضدوا وتآزروا في عدوان بعض الحركيين والحزبيين ومن تابعهم بجهل عن علمائنا وولاتنا ، لما أجاز علماؤنا كالإمام عبدالعزيز بن باز والإمام محمد بن عثيمين والشيخ العلامة صالح الفوزان الاستعانة بالقوات الإمريكية من باب الضرورة فقام هؤلاء الحركيون وأصدروا أشرطة شنيعة في حق علمائنا وولاتنا ، فما كان من الشيخ محمد أمان الجامي وإخوانه إلا القيام بالواجب وصد عدوان هؤلاء الحركيين ، فاتخذ هؤلاء الحزبيون الثوريون سبلاً لتعمية الناس عن كلام الناصحين الصادين لعدوانهم منها نبزهم بلقب الجامية ليحذرهم مَن لا يعلمهم ممن يجهل الحقيقة ، وصد الناس عن أهل الحق بألقاب السوء طريقة قديمة . قال أبو حاتم _ وهو من أئمة السلف الأوائل – : وعلامة الزنادقة: تسميتهم أهل السنة حشوية، يريدون إبطال الآثار، وعلامة الجهمية: تسميتهم أهل السنة مشبهة ا.هـ

ألا ترى أهل البدع في هذه القرون المتأخرة يسمون أهل التوحيد بالوهابية تنفيراً للناس منهم ، فكم اغتر بهذا اللقب التنفيري من خلق كثير لا سيما من هو خارج بلادنا السعودية – أعزها الله بالتوحيد والسنة – ،

سئل شيخنا العلامة صالح الفوزان أحد أعضاء هيئة كبار العلماء وأحد أعضاء لجنة الافتاء بالسعودية عن الجامية فقال : هذا من باب الحسد أو البغضاء فيما بين بعض الناس ، ما فيه فرقة جامية ما فيه فرقة جامية ، الشيخ محمد أمان الجامي رحمه الله نعرفه من أهل السنة والجماعة ،
ويدعوا إلى الله عز وجل ما جاء ببدعة ولا جاء بشيء جديد ، ولكن حملهمبغضهم لهذا الرجل إنهم وضعوا أسمه وقالوا فرقة جامية ، مثل ما قالوا الوهابية ، الشيخ محمد بن عبدالوهاب لما دعا إلى التوحيد إخلاص العبادة لله سموا دعوته بالوهابية ، هذه عادة أهل الشر إذا أرادوا مثل ما قلنا لكم ينشرون عن أهل الخير بالألقاب وهي ألقاب ولله الحمد ما فيها سوء ، ما فيها سوء ولله الحمد ،
ولا قالوا بدعاً من القول ، ما هو بس محمد أمان الجامي اللي ناله ما ناله ، نال الدعاة من قبل من هم أكبر منه شأناً وأجل منه علماً نالوهم بالأذى . الحاصل إننا ما نعرف على هذا الرجل إلا الخير ،
والله ما عرفنا عنه إلا الخير ، ولكن الحقد هو الذي يحمل بعض الناس وكلٌ سيتحمل ما يقول يوم القيامة ، والرجل أفضى إلى ربه ، والواجب أن الإنسان يمسك لسانه ما يتكلم بالكلام البذيء والكلام في حق الأموات وحق الدعاة إلى الله وحق العلماء ، لأنه سيحاسب عما يقول يوم القيامة، ما يحمله الاندفاع والهوى إلى أنه تكلم في الناس يجرح له العلماء إلا بخطأ بين واضح ، أنا أقول الآن هؤلاء عليهم إنهم يجيبون لنا الأخطاء التي أخطأ فيها هذا الرجل ، إذا جاءوا بها ناقشناها وقبلنا ما فيها من حق ورددنا ما فيها من باطل ، أما مجرد اتهامات وأقوال هذا ما هو من شأن أهل الحق ا.هـ
المصدر.. شرح النونية للشيخ الفوزان

هل عرفت بعد هذا حقيقة هذا اللقب التنفيري وأنه أطلق على السلفيين المتمسكين بهدي السلف الصالح خلافاً لهؤلاء الحركيين .

النقطة الثالثة / يردد كثير من الثوريين والحزبيين ومن الملبس عليهم أن السلفيين -المسمين كذباً و زوراً بالجامية- أذناب السلطان وأهل غلو فيه .

وهذه كلمة مجملة. وطريقة أهل البدع عند طعنهم في أهل السنة أن يأتوا بالألفاظ المجملة ليروج نقدهم وقدحهم، و إلا فهل رأيتهم أطاعوا العلماء والأمراء فيما حرم الله ؟ أليسوا يرددون كثيراً أن السمع والطاعة للحكام في غير معصية الله ولو كانوا فساقاً كما تواترت بذلك الأحاديث النبوية الصحيحة ومنها ما أخرج مسلم عن عوف بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” ألا من ولي عليه وال فرأه يأتي شيئاً من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعن يداً من طاعة ” .

وإنما هم يكثرون من طرح هذا الموضوع لأن الثوريين والحزبيين يخالفون معتقد أهل السنة في باب السمع والطاعة للحاكم المسلمين .

