أيها الشاب : قد يقع بعض الصالحين في الفتن فلا تغتر بهم


أيها الشاب : قد يقع بعض الصالحين في الفتن فلا تغتر بهم

المفسدون استوحشوا بلادهم التي كانوا يسيرون فيها آمنين مطمئنين

*هذه رسالة الشعبي – رحمه الله – إلى الفئة الضالة تبين حال من فارق الجماعة وخلع البيعة وخرج على ولاة أمره ومجتمعه , ذلك أنه لما حصلت فتنة ابن الأشعث بعد 80 هجريه من القرن الأول في عهد الخليفة الأموي عبد الملك ابن مروان وكان والي العراق ذلك الحين الحجاج , وكان بينه وبين ابن الأشعث شيء في النفس فجعل الحجاج ابن الأشعث أميراً على جيشه الذي يقاتل الكفار جهة المشرق بقيادة رتبيل فكان ابن الأشعث في بداية أمره مجاهداً لأعداء الإسلام لكنه عاد على المسلمين فنكث البيعة وخلع إمارة الحجاج ولما كثر أتباعه خلع بيعة الخليفة عبد الملك وحصل ما حصل من الفتنة والتفرق والقتل لأعداد غير قليله من الطرفين – وهكذا الفتن – وكانت نهاية المجاهد أن لجأ بعد هزيمته وأتباعه إلى رتبيل الكافر الذي كان يقاتله سابقاً, ثم بعد التهديد والوعيد من الحجاج لرتبيل ‘ سلمه رتبيل لرجال الحجاج وفي الطريق قام ابن الأشعث بعملية انتحارية حيث كان موثقا بأحد الرجال حتى لايفر فصعد وإياه سطح قصر وألقى نفسه من ذلك القصر وصاحبه فماتا جميعا , فعياذا بالله من سوء الطريقة وسوء الخاتمة وللأسف الشديد كان من ضمن من فتن بعض أهل الخير والصلاح والفقه في ذلك العصر فخرجوا مع ابن الأشعث وكان من أبرزهم الشعبي – رحمه الله – لكنه ندم فيما بعد وها هو يحكي حاله وحال أصحابه الذين خرجوا معه للحجاج بعد أن أظفره الله بهم قال الشعبي : ” فلما دخلت عليه – أي الحجاج – سلمت عليه بالإمرة ثم قلت : أيها الأمير إن الناس قد أمروني أن أعتذر إليك بغير ما يعلم الله أنه الحق , وأيم الله لا أقول في هذا المقام إلا الحق , قد والله تمردنا عليك وحرضنا وجهدنا كل الجهد فما ألونا, ولقد نصرك الله علينا وأظفرك بنا فإن سطوت فبذنوبنا وما جرت إليك أيدينا وإن عفوت عنا فبحلمك , وبعد فالحجة لك علينا “فقال الحجاج : ” أنت والله يا شعبي أحب إلي ممن يدخل علينا يقطر سيفه من دمائنا ثم يقول : ما فعلت ولا شهدت , قد أمنت عندنا ياشعبي قال : فانصرفت فلما مشيت قليلاً ؛ قال : هلم يا شعبي قال : فوجل قلبي ثم ذكرت قوله : قد أمنت يا شعبي فاطمأنت نفسي فقال : كيف وجدت الناس بعدنا يا شعبي ؟

فقلت : أصلح الله الأمير قد اكتحلت بعدك السهر, واستوعرت السهولة , واستحليت الهم وفقدت صـــالح الإخوان ولم أجد من الأميرخلفاً أهـ.

ولي مع كلام الشعبي – رحمه الله – وقفات : الأولى : أن المسلم لا يأمن على نفسه الفتنة , فقلب ابن آدم بين أصبعين

من أصابع الرحمن يقلبه كيف يشاء وعليه أن يكثر من دعاء النبي – صلى الله عليه وسلم – ” يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك ” وأن يستعيذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن ثانياً : أنه قد يقع في الفتنة بعض الصالحين بل المنسوبين للعلم والفقه , فينبغي ألا يغتر بهم بل يزن المسلم الأمور بالكتاب والسنة وما كان عليه السلف الصالح لا بالأشخاص والجري وراء العواطف وعليه بأئمة السنة الكبار في عصره يأخذ منهم ويرجع لهم فإنه لن يضل بإذن الله , ولاحظ أنه لم يخرج من صحابة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مع ابن الأشعث – أحد مع وجود عدد منهم في ذلك العصر ثالثاً : إن الرجوع للحق فضيلة بل ومنقبة لصاحبه , والإنسان غير معصوم يقع منه الزلل والخطأ لكن العبرة في التوبة الصادقة والرجوع عن الباطل متى ما تبين وهكذا كان الشعبي مع إغراء الناس له , ومع أنه كان يقف بين يدي سفاح زمانه الحجاج , كما وجد ولله الحمد في هذه الفتنة التي مرت بها بلادنا من عاد إلى جادة الصواب وأعلن توبته فلله الحمد والمنة رابعاً : توجد فئات من الناس تشارك في الفتنة بمستويات مختلفة ثم هم يتبرءون منها زاعمين أنه لا دور لهم فيها بل ربما نسبوها لغير أهلها وذكروا أسباباً غير صحيحة بل ومبررات لها بطرق ملتوية ظانين أن الناس غفلوا عنهم و أنهم بذلك سيسلمون من التبعة , فو الله لئن سلموا منها في الدنيا فلن يسلموا منها في الآخرة حتى يعلنوها توبة صادقة وبياناً لما وقعوا فيه من مخالفة سبيل المؤمنين قال تعالى : {إِلاَّالَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَـئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ }البقرة160 هذا إن كانوا صادقين خامساً :هذا حال من وقع في هذا الطريق الضال بل وأشد كما يحكيه من عايشه و خبره فلا حجة لهم بل الحجة عليهم والخوف ملازم لهم حتى إنهم لشدة خوفهم لا يذوقون النوم وأصبح السهل اليسير عندهم صعباً عسيراً , واستوحشوا بلادهم التي كانوا يسيرون فيها آمنين مطمئنين فضاقت عليهم الأرض بما رحبت وفقدوا إخوانهم الصالحين حقاً وصدقاً وصاحبوا شرار الناس , وبقاؤهم مع أميرهم وولي أمرهم خيرٌ لهم من الفتنة والفرقة ورأينا من وقعوا في الفتنة لا يرحمون صغيراً ولا يوقرون شيخاً كبيراً ولا يفون لذي عهدٍ عهده فاستحلوا الدماء المعصومة والأموال المحترمة بل وقتل بعضهم بعضا بل وقتلوا أنفسهم عدواناً وظلما فماذا ترجون ممن هذه حالهم ؟؟ فنقول لهم :عودوا إلى الله وتوبوا توبة نصوحا

وليكن في الشعبي – رحمه الله – أسوة وفي مشايخكم الذين تراجعوا وأعلنوا توبتهم , وقبل ذلك امتثلوا لأمر الله و رسوله – صلى الله عليه وسلم – فوالله إن الجماعة رحمة والفرقة عذاب , وإن ما تخشونه في الجماعة خيرٌ مما ترجونه في الفرقة ولأن يكون الإنسان تابعا في الحق خيرٌ من أن يكون رأساً في الباطل 0 قال تعالى : {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ }الشعراء227

كتبه : محمد راشد الحبشان

المعهد العلمي بالشفا / الرياض


شارك المحتوى: