ألفاظ شنيعة بينتها الشريعة


الخطبة الأولى:

الحمدُ للهِ ربِّ الأرضِ وربِّ السماءِ، خلقَ آدمَ وعلمهُ الأسماءَ، وأسجدَ لهُ ملائكتهُ، وأسكنهُ الجنةَ دارَ البقاءِ، وحذرهُ منَ الشيطانِ ألدِّ الأعداءِ، ثمَّ أنفذَ فيهِ مَا سبقَ بهِ القضاءُ، فأهبطهُ إلَى دارِ الابتلاءِ، وجعلَ الدنيَا لذريتهِ دارَ عملٍ لَا دارَ جزاءٍ، وتجلَّت رحمتُه بهمْ فتوالتِ الرسلُ والأنبياءُ، وأشهدُ أن لَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لَا شريكَ لهُ وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدهُ ورسولهُ…

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]

أمَّا بعدُ:

فإنَّ ممَّا وصفَ اللهُ بهِ رسولَه محمدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقولهِ: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128]

فيعزُّ عليهِ أنْ نعصيَ اللهَ وهوَ حريصٌ أنْ يبلِّغنَا كلَّ مَا يقربُنا إلَى اللهِ، وهوَ رؤوفٌ رحيمٌ بنَا ومنْ رحمتِه ورأفتِه وحرصِه علينَا أنْ بلَّغنَا عمَّا نهتْ عنهُ الشريعةُ منْ ألفاظٍ لمَا فيهَا منْ مخالفةِ التوحيدِ، فإنَّ العبدَ محاسبٌ علَى أقوالِهِ كمَا هوَ محاسبٌ علَى أفعالِهِ، قالَ سبحانَهُ: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18]

ومنْ هذِهِ الألفاظِ مَا يلِي:

أولًا/ الحلفُ بغيرِ اللهِ سبحانَهُ فقدْ ثبتَ فِي الصحيحينِ عنِ ابنِ عمرَ أنَّ رسولَ اللهِ سمعَ رجلًا يحلفُ بأبيهِ، فناداهُمْ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

«أَلاَ، إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ، وَإِلَّا فَلْيَصْمُتْ» فمنْ حلفَ بغيرِ اللهِ فقدْ وقعَ فِي الشركِ كالذِي يحلفُ بالنبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أوْ بالنعمةِ أوْ بالصلاةِ أوْ بالأمانةِ أو غيرِ ذلكَ، وكلُّ هذَا شركٌ لأنَّ الحلفَ لا يكونُ إلَّا باللهِ سبحانَهُ .

فتعاهدُوا أنفسَكم ألا تحلفُوا بغيرِ اللهِ فإنَّ الحلفَ بغيرِهِ شركٌ فهوَ أشدُّ إثمًا منَ المعاصيِ الشهوانيةِ كالزنَى وشربِ الخمرِ .

ثانيًا/ العطفُ بينَ اللهِ وبينَ خلقِهِ بحرفِ الواوِ التِي توهمُ التسويةَ، فَلا يجوزُ لأحدٍ أنْ يقولَ مَا شاءَ اللهُ وشاءَ فلانٌ لمَا أخرجَ النسائيُّ منْ حديثِ ابنِ عباسٍ: أنَّ رجلًا، أتَى النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكلَّمهُ فِي بعضِ الأمرِ، فقَالَ: مَا شَاءَ اللهُ وشِئتَ، فقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “أجعلتنِي للهِ عدلًا؟ قلْ: مَا شاءَ اللهُ وحدَهُ”.

وذلكَ لأنَّ العطفَ بالواوِ يوهمُ التسويةَ بينَ الخالقِ والمخلوقِ، فلَا يصحُّ أنْ يقولَ القائلُ أرجُو اللهَ وَأرجُو فلانًا أوْ نحوَ ذلكَ منَ الألفاظِ فإنَّ كلَّ هذَا شركٌ، لأنَّ فيهِ تسويةً بينَ الخالقِ والمخلوقِ.

ثالثًا/ قولُ (إنْ شاءَ اللهُ) عندَ الدعاءِ فقدْ أخرجَ البخاريُّ ومسلمٌ من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” لاَ يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ، اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي إِنْ شِئْتَ، لِيَعْزِمِ المَسْأَلَةَ، فَإِنَّهُ لاَ مُكْرِهَ لَهُ “.

لذَا قولُ (إنْ شاءَ اللهُ) عندَ الدعاءِ مشعرٌ بعدمِ العزمِ علَى الدعاءِ، أوْ أنَّ الأمرَ عظيمٌ علَى اللهِ أوْ غيرِ ذلكَ ممَّا نهتْ عنهُ الشريعةُ، فلَا يُقال (إنْ شاءَ اللهُ) إلَّا فِي الأمورِ المستقبليةِ كأنْ يقولَ القائلُ: سآتيكَ -إنْ شاءَ اللهُ- أمَّا الدعاءُ فإنهُ لَا يُقالُ عقبِهِ (إنْ شاءَ اللهُ)، وكذلكَ: لَا يُقال (إنْ شاءَ اللهُ) فِي الأمورِ الماضيةِ، فإذَا سألكَ سائلٌ: مَا اسمُك؟ فتقولُ: اسمِي محمدٌ إنْ شاءَ اللهُ. هذَا ممَّا أنكرهُ أهلُ العلمِ، وإنمَا يصحُّ أنْ يُقال فِي الماضِي (إنْ شاءَ اللهُ) إذَا كانَ الفعلُ عبادةً؛ لأنهُ يرجعُ إلَى القبولِ، فإذَا قيلَ لكَ: صليتَ؟ تقولُ: صليتُ – إنْ شاءَ اللهُ – بالنظرِ إلَى القبولِ.

رابعًا/ سبُّ الدهرِ فإنَّ سبَّ الدهرِ محرمٌ، وهوَ راجعٌ إلَى سبِّ اللهِ سبحانَه أخرجَ البخاريُّ ومسلمٌ عن أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” قَالَ اللَّهُ: يَسُبُّ بَنُو آدَمَ الدَّهْرَ، وَأَنَا الدَّهْرُ، بِيَدِي اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ ” وأخرج مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَسُبُّوا الدَّهْرَ، فَإِنَّ اللهَ هُوَ الدَّهْرُ» فسابُّ الدهرِ سابٌّ للهِ لأنَّ اللهَ هوَ الذِي يقلِّبُ الليلَ وَالنهارَ الذِي هوَ الدهرُ، ومَا أكثرَ الذينَ يسبونَ الدهرَ لَا سيمَا منَ الشعراءِ، ومنَ ذلكَ سبُّ الحرِّ والبردِ وأمثالهِ فكلُّهُ محرَّمٌ؛ لأنَهُ منْ سبِّ الدهرِ .

خامسًا/ قولُ (اللهُ يظلمك َ)، بعضُ الناسِ يقولُ لمنْ ظلمهُ: اللهُ يظلمكَ كمَا ظلمتنِي. وهذَا محرَّمٌ، فإنَّ اللهَ لَا يظلمُ أحدًا، قالَ تعالَى {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت: 46]

سادسًا/ قولُ (لوْ فعلتُ كذَا لنجوتُ منْ كذَا وكذَا)، بعضُ الناسِ إذَا أصابتْهُ مصيبةٌ قالَ متحسِّرًا: لوْ لمْ أذهبْ لمْ أُصبْ بهذهِ المصيبةِ، أوْ الحادثِ المروريِّ، أوْ كذَا وكذَا. وهذَا محرمٌ واعتراضٌ علَى القدرِ، روَى الإمامُ مسلمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ، فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ»

سابعًا/ قولُ (اللهُ واسطتِي)، إذَا سُئلَ بعضُ الناسِ مَن واسطتُك فِي قضاءِ هذَا الأمرِ؟ قالَ: اللهُ واسطتِي، يريدُ أنِّي متوكلٌ علَى اللهِ، ولَا شكَّ أنَّ التوكلَ علَى اللهِ واجبٌ، لكنْ لَا يصحُّ قولُ (اللهُ واسطتِي) فهوَ لا يُتوسطُ بهِ علَى أحدٍ ولَا يُستشفعُ بهِ علَى أحدٍ، بلْ الأمرُ كلُّه بيدهِ قالَ تعالَى {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس: 82]

وليعلمْ كلُّ مسلمٍ أنَّ مَن تلفظَ بلفظٍ خطإٍ فهوَ مؤاخذٌ بهِ ولوْ كانتْ نيتُه حسنةً فالنيةُ الحسنةُ ليستْ عذرًا ولَا مبررًا للتلفظِ بمَا هوَ خطأٌ شرعًا قالَ تعالَى {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف: 103، 104]

أسألُ اللهَ الذِي لَا إلهَ إلَّا هوَ أنْ يحفظَ ألفاظنَا وأنْ يجعلَ أقوالنَا حجةً لنَا لَا علينَا إنهُ مولانَا الرحمنُ الرحيمُ

 

الخطبة الثانية

 

الْحَمْدُ للهِ الذِي هَدَانَا لِنُورِ الإسْلامِ، وَأَرْشَدَنَا لِطَرِيقِ الْعِلْمِ وَالإيمَانِ، وَالصَّلًاةُ والسًّلَامُ عَلَى رَسُولِهِ محمدٍ، بعثهُ في الأُمِّيينَ يتلو عليهمْ آياتِهِ ويُعلِّمُهُم الكتابَ والحِكمةَ، أمَّا بعدُ:

فإنَّ منْ أشنعِ الألفاظِ وأقبحهَا سبَّ اللهِ ربِّ العالمينَ أوْ سبَّ دينِ الإسلامِ أوْ سبَّ محمدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ منِ استهزأَ باللهِ أو بدينِهِ أوْ برسولِه محمدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهوَ كافرٌ خارجٌ عنْ ملةِ الإسلامِ ومَن سبَّ اللهَ أوْ دينَه أوْ رسولَه محمدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإنهُ كافرٌ منْ بابٍ أولَى قالَ سبحانَهُ {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ} [التوبة: 65، 66]

فدلَّ هذَا علَى أنَّ السبَّ كفرٌ مخرجٌ منَ الملةِ، وقدْ أجمعَ علَى هذَا أهلِ العلمِ كمَا حكَى الإجماعَ كثيرٌ منْ أهلِ العلمِ منهمْ إسحاقُ بنُ راهويهِ والقاضِي عياضٌ وابنُ المنذرِ وغيرهُم منْ أهلِ العلمِ .

وقدْ ذكرَ اللهُ أنَّ هؤلاءِ الذينَ استهزؤُوا بهِ وكفرُوا بعدَ إيمانِهم كانُوا يستهزئُونَ بهِ علَى وجهِ اللعبِ فقالُوا {إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} ولمْ يكذِّبِ اللهُ قولَهمْ إنَّهم كانُوا يخوضونَ ويلعبونَ، ومعَ ذلكَ كفَّرهمْ فدلَّ هذَا علَى أنَّ مَنِ استهزأَ باللهِ أوْ بدينهِ أوْ برسولهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جادًّا أوْ هازلًا فإنَّه كافرٌ، وكذلكَ مَن لعنَ اللهَ أوْ لعنَ دينَهُ أو رسولَه فإنَّه كافرٌ.

ومِنَ السخفِ وقلةِ الدينِ أنَّ بعضَ المسلمينَ يفعلُ ذلكَ ويتحججُ بأنَّ فلانًا أغضبَه، وهذِهِ ليستْ حجةً فإنَّهُ لوْ كانَ فِي قلبِهِ حبٌّ للهِ ولرسولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولدينِ الإسلامِ لمَا فزعَ عندَ الغضبِ لسبِّ اللهِ ودينِهِ ورسولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

أيهَا المؤمنونَ /اتقُوا اللهَ وتفقدُوا أنفسَكم ومنْ تحتِ أيديكُم ألَّا يقعُوا فِي هذَا الجرمِ العظيمِ ومشركُو العربِ مَعَ أنهمْ مشركونَ لم ْيسبُّوا اللهَ، لذَا فإنَّ مَن سبَّ اللهَ تعالَى فِي زماننَا أشدُّ كفرًا منْ كفارِ قريشٍ .

وإنَّهُ يُخشَى علَى أبنائنَا أنْ يتأثرُوا بمثلِ هذَا لأنَّ بعضَ القنواتِ تبثُّ مسلسلاتٍ تتضمنُ سبًّا للهِ ودينِه ورسولِه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

اللهمَّ يَا مَن لا إلهَ إلَّا أنتَ احفظْ لنَا ديننَا وتوحيدنَا وأحينَا علَى التوحيدِ والسنةِ وأمتنَا علَى ذلكَ واجعلنَا ممَّن يلقاكَ وأنتَ راضٍ عنَّا

اللهمَّ أصلحنَا وأصلحْ والديْنَا وأولادَنَا وأزواجنَا وأحبابَنَا يَا أرحمَ الراحمينَ.

وقومُوا إلَى صلاتِكمْ يرحمْكم اللهُ.

د. عبد العزيز بن ريس الريس

نسخة للطباعة
تنزيل الكتاب
نسخة للجوال
تنزيل الكتاب

الفاظ شنيعة


شارك المحتوى:
0