الإخوان المسلمون والانقلاب في تركيا


الإخوان المسلمون والانقلاب في تركيا

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أما بعد:

فإننا مأمورون في كل أمرٍ أن نزنه بكتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-وما عليه سلف هذه الأمة فإن الله يقول : {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا } [النساء: 59].

ويقول الله عز وجل : {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} [الشورى: 10]

وقد تواترت الأدلة على حرمة الخروج على الحاكم المسلم ولو كان فاسقًا ظالمًا…إلخ

وأجمع على ذلك أهل السنة وحكاه جمع كبير من أئمة السنة .

ومما يدل على ذلك :

أولا : قول الله تعالى :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59]

ثانيا :سنة النبي صلى الله عليه وسلم ومن ذلك :

الحديث الأول : ما أخرج الشيخان واللفظ لمسلم عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنها ستكون بعدي أثرة وأمور تنكرونها»، قالوا: يا رسول الله، كيف تأمر من أدرك منا ذلك؟ قال: «تؤدون الحق الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم»

فقوله -صلى الله عليه وسلم-«إنها ستكون بعدي أثرة » : أي حكام ينازعونكم في أمور دنياكم وقوله « وأمور تنكرونها» أي حكام ينازعونكم في أمور دينكم.

وفي الصحيحين واللفظ للبخاري عن أسيد بن حضير رضي الله عنه، أن رجلا من الأنصار قال: يا رسول الله، ألا تستعملني كما استعملت فلانا؟ قال: «ستلقون بعدي أثرة، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض».

الحديث الثاني : أخرج البخاري عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره، ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة» أي : فلا سمع ولا طاعة فيما أمر به من معصية الله.

الحديث الثالث : أخرج الإمام مسلم عن عوف بن مالك الأشجعي -رضي الله عنه-

، يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « ألا من ولي عليه وال، فرآه يأتي شيئا من معصية الله، فليكره ما يأتي من معصية الله، ولا ينزعن يدا من طاعة».

الحديث الرابع : أخرج الإمام مسلم عن حذيفة بن اليمان-رضي الله عنه-قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «تسمع وتطيع للأمير، وإن ضرب ظهرك، وأخذ مالك، فاسمع وأطع»…

إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثالثا : إجماع أهل السنة المعلوم المتيقن في هذه المسألة لكثرة من نقله من أئمة السنة ومنهم:

1-الإمام أحمد في « أصول السنة » برواية عبدوس بن مالك .

2- الإمام علي بن المديني فيما رواه اللالكائي من عقيدته.

3- الرازيان في عقيدتهما التي رواها اللالكائي.

4- ابن أبي زيد القيرواني المالكي .

5- المزني الشافعي في عقيدته المعروفة .

بل وحكى الإمام أحمد إجماع أهل السنة على أن من خالف في ذلك فإنه مبتدع ضال فقال :(…فمن فعل ذلك فهو مبتدع على غير السنة).

ومثله الإمام علي بن المديني لما قال : (فمن عمل ذلك فهو مبتدع على غير السنة)

هذه عقيدتنا -يا أهل السنة- سواء في هذا الزمن أو فيما مضى من القرون أو فيما سيأتي حتى يرث الله الأرض ومن عليها.

وطريقة أهل السنة واحدة لا تناقض فيها؛ لأنهم متمسكون بدين الله، ودين الله لا اضطراب فيه ولا اختلاف كما قال سبحانه : {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء: 82].

لذا تجد طريقتهم واحدة سواء كان فيما مضى من القرون أو فيما يعاش في هذه الأزمان فلما جاء الربيع -المسمى بالربيع العربي وهو الخريف العربي وإن شئت أن تقول : (إنه ربيع الكفار) كما سماه بذلك شيخنا العلامة صالح الفوزان-.

فلما جاء هذا المسمى بالربيع العربي قام أهل السنة ونشروا عقيدتهم وهي السمع والطاعة للحاكم في غير معصية الله، وعدم جواز الخروج عليه، ونشروا الأحاديث في ذلك وهكذا عقيدتهم مستمرة على هذا.

ولما تولى محمد مرسي الإخواني حكم مصر -ومع عدائه وعداء حزبه للسنة- إلا أن أهل السنة قاموا بعقيدتهم -وهي السمع والطاعة في غير معصية الله -وأمروا المسلمين في مصر أن يبايعوا محمد مرسي الإخواني، وأن يعتقدوا في أعناقهم سمعًا وطاعةً له في غير معصية الله وقد كتب أهل السنة في ذلك أشياء ، ومما منَّ الله عليَّ أني كتبت مقالا في ذلك أول ما تولى محمد مرسي الإخواني حكم مصر -وهو موجود في موقع الإسلام العتيق -، وذكرت فيه عقيدة أهل السنة من السمع والطاعة له في غير معصية الله ، داعيًا في ذلك أهل مصر أن يقوموا بهذه العقيدة ؛لأنه حاكمهم وهذه عقيدة مطردة في كل حاكم مسلم ولو كان مبتدعًا.

ومن ذلك ما جرى على حاكم تركيا أردوغان من انقلاب فإن هذا الانقلاب محرم، ولا يجوز في الشريعة وهو مخالف لاعتقاد أهل السنة على ما تقدم بيانه وتوضيحه.

لكن مما أحب أن أنبه إليه : أن الشريعة لما أمرت بالسمع والطاعة للحاكم أمرت بذلك ؛ لأن في ذلك مصالح كثيرة فإنه حيثما وُجِد شرعُ الله وجدت المصلحة الدينية والدنيوية ، فليس الأمر بالسمع والطاعة للحاكم لأجل سواد عينيه، ولا لأجل إرضائه، وإنما أول مستفيد من ذلك هم الشعوب فإنه إذا هاجت الفتن أكل بعضهم بعضًا وجاءهم الظلم من كل أحد وصار القوي يأكل الضعيف، والكثير يأكل القليل …إلخ كما تراه في (سوريا وليبيا واليمن والعراق…وغيرها من بلاد المسلمين). -أسأل أن يجمع كلمتهم على التوحيد والسنة، وأن يعم بلادهم وجميع بلاد المسلمين بالأمن والتقوى إنه الرحمن الرحيم-.

لذلك قال بعض أهل السنة : (حاكم غشوم ولا فتنة تدوم) وكلام علماء السنة في ذلك كثير -رحمهم الله رحمة واسعة-.

فلذا السمع والطاعة لأجل مصلحة الشعوب فهي المستفيدة بالدرجة أولى من عقيدة السمع والطاعة فإنه إذا كان هناك حاكم ظالم فحكم الناس فإن ظلمه مهما كان منه وممن حوله فيبقى محدودًا بخلاف إذا انفلتت الأمور فإن أكثر الناس يأكل بعضهم بعضا متأولين وغير متأولين ؛

لأجل هذا فعقيدة السمع والطاعة شرعت في شرع الله لأجل مصلحة الشعوب والناس كما بيّن هذا ابن عبد البر المالكي في كتابه التمهيد، وشيخ الإسلام ابن تيمية، والإمام ابن القيم وغيرهم من أئمة السنة وهو كثير في كلامهم.

وممن ذكر ذلك في غير مناسية الإمام أحمد لما التف الناس حوله وأرادوا الخروج قال: اتقوا الله في دماء المسلمين فإن سيف السلطان إذا رفع لم يوضع .

أما الحماسيون أو غير أهل السنة فلا يبالون بهذا ويظنون أن هذا تزلف للحكام … وهذا خطأ كبير بل هو طاعة لله فقد أمرنا الله بطاعة الوالدين فأطعناهم في غير معصية الله -متقربين إلى الله-، وأمرنا الله بطاعة الحكام في غير معصية الله فأطعناهم في غير معصية الله -متقربين لله- كما أمرنا ربنا سبحانه وتعالى فإننا ما خلقنا إلا لعبادته ونحن مع ما أمرنا الله به -بحوله وقوته- ومن الخطأ رد شرع الله بالحماسات والعواطف وباسم الحقوق والحريات…إلخ.

بل لو تأملت وجدت من عارض شرع الله باسم الحريات والحقوق …إلخ وجدت النتيجة بعد ذلك أنه ضيع الحقوق التي كانت عنده من قبل، ولم يحصل له ما يريده كما تراه في (سوريا وليبا واليمن والعراق…وغيرها من بلاد المسلمين) التي حصلت فيها الفتن ؛لذا الانقلاب الذي حصل في تركيا لا يجوز، وهو شر على المسلمين، وضرر والخروج شر ولا يأتي إلا بشر وهذا غالب الخروج كما بينه غير واحد من أهل العلم.

إذا تبين هذا فإنني أحب أن أؤكد أن عقيدة أهل السنة واحدة غير متناقضة ولا متغيرة بحسب مصالح الحزب أو غير ذلك كما هو الحال بالنسبة للإخوان المسلمين والحركيين فإنهم مع هذه العقيدة في أمر مريج : فتراهم في أيام الربيع العربي يُهيّجون الشعوب للخروج على الحكام :

فألف سلمان العودة كتابا بعنوان (أسئلة الثورة) يدعو فيه : للخروج ويحث الناس على ذلك وأيضًا كلماته في الدعوة للخروج كثيرة في غير هذا الكتاب .

ولما حصلت ثورة في الكويت –أعزها الله بالتوحيد والسنة وبقية بلاد المسلمين– قام محمد العريفي وساند هذه الثورة قائلا : (إن حاكم الكويت حاكمٌ غير شرعي ؛ لأنه لا يحكم بشرع الله ) فالعريفي يعطي الناس الضوء الأخضر لأن يثوروا على حاكمهم وذلك غير كلماته الكثيرة التي يدعو الناس فيها للخروج.

أما القرضاوي وما أدراك ما القرضاوي! –فإنه قال بهذا اللفظ (ثوروا) ثم قال : والله أنا من أو ل خطباء الفتن ولن أتنازل عن خطبة الفتنة هذه مادام هذا هو الفتنة اللهم أحيني من خطباء الفتنة وأمتني منهم واحشرني معهم …إلخ.

فالإخوان المسلمون يدورون في أمثال هذه الأمور بحسب مصالح حزبهم لا بحسب دين الله.

أما أهل السنة فإنهم يتكلمون في هذه الأمور بحسب دين الله لذا عقيدتهم واحدة حتى تجاه الحكام الإخوانيين كـ(محمد مرسي)وأردوغان وأمثالهما فإن أهل السنة قائمون بعقيدتهم بخلاف الإخوان المسلمين.

والعجيب : أن القرضاوي –خطيب الفتن- والذي دعا إلى الثورات ، لما خرج الناس على محمد مرسي الإخواني وثاروا عليه أخرج في موقعه الأحاديث في السمع والطاعة،

يا سبحان الله !

أين هذه الأحاديث أيام دعوته للثورة في بلاد المسلمين في دول الخليج وغيرها.

ومثل ذلك محمد العريفي فإنه كتب تغريدة يدعو فيها للسمع والطاعة لمرسي وعدم الخروج عليه.

يا سبحان الله !

أين هذا أيام دعوتهم للخروج والثورات في أيام الربيع العربي .

وبالأمس كتب عبد الوهاب الطريري وقبله سلمان العودة في الدعوة إلى عدم الثورة على أردوغان.

ولفت نظري أن عبدالوهاب الطريري – الذي قارب الصوفية، وصار يشابههم، ويحاكيهم حتى قال بعضهم إنه صار صوفيًا- غرّد تغريدة ذكر فيها ما أخرج مسلم عن عرفجة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «إنه ستكون هنات وهنات، فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع، فاضربوه بالسيف كائنا من كان».

ثم قال الطريري : أين الذين يرددون هذا الحديث لا يذكرونه الآن ؟

فيقال له: من قال لك ذلك فإن تغريدات أهل السنة في الدعوة للسمع والطاعة كثيرة في التغريدات وغيرها حتى في أيام الخروج على مرسي وكذلك – الآن- في الانقلاب على أردوغان.

وقد من الله عليَّ وكتبت في هذا وكتب غيري من فضلاء أهل السنة وهم كثيرون.

فلماذا تحاول أن تنبز أهل السنة كذبًا وظلمًا؟!

ثم أقلب السؤال عليك : أين أنت أيام الربيع العربي لم تأت بهذا الحديث؟! لماذا كتمته؟!

ولماذا تناسيته ولم تأت به إلا الآن؟!

إذن -إخواني- إن الإخوان المسلمين في هذه الأمور أصحاب مصالح يتكلمون بحسب حزبهم ، لكن لو لم يكن من صالح هذه الثورات –والله لم يخلق شرا محضًا- إلا أنها أظهرت للناس أن موقف أهل السنة واحد وإن كان الحاكم إخوانيا يمكن للإخوان المسلمين، ويعادي الدول التي تخالف الإخوان المسلمين ،وإن كان يؤيد الزواج المثلي (الشذوذ) ، ويقارب الرافضة وله كلمات في يوم عاشوراء بل وحضر حفلهم الشركي،وله صفقات قوية مع إيران أيام عاصفة الحزم والحصار الرافضي ويدعو للعلمانية كما هو حال أوردغان فقد حصل منه هذا وأكثر.

وإن كان كذلك إلا أن أهل السنة على مبدئهم في الدعوة للسمع والطاعة وحرمة الخروج والانقلاب.

أما الحركيون فلو فعل غير أردوغان من الحكام المسلمين عشر هذه ممن ليس من الإخوان المسلمين فإنهم يُهيجون عليه، ويختلقون عليه الكذب، وفي المقابل يختلقون الكذبات الكثيرة في تبرئة أردوغان مع أن هذه الأمور مثبتة عليه صوتا وصورة.

أسأل الله أن يجمع المسلمين على الهدى، وأن يسلم دولة تركيا وجميع دول المسلمين من هذه الفتن، وأن يرد المسلمين في تركيا وجميع بلاد المسلمين إلى التوحيد والسنة.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

د. عبدالعزيز بن ريس الريس

16/ 10 / 1437 هـ


شارك المحتوى: