أيها المسلمون كفوا عن الإفساد 


( أيها المسلمون كفوا عن الإفساد )

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. أما بعد:
فقد أرسل الشيخ المكرم عبد الرحمن الطويل- حفظه الله- كلمة لعبد الرحمن الكواكبي يتشبث بها بعض الناس بعدما أعيتهم النصوص والأدلة يطلب بيانها وعرضها على الأدلة، وسنجيب طلب أخينا- وهو يعلم الجواب- ولكنه يريد نفعاً للعموم.
السؤالالسلام عليكم ورحمة الله
لا يزال الحركيون يتلمسون من هنا وهناك مقالات وآراء يستنجدون بها لمناهجهم حتى أنهم يتخبطون ولا يعون العاقبة .. 
شيخنا الكريم انظر بماذا يستدلون .. فماذا ترى في كلام الكواكبي تنظيرا..لطفا.
بتاريخ: 17 محرم 1435هـ الموافق 21/ 11/ 2013)

والجواب: «قال عبد الرحمن الكواكبي كما ينسب لكتاب «طبائع الاستبداد»:- ولم أقف عليه فيه بعد البحث – قال: [والمشكلة كما ذكرتُ آنفاً أن فناء دولة الاستبداد لا يصيب المستبدين وحدهم بل يشمل الدمارُ الأرضَ والناس والديار، لأن دولة الاستبداد في مراحلها الأخيرة تضرب ضرب عشواء كثور هائج أو مثل فيل ثائر في مصنع فخار، وتحطم نفسها وأهلها وبلدها قبل أن تستسلم للزوال. وكأنما يُستَحَق على الناس أن يدفعوا في النهاية ثمن سكوتهم الطويل على الظلم وقبولهم القهر والذل والاستعباد، وعدم تأملهم في معنى الآية الكريمة: ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ ]

فأقوللا بُدَّ من النظر في هذا الكلام وهل يستقيم مع ما في كتاب الله وسنة نبيه وما انتهى إليه سلف الامة، ولبيان ذلك نقول: إن أصل موقفنا في دولة الظلم و[الاستبداد] لا بد فيه من التفريق بين: 
 الحاكم الكافر الظالم (المستبد)
 والحاكم المسلم الظالم(المستبد) .
أولاًإن كان الحاكم كافراً فلا بيعة له؛ فيجوز الخروج عليه وعزله ولكن الأمر يناط بتوفر القدرة والاستطاعة دون سفك الدماء والأعراض، ومزيد من الإساءة للدين، فلا بد من تقليل المفاسد لاتكثيرها، وقواعد الشريعة ونصوصها قائمة على تحصيل المصالح لا تفويتها وإهدارها.

فقد قال العلامة ابن عثيمين عن الخروج على الحاكم الكافر في «الباب المفتوح» [(3/ 126) لقاء/ 51. س/ 1222]: 
»إن كنا قادرين على إزالته فحينئذ نخرج وإذا كنا غير قادرين فلا نخرج؛ لأن جميع الواجبات الشرعية مشروطة بالقدرة والاستطاعة. ثم إذا خرجنا فقد يترتب على خروجنا مفسدة أكبر وأعظم مما لو بقي هذا الرجل على ما هو عليه. لأننا لو خرجنا ثم ظهرت العزة له؛ صِرْنا أَذِلَّة أكثر وتمادى في طغيانه وكفره أكثر» أ. هـ

وثانياإن كان الحاكم الظالم (المستبد) لا زال في دائرة الإسلام فلابد من العودة للشرع في كل نزاع، فالصبر على ظلمه واستبداده واستئثاره بما تطوله يده هو الذي أُمرنا به شرعاً ونذكر بعض الأدلة:
1روى البخاري (7052) ومسلم (1843/ 45) في «صحيحيهما» من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنها ستكون بعدي أثرة وأمور تُنكرونها»، قالوا يا رسول الله: كيف تأمر من أدرك منا ذلك؟ قال: «تؤدّون الحق الذي عليكم وتسألون الله الذي لكم»

  1. 2.و روى البخاري (7053) ومسلم (1849/ 56) في “صحيحيهما” من حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من كره من أميره شيئا فليصبر عليه» وفي رواية في “الصحيحين”: “من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر»
    3.و روى البخاري (4807) ومسلم (1845/ 48) في “صحيحيهما” من حديث أُسَيد بن حُضَير رضي الله عنه أن رجلاً من الأنصار خلا برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ألا تستعملني كما استعملت فلاناً؟ فقال: “أنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض«.
    وأما أقوال أهل العلم:
    1قال الإمام ابن باز في “الفتاوى” (8/ 203): «إلا إذا رأى المسلمون كفراً بواحاً عندهم من الله فيه برهان فلا بأس أن يخرجوا على هذا السلطان لإزالته-[إذا كان عندهم قدرة]-أما إذا لم يكن عندهم قدرة فلا يخرجوا.
    أو كان الخروج يسبب شراً أكثر: فليس لهم الخروج؛ رعاية للمصالح العامة والقاعدة الشرعية المجْمَعُ عليها أنه: [لا يجوز إزالة الشر بما هو أشر منه]؛ بل يجب درء الشر بما يزيله أو يخففه أما درء الشر بشر أكثر فلا يجوز بإجماع المسلمين.
    فإذا كانت هذه الطائفة – التي تريد إزالة هذا السلطان الذي فعل كفراً بواحاً – عندها قدرة تزيله بها وتضع إماماً صالحاً طيباً من دون أن يترتب على هذا فساد كبير على المسلمين وشر أعظم من شر هذا السلطان: فلا بأس.
    أما إذا كان الخروج يترتب عليه فساد كبير واختلال الأمن وظلم الناس واغتيال من لا يستحقّ الاغتيال إلى غير هذا من الفساد العظيم فهذا لا يجوز» .اهــ
    2وقال أسد السنة محدث الدنيا في عصره العلامة الألباني: “إن الإصلاح اليوم لا يبدأ بالثورة، وبالخروج على الحاكم الكافر فضلاً بالخروج على الحاكم الفاسق، وإنما الإصلاح يبدأ كما نقول نحن دائما وأبداً من عشرات السنين: [بالتصفية والتربية]، فإن كان الرجل معنا في هذا المنهج فيذكّر بهذا ويكفي، وإن كان ليس معنا فينبغي أن يعلم، وأن نفهم منه كيف يريد وبمن يريد أن يخرج .
    أكثر المسلمين جهلة، وأكثر المسلمين الذين يعلمون بعض الأحكام الشرعية هم يخالفونها، فنساؤهم كاسيات عاريات، معاملاتهم مخالفة لأحكام الشريعة في كثير من نواحيها إلخ، ونحن جميعا نعتقد بأن نصر الله لعباده المؤمنين مشروط بكلمة واحدة{ إن تنصروا الله { 
    ونصر الله إنما يكون: 
    أولابالعلم. 
    ثانياًبالعمل.
    والعلم اليوم كما تعلمون جميعا فيه انحراف كبير جدا عن العلم الذي كان عليه السلف الصالح، ولذلك ففي الحديث الذي تعرفونه الذي مطلعه “إذا تبايعتم بالعينة و أخذتم أذناب البقر … ” إلى “سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم”، الدين اليوم له مفاهيم عديدة جداً وليس فقط في الفروع، بل وكما يقولون وفي الأصول، ليس فقط في الأحكام، بل وفي العقائد! فأنتم تعرفون اليوم أكثر المسلمين إما أشاعرة أو ماتريدية، أبهؤلاء ينتصر الإسلام؟!
    إذن لا بد من التصفية والتربية فــ”سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم” أي: بالمفهوم الصحيح .فإذن يجب أن نبدأ بتفهيم الناس هذا الإسلام بالمفهوم الصحيح وتربيتهم على ذلك، ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ﴾.
    أما غيرها من سبيل ما يمكن أبدا أن يعود إلى المسلمين عزهم ومجدهم” .اهـــ [سلسلة الهدى والنور: شريط رقم 🙁 799) ]

    3وقال العلامة ابن عثيمين مبينا شروط الخروج على الحاكم كما في “شرح صحيح البخاري: ” عن جُنادة بن أبي أمية، قال: دخلنا على عُبادة بن الصامت وهو مريض، فقلنا: أصلحك الله، حَدِّثْ بحديث ينفعك الله به سمعتَه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: دعانا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فبايَعَنا، فكان فيما أَخَذَ علينا: “أن بَايَعنَا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأَثَرَةٍ علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان » [متفق عليه]
    قوله: قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «سترون بعدي أمورا تنكرونها». وقوله: (أثرة علينا) هذا هو المهم، فأثرةٍ علينا، يعني: أن نسمع ونطيع مع الأثرة علينا، يعني: الاستئثار علينا، مثال ذلك: أننا أمرنا بشيء واستأثر علينا ولاة الأمر، بأن كانوا لا يفعلون ما يأمروننا به، ولا يتركون ما ينهونا عنه، أو استأثروا علينا بالأموال، وفعلوا فيها ما شاءوا، ولم نتمكن من أن نفعل مثل ما فعلوا، فهذا من الأثرة، وأشياء كثيرة من الأثرة والاستئثار غير ذلك، فنحن علينا أن نسمع ونطيع حتى في هذه الحال. 
    وقوله: «وأن لا ننازع الأمر أهله» أي: لا نحاول أن نجعل لنا سلطة ننازعهم فيها، ونجعل لنا من سلطتهم نصيبًا؛ لأن السلطة لهم، فلا ننازعهم.
    وقوله: «إلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم من الله فيه برهان» ففي هذه الحال ننازعهم، لكن هذا يكون بشروط:
    الشرط الأولفي قوله: «أن تروا» أي: أنتم بأنفسكم، لا بمجرد السماع؛ لأننا ربما نسمع عن ولاة الأمور أشياء فإذا تحققنا لم نجدها صحيحة، فلابد أن نرى نحن بأنفسنا مباشرة، سواء كانت هذه الرؤية رؤية علم أو رؤية بصر، المهم: أن نعلم.

    الشرط الثانيفي قوله: «كفرًا» أي: لا فسوقًا فإننا لو رأينا فيهم أكبر الفسوق فليس لنا أن ننازعهم الأمر إلا أن نرى كفرًا.

    الشرط الثالثفي قوله: «بواحًا» أي: صريحًا ليس فيه تأويل، فإن كان فيه تأويل ونحن نراه كفرًا، ولكن هم لا يرونه كفرًا، سواء كانوا لا يرونه باجتهاد منهم أو بتقليد من يرونه مجتهدًا، فإنا لا ننازعهم ولو كان كفرًا، ولهذا كان الإمام أحمد يقول: إن من قال: القرآن مخلوق فهو كافر، والمأمون كان يقول: القرآن مخلوق، ويدعو الناس إليه ويحبس عليه، ومع ذلك كان يدعوه بأمير المؤمنين؛ لأنه يرى بأن القول بِخَلْقِ القرآن بالنسبة له ليس بواحًا، وليس صريحًا، فلابد أن يكون هذا الكفر صريحًا لا يحتمل التأويل، فإن كان يحتمل التأويل فإنه لا يحل لنا أن ننازع الأمر أهله.
    الشرط الرابعفي قوله: «عندنا فيه من الله برهانٌ» أي دليل قاطع، بأنه كُفْرٌ، لا مجرد أن نرى أنه كُفْرٌ، ولا مجرد أن يكون الدليل محتملاً لكونه كفرًا أو غير كُفْرٍ، بل لابد أن يكون الدليل صريحًا قاطعًا بأنه كُفْرٌ.
    فانظر إلى هذه الشروط الأربعة، فإذا تمت الشروط الأربعة فحينئذ ننازعه، لأنه ليس له عذر، ولكن هذه المنازعة لها شروط.

     الشرط الخامسأن يكون لدينا قدرة وهذه مهمة جدا، يعني: لا أن ننازعه فنخرج إليه بالسكاكين ومحاجين الحمير، وهو عنده الدبابات، والقذائف، وما أشبه ذلك، فلو أننا فعلنا هذا لَكُنَّا سفهاء، وهذا حرام علينا، لأنه يَضُرُّ بنا، ويَضُرُّ بِغَيْرِنَا أيضا، ولأنه يؤدي في النهاية إلى محو ما نريد أن يكون السلطان عليه، لأن السلطان كما هو معلوم ذو سلطة يريد أن تكون كلمته هي العليا، فإذا رآنا ننازعه أَخَذَتْهُ العزة بالإثم، واستمر فيما هو عليه وزاد عليه، فيكون نزاعنا له زاد الطين بِلَّةً، فلا يجوز أن ننازعه إلا ومعنا قدرة وقوة على إزاحته وإلا فلا. وبناءً على ذلك نعرف خطأ من يتصرفون تصرفا لا تنطبق عليه هذه الشروط، لأننا نشاهد الواقع الآن،

    فهل الذين يقومون باسم الإسلام على دولة مُتَمَكّنة عندها من القوات ما عندها، ولها من الأنصار – أنصار الباطل -، كثيرون، ثم نقوم نحن وليس عندنا ولا ربع ما عندهم ما الذي يحصل من النتيجة؟
    الجوابأنه تحصل نتيجة عكسية سيئة، ونحن لا ننكر أن يكون هذا نواة لمستقبل بعيد لكننا لا ندري، والإنسان ينظر إلى ما كان بين يديه. أما المستقبل فقد يقول قائل: أنا أخطط الآن لهذه الثورة وأَقْدُمُ عليها، فإن لم أنجح فيها تكونُ خطةً للمستقبل، لعل أحدًا من الناس يفعل. فنقول: إن هذا احتمال، ثم لو قُدِّرَ أنه فعل كما فعلتَ فالنتيجة واحدة، فإذن لابد أن نصبر حتى تكون لنا القدرة على المنازعة والإزاحة، والمسألة خطيرة جدا، والإنسان ليتخذ عبرة من الواقع السابق، والواقع الحاضر القريب ويتعظ، والأمثلة ربما تكون في نفوسكم الآن وإن لم نُمَثِّلْ بها، فهي واضحة. فلو مشينا على ما بايع به النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه على السمع والطاعة، في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا، وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، إلا أن نرى كفرا بواحا عندنا فيه من الله برهان، ثم أضفنا إلى هذه الشروط الأربعة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، في هذا الحديث شرطا ذكره الله في القرآن، وذكره النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث أيضا وهو القدرة، فهذه لابد منها في كل واجب فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها.*وبالإمكان أن الإنسان إذا رأى ما تم فيه الشروط في سلطانه أن يُنَازِعَ لكن لا مقابلة وجها لوجه، ولكن من طرق يسمونها الناس “دبلوماسية” يستطيع أن يصل إلى العمق في جهات ما، ويتوصل إلى غايته.
    •• أما المجابهة كما يفعله بعض الناس فهذه ليست من الدين في شيء أبدا، وإن كان الإنسان عنده حُسْنُ النية، وعنده عمل صالح وعبادة وعلم لكن ليس عنده حكمة، والحكمة قال الله فيها: ﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269)﴾ [البقرة]
     قال عبد الرحمن الكواكبي : [والمشكلة كما ذكرتُ آنفاً أن فناء دولة الاستبداد لا يصيب المستبدين وحدهم بل يشمل الدمارُ الأرضَ والناس والديار، لأن دولة الاستبداد في مراحلها الأخيرة تضرب ضرب عشواء كثور هائج أو مثل فيل ثائر في مصنع فخار، وتحطم نفسها وأهلها وبلدها قبل أن تستسلم للزوال]

    قلت ( أبو عمر )
    أولاًكلام عبد الرحمن الكواكبي هذا كلام غير شرعي:
    1ولذا فقد اعتمده وتبناه بعض الكفار وبعض المسلمين من أصحاب الأحزاب – على سوء ما فيه – منهجاً لدفع الظلم والتغيير.
    2لا يلزم منه أن نهاية كل حاكم ظالم ودولة ظالمة سيكون كما ذكر، فهذا رأي يراه الكواكبي ولم يأخذه من شرع منزل.
    فقد وُجدت نهاية لحكام وولاة ظلمة خلاف ما ذكره الكواكبي بعد استباحة كثير من أولئك الحكام الظلمة للدماء والأموال والأعراض كالحجاج بن يوسف الثقفي، فقد هلك بالموت بعيداً عن ساحة المعارك.
    ثانياًقول الكواكبي وكلامه الذي طار به بعض الناس غير قائم على قواعد شرعية أصلها نصوص الكتاب والسنة التي تعبدنا الله بها في الأمر كله، بل محضُ رَأْيٍ مأخوذ من العقل وليس من النقل (الشرع)
    1والأصل عدم مقابلة ظلم وجور الحكام بالمواجهات والثورات والمظاهرات والإضرابات والاعتصامات، كما جاء النهي والتحذير في النصوص الشرعية .
    2الصبر على الظلم (والاستبداد) هو العلاج الأسلم اتباعا وامتثالا للنصوص الشرعية وتحقيقاً للمصالح المرعية وتقليلا للفساد في البلاد.
    ثالثاًقوله: [وكأنما يُستَحَق على الناس أن يدفعوا في النهاية ثمن سكوتهم الطويل على الظلم وقبولهم القهر والذل والاستعباد ]
    وأقول:
    1إن ثمن السكوت والصبر هو الجنة أو النصر والجنة فقد أُمرنا بالصبر لا بالمواجهات الثورية التي وصفها الكواكبي: بالثور الهائج أو فيل ثائر.
    2وعلى الناس أن يعلموا أن ذلك سببه تقصيرهم فليرفعوا الظلم الذي وقعوا فيه وعندها سيرفع الله عنهم ظلم الحكام.
    قال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَة فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِير} [الشورى: 30]، وقال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِم﴾ [الرعد:11 ]
    رابعاًوأما قوله: [وعدم تأملهم في معنى الآية الكريمة: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ ]

    أقولليس فيها دليل على الخروج على الحكام الظلمة ففي قوله تعالى: {واتقوا فتنة﴾ كيف نتقي الفتن؟! إننا معاشر أهل السُّنة نتقي الفتنة كما أراد الله وشرع لعباده، ولذلك فإن الواجب اتقاء الفتن بالعمل بالكتاب والسُّنة وأفهام سلف هذه الأمة لدين الله عزو وجل وليس بما نراه أو نهواه… وعند وقوع محنة وابتلاء يعم الناس يكون أهل السُّنة قد أدّوا ما عليهم وامتثلوا لأمر ربهم ولذلك قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ وَاتَّقُوا فِتْنَةً﴾ [الأنفال: 24- 25] الآية، أي : (واتقوا- بالطريقة الشرعية ..كتاب الله وسنة نبيه – فتنة) فإن المستجيب للكتاب والسُّنة قد أدى ما عليه واتقى الله بحسْب قدرته واستطاعته.
    وقريب من ذلك ما جاء في “الصحيحين” من حديث زينب بنت جحش رضي الله عنها: أنهلك وفينا الصالحون؟! قال: “نعم إذا كثر الخبث”. ولذلك قال تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من ضابطه العلم والرفق والقدرة والاستطاعة.
    وأما كلام عبد الرحمن الكواكبي فيستدل له ولا يُستدل به!!
    خامساًوإليك أصول أهل السنة في هذا الباب:
    1روى أبو بكر الخلال في “السنة” (1/ 132) قال: أخبرني محمد بن أبي هارون ومحمد بن جعفر أن أبا الحارث حدثهم قال: سألت أبا عبد الله في أمر كان حدث ببغداد وهمّ قوم بالخروج! فقلت: يا أبا عبد الله ما تقول في الخروج مع هؤلاء القوم؟ فأنكر ذلك عليهم وجعل يقول: سبحان الله الدماء الدماء لا أرى ذلك ولا آمر به. 
    الصبر على ما نحن فيه خير من الفتنة يسفك فيها الدماء. ويستباح فيها الأموال وينتهك فيها المحارم. أما علمت ما كان الناس فيه يعني أيام الفتنة؟! قلت: والناس اليوم أليس هم في فتنة يا أبا عبدالله؟! قال: وإن كان .. فإنما هي فتنة خاصة.فإذا قع السيف عمت الفتنة وانقطعت السبل. الصبر على هذا ويسلم لك دينك خير لك. ورأيته ينكر الخروج على الأئمة وقال: الدماء لا أرى ذلك ولا آمر به. والإسناد صحيح.
    2قال شيخ الإسلام ابن تيمية في “منهاج السنة”(3/ 391): “ولهذا كان المشهور من مذهب أهل السنة أنهم لا يرون الخروج على الأئمة وقتالهم بالسيف وإن كان فيهم ظلمٌ كما دلّت على ذلك الأحاديث الصحيحة المستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الفساد في القتال والفتنة أعظم من الفساد الحاصل بظلمهم بدون قتال ولافتنة، فلا يُدفع أعظم الفسادين بالتزام أدناهما، ولعلَّه لا يكاد يعرف طائفةٌ خرجت على ذي سلطان إلاَّ وكان في خروجها من الفساد ما هو أعظم من الفساد الذي أزالته”.اهــ
    3وقال في موضع آخر من “منهاج السنة (4/ 527- 529)”: ويعلمون أن الله تعالى بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بصلاح العباد في المعاش والمعاد وأنه أمر بالصلاح ونهى عن الفساد فإذا كان الفعل فيه صلاح وفساد رجَّحوا الراجح منهما ، فإذا كان صلاحه أكثر من فساده رجَّحوا فعله، وإن كان فساده أكثر من صلاحه رجحوا تركه .