النقطة الرابعة / يردد كثير من الحركيين والثوريين والملبس عليهم أن ديدن السلفين المسمين بالجامية – زوراً وتنفيراً – تجريح الدعاة والمصلحين وهذه – أيضاً – كلمة مجملة ، فمن المراد بالدعاة والمصلحين أهم الثوريون والمربون للشباب على فكر الثورة والتحزب والتميع مع أهل البدع ؟ أم أن المراد بهم الدعاة السائرون على طريقة علمائنا الكبار وهي طريقة سلف الأمة ؟

الواقع أنهم إنما جرحوا النوع الأول. لأن هؤلاء خالفوا نهج الكتاب والسنة ولبسوا على العوام دينهم وربوهم على الزهد في العلماء الربانيين والطعن وسوء الظن بحكامهم، وهذا كله خلاف منهج سلف الأمة كما تقدم . ثم قول: إن هذا ديدنهم، يفيد أنه لا شغل لهم إلا هذا ، والواقع الذي ليس له من دافع أنهم هم أصحاب الدروس والمؤلفات وهم المشهورون بالعلم والتعليم ، ثم لو قدر أن ديدنهم بيان خطأ المخطئين والرد على الملبسين لكان هذا من محاسنهم؛ لأنه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكنه في الشبهات التي يخفى أمرها على الكثير

النقطة الخامسة / يردد كثير من الحركيين والثوريين والملبس عليهم أنالسلفيين المسمين بالجامية – زوراً وتنفيراً – لا يرون الجهاد :

وهذه لفظة مجملة لابد فيها من تفصيل على نحو ما تقدم، فلا يستطيع أحد أن يثبت عن أحد هؤلاء أنهم أنكروا شرعية الجهاد والبينة على المدعي ، ومن أنكر شرعية الجهاد فهو كافر لإنكاره ما دل الكتاب والسنة عليه بالتواتر .

وإنما غاية الأمر أن الجهاد مشروع لإعلاء كلمة الله وحفظ دماء المسلمين وأعراضهم ، فإذا كان القيام به يضر أكثر مما ينفع فإنه يترك وذلك في حال الضعف كما كان الحال من رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان في مكة فإنه لم يشرع له الجهاد لضعفه .

النقطة السادسة/ تعقيبات سريعة على ما في مقال الأخ خالد المشوح – وفقه الله لهداه -:

التعقيب الأول: شبه بين السرورية والجامية بأن كلاً منها لم يختر اسمه . وإنما هذا من صنع خصومها ، وهذا حق لكن لا سواء لأن السرورية إنما سميت بهذا الاسم لأنها أحدثت طرقاً جديدة ، وكان من أبرزهم بل رأسهم محمد سرور زين العابدين صاحب مجلة السنة التي قدح فيها على علمائنا وولاتنا كشيخنا الإمام عبدالعزيز بن باز – رحمه الله – .

وهذا بخلاف من يسمون بالجامية أو الوهابية فإنه لا جديد عندهم بل هم على طريقة السلف من حيث المبدأ والتأصيل والمنهج ، أما الأفراد فغير معصومين .

التعقيب الثاني: جعل السروريين سلفيين حركيين ، وهذا خطأ ظاهر فإن طريقتهم الثورية مخالفة لطريقة السلف فكيف يكونون سلفيين وهم ثوريون على الحكام المسلمين . وهذا مخالف تماماً لطريقة السلف الصالح كما هو مسطر في كتب الاعتقاد .

التعقيب الثالث: ذكر أن السلفيين تكلموا في سيد قطب ثم تطور الأمر عند بعضهم وهم الحدادية المنشقة عن الجامية وحرقوا كتب النووي وابن حجر – رحمهما الله – .

خروج أناس غلو وتجاوزا الحد لا يعود بالقدح على السلفيين بما أن السلفيين أنكروا عليهم وضللوهم ، كما غلت طائفة الخوارج وخرجوا وقد كانوا مع الصحابة الكرام – رضي الله عنهم وأرضاهم – وأنكر الصحابة ضلالهم وغلوهم .

أما الكلام على سيد قطب فقد كان من الإمام عبدالعزيز بن باز والإمام محمد ناصر الدين الألباني والإمام محمد بن صالح العثيمين وغيرهم من علماء السنة كما ترى ذلك في كتاب الدكتور عصام السناني ( براءة علماء الأمة من تزكية أهل البدعة والمذمة ) .

وألفت نظر القارئ الكريم أنني إلى ساعتي هذه لا أعرف أحداً بعينه حرق كتب النووي وابن حجر – رحمهما الله –

التعقيب الرابع : زعمه – عفا الله عنه – أن السلفيين المسمين بالجامية يبدعون بالهفوات ، وهذا غير صحيح لا شرعاً ولا واقعاً ، ومن فعل ذلك فهو مخطئ مخالف لمنهج السلف وليته مثل حتى نعرف مراده . وفي المقابل أيضاً من وقع في مخالفات شرعية كلية فإنه يبدع كما قرره الشاطبي في كتاب ( الاعتصام ) .

التعقيب الخامس: ظنه أن حضور من يسميه جامية قل في هذه السنوات لأن خصومهم تركوا طريقتهم التهييجية ، ظنٌ لم يوفق فيه فالذي أراه وألمسه لمس اليد أن حضورهم وأعدادهم تكاثرت أضعافاً مضاعفة لأن انحراف خصومهم بدا جلياً لا سيما في مسائل الاعتقاد وتمييع الدين ، ولو سمحت لي الجريدة بإثبات هذا في مقال لاحق لكنت لها من الشاكرين .

وأخيراً …

كل ما رأيته يقال في الجامية هو يقال في دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب – رحمه الله – المسماة تنفيراً وهابية ، وهو أيضاً ما عليه علماؤنا الأجلاء وخطأ الأفراد ليس محسوباً على المنهج إذا أنكره أصحابه ولم يقروه كما أن خطأ بعض المسلمين ليس محسوباً على الإسلام للفرق بين الإسلام والمسلمين .

أسأل الله أن يوفق الأخ خالداً المشوح لما يحب ويرضى .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

عبدالعزيز بن ريس الريس

18 / 11 / 1428هـ


شارك المحتوى: