يقول السائل: قد انتشر في أكثر بلاد المسلمين، كما لا يخفي عليكم إسقاط الدعاة العلماء السلفيين بمجرد الخطأ في مسألةٍ، يسوغ الخلاف فيها، وإلزامات، وتبديع، وهجر في بلد يعتبر أهل السنة فيها من أقل الجماعات، وقد فتن خلق كثير من الشباب السلفي بهِذا المنهج، ما هو توجيهكم حول موضوع الهجر والتبديع؟ ومتى يُبدَّعُ السنيُّ؟ ومن عرف بها؟
يقال جوابًا على هذا السؤال: قبل الإجابة إن مما أحمد الله أن مثل هذه الأمور بدأت تخِفّ، وأنها كانت قبلُ شديدًة قويةً، أما الآن، فالحمد لله فهي تخف كثيرًا، والأمور تتحسن أكثر، وهي في طور الأحسن والأحسن برحمة الله وبفضل الله وكرمه.
أما الواجب في مثل هذا فإن هذا الفعل محرم، ويتضح بمجرد عرض سؤال السائل، لأن هؤلاء يبغون على أهل السنة بتهجير وتبديع، والسني لا يجوز هجره ولا تبديعه إلا ببينةٍ تُخْرِجه من السنة، أو بما يقتضى المصلحة في هجره.
فالمقصود أن مثل هذا حله – والله أعلم- أمورٌ:
الأمر الأول: تقوى الله، ومراقبته سبحانه، فإن بعض من يفعل هذا قد لا يكون جاهلًا بالأحكام الشرعية، لكن عنده نقص دين، وعنده إرادة متابعةِ فلان وإرضاء فلان، ولأجل هذا لا يبالى في أمثال هذه الأفعال، ويجب أن يتقى الله، وأن يعلم أن أعراض المسلمين محرَّمة؛ لما أخرج البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((اعلموا بأن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا)).
الأمر الثاني: ينبغي تعلم العلم الشرعي، ففي تعلم العلم الشرعي فائدة عظيمة في تمييز ما يجوز الهجر فيه، وما لا يجوز الهجر فيه، وهذا ينفع بمن كان جاهلا بهِذه الأحكام الشرعية.
الأمر الثالث: أدعو إخواني هؤلاء أن يرجعوا إلى العلماء الموثقين، وألا يقتصروا على بعض العلماء دون بعض، فإن رأوا علماءنا الموثوقين متنازعين أو مختلفين فلا يشدد بعضهم على بعض، وإذا رآهم متفقين، أو رأى الحُجة ظاهرة في اتخاذ الموقف من فلان بالتبديع أو بالهجر فليفعل ذلك.
والأمر الأخير: إن أكثر الخلاف في مثل هذا يرجع إلى التعصب للأشخاص، والتعصب أمرٌ مذمومٌ، ومن أعظم مزايا الدعوة السلفية إنكار التعصب.
والعجيب إنك ترى أقوامًا إن ذكر قول لأحمد أو للشافعي أو لمالك رده بحجة اتباع الدليل، وأنه لا يجوز التعصب للرجال، لكنه لا يبالي في أن يتعصب لفلان، أو فلان في أمور، ولا يلتفت إلى الدليل الشرعي، بل ويستبعده، قد يرى بعضهم- بلسان حاله لا مقاله- أن الشيخ فلانًا لا يمكن أن يخطئ في مسألةٍ منهجية، وهذا من الخطأ البيِّن.
أسأل الله أن يهدي الجميع إلى ما يحب ويرضى، وأن يؤلف بين القلوب أهل السنة، إنه الرحمن الرحيم، وجزاكم الله خيرا.