    فإن الله تعالى بعث رسوله صلى الله عليه وسلم بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، فإذا تولى خليفة من الخلفاء، كيزيد وعبد الملك والمنصور وغيرهم، فإما أن يقال: يجب منعه من الولاية وقتاله حتى يُوَلَّى غيره كما يفعله من يرى السيف، فهذا رأي فاسد، فإن مفسدة هذا أعظم من مصلحته .
    وقلَّ من خرج على إمام ذي سلطان إلا كان ما تولّد على فعله من الشر أعظم مما تولــّد من الخير؛ كالذين خرجوا على يزيد بالمدينة، وكابن الأشعث الذي خرج على عبدالملك بالعراق، وكابن المهلب الذي خرج على أبيه بخراسان، وكأبي مسلم صاحب الدعوة الذي خرج عليهم بخراسان أيضاً، …وقال: وأما أهل الحرة وابن الاشعث وابن المهلب وغيرهم فُهزموا وهُزم أصحابهم، فلا أقاموا ديناً ولا أَبقوا دنيا. 
    والله تعالى لا يأمر بأمر لا يحصل به صلاح الدين ولا صلاح الدنيا، وإن كان فاعل ذلك من أولياء الله المتقين ومن أهل الجنة … 
    وقال: وكذلك أهل الحرَّة كان فيهم من أهل العلم والدين خَلق، وكذلك أصحاب ابن الأشعث كان فيهم خَلق من أهل العلم والدين، والله يغفر لهم كلهم. وقد قيل للشعبي في فتنة ابن الأشعث: أين كنت يا عامر؟ قال: كنت حيث يقول الشاعر:
    عوى الذئب فاستأنست بالذئب إذ عوى*وصوَّتَ إنسانٌ فكدت أطير.
    أصابتنا فتنة لم نكن فيها بررة أتقياء، ولا فجرة أقوياء.
    وكان الحسن البصري يقول: إن الحجّاج عذاب الله فلا تدفعوا عذاب الله بأيديكم، ولكن عليكم بالاستكانة والتضرع، فإن الله تعالى يقول: ﴿وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ﴾ [المؤمنون: 76]. وكان طلق بن حبيب يقول: اتقوا الفتنة بالتقوى، فقيل له: أَجمل لنا التقوى، فقال: أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو رحمة الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عذاب الله . [رواه أحمد وابن ابي الدنيا .اهــ]
    قلت: رواه ابن المبارك في “الزهد”(1343) بإسناد صحيح.
    4وقال ابن القيم في “إعلام الموقعين”(3/ 4):” شرع لأمته إنكار المنكر ليحصل بإنكاره من المعروف ما يحبه الله ورسوله، فإذا كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكر منه وأبغض إلى الله ورسوله فإنه لا يسوغ إنكاره، وإن كان الله يُبغضه ويمقت أهله وهذا كالإنكار على الملوك والولاة بالخروج عليهم فإنه أساس كلِّ شرّ، وفتنةٌ إلى آخر الدهر… وقال: ومن تأمَّل ما جرى على الإسلام في الفتن الكبار والصغار رآها من إضاعة هذا الأصل وعدم الصبر على منكر، فطُلب إزالته، فتولَّد منه ما هو أكبر منه”.اهــ
    هذه أصول أهل السنة وهذا منهجهم مع الظلمة وحكام الجور والدول الظالمة [المستبدة]
    نسأل الله التوفيق والسداد والثبات على منهاج السلف الصالح، والحمد لله رب العالمين*

كتبه د. عبد العزيز بن ندى العتيبي
www.ahlalathar.com


شارك المحتوى: