أرجو التكرم بذكر الآداب الإسلامية للحديث والمناقشة في المجالس؟


يقول السائل: أرجو التكرم بذكر الآداب الإسلامية للحديث والمناقشة في المجالس؟

الجواب:
إن حسن الخلق محبوب إلى الله وهو من الإحسان، والله يحب المحسنين، كما قال سبحانه: ﴿‌وَأَحْسِنُوا ‌إِنَّ ‌اللَّهَ ‌يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [البقرة: 195] وثبت في الصحيحين عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي ﷺ قال: «إن من خياركم أحسنكم أخلاقًا».

فحسن الخلق عظيم، وقد قال ابن القيم -رحمه الله تعالى- في كتابه (مدارج السالكين): الأخلاق من الدين، فكل من زاد عليك في الخلق فقد زاد عليك في الدين، نسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يُحسِّن أخلاقنا وأن يُجمِّلنا بطاعته، وأن يصلحنا وأن يهدينا إنه أرحم الراحمين.

إن هناك آدابًا كثيرة أذكر بعضها باختصار:

الأدب الأول: إرادة الحق، ليكن مقصود المُجادل والمُناقش إرادة الحق لا المُكابرة والعناد، فإن هذا مذموم شرعًا، والكِبر كبيرة من كبائر الذنوب، كما ثبت في صحيح مسلم عن ابن مسعود أن النبي ﷺ قال: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر»، فإذن يكون المراد من الجدال والنقاش الحق والوصول إلى الصواب.

الأدب الثاني: لا جدالَ فيما لا يُحسن، لا يصح لأحد أن يُجادل في أمر يجهله، فإن هذا جدال بالباطل، وخوض فيما لا يُحسن ولا يعرف، لاسيما إذا كان في الدين، فإن جرمه شديد، فلا يُجادل أحد في دين الله بغير علم، كما قال تعالى: ﴿‌وَلَا ‌تَقْفُ ‌مَا ‌لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ [الإسراء: 36] فالأمر خطير للغاية لاسيما في دين الله.

الأدب الثالث: لا يصح الجدال في العقائد، فإن العقائد مبنية على النقل والتسليم، فلا يصح الجدال فيه، وقد حكى الإجماع على ذلك غير واحد من أهل العلم كالآجري واللالكائي الإمام أحمد في أصول السنة، فلا يصح الجدال في العقائد وإنما التسليم، وإنما المعرفة، نعرف عقيدتنا يا أهل السنة ونتبصّر فيها ونتبع سلفنا الصالح ثم نتلقى ذلك بالتسليم.

الأدب الرابع: عدم رفع الصوت أثناء الجدال، فما أكثر الذين يرفعون أصواتهم عند الجدال، وهذا يسبب البغضاء والشحناء، فينبغي ألا تُرفع الأصوات عند الجدال، والله سبحانه يقول -وتأمل-: ﴿‌وَاغْضُضْ ‌مِنْ ‌صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ﴾ [لقمان: 19].

الأدب الخامس: إذا لم يكن للجدال فائدة بأن كان المُجادل لا يقبل، فلا ينبغي أن يُشتغل معه بالجدال، فإنه لا فائدة من هذا الجدال، وقد ذكر ابن القيم -رحمه الله تعالى- في كتابه (أعلام الموقعين) أن مراتب الدعوة أربعة، ثم ذكر أن الرابع هو المعاند الذي لا يقبل الحق، قال: وهذا ليس له إلا الجلاد. واستدل على ذلك بقوله تعالى: ﴿‌وَلَا ‌تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ﴾ [العنكبوت: 46] أي الذين ظلموا منهم لا يُجادلون، فإذن كل من لا يقبل الحق لا يُشتغل معه بالجدال وهذا خطأ.

الأدب السادس: عدم الإكثار من الجدال إلا لحاجة، فإن كثيرًا من الجدال يُورث البغضاء لأن فيه نوع مغالبة، كلٌّ يريد أن ينتصر على الآخر برأيه، ويُبيِّن للناس صواب قوله، إلى غير ذلك، فمثل هذا يُسبب الشحناء والبغضاء، فينبغي ألا يُكثر المسلم من الجدال، والعادة أن من أكثر من الجدال ملَّ الناس منه وأعرضوا عنه ولم يحبوا مجالسته.

إلى غير ذلك من الآداب.

أسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا، وجزاكم الله خيرًا.

 

1040_1


شارك المحتوى:
0