لماذا خلقنا الله؟


الخطبة الأولى:

إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليما كثيرًا، أما بعد:

فإنّ الله – عز وجل – أرسل رسله، وأنزل كتبه، وخلق الجنّ والإنس والسماوات والأرض؛ ليعرف ويعبد ويوحد، ويكون الدين كله لله، والطاعة كلها له، والدعوة له، كما قال تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} فأخبر أنه لم يخلق الجن والإنس لحاجة منه إليهم، ولا ليربح عليهم، لكن خلقهم جوداً وإحساناً ليعبدوه فيربحوا هم  كل الأرباح كما قال تعالى: {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ}.

وقد قال الله – عز وجل- : {الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أنّ الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما}.

وقال تعالى: {جعل الله الكعبة البيت الحرام قيامًا للناس والشهر الحرام والهدي والقلائد ذلك لتعلموا أنّ الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض وأنّ الله بكل شيء عليم} فأخبر سبحانه أنّ القصد بالخلق والأمر: أن يعرف بأسمائه وصفاته، ويعبد وحده لا يشرك به، وأن يقوم الناس بالقسط.

وقال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا) قال ابن كثير – رحمه الله -: “أي: خلق السموات والأرض لنفع عباده الذين خلقهم ليعبدوه وحده لا شريك له، ولم يخلق ذلك عبثًا، كما قال تعالى: {وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلًا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار}، وقال تعالى: {أفحسبتم أنما خلقناكم عبثًا وأنكم إلينا لا ترجعون فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم}”.

قال ابن القيم – رحمه الله -: “{أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون} أي: لغير شيء ولا حكمة، ولا لعبادتي ومجازاتي لكم، وقد صرح تعالى بهذا في قوله {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}، فالعبادة هي الغاية التي خلق لها الجن والإنس والخلائق كلها، قال الله تعالى {أيحسب الإنسان أن يترك سدى} أي: مهملًا”.

وقد وصف الله تعالى أولي الألباب بأنهم (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا ‌مَا ‌خَلَقْتَ ‌هَذَا ‌بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ).

قد هيئوك لأمر ‌لَو ‌فطنت لَهُ … فاربأ بنفسك أن ترعى مَعَ الهمل

بارك الله لي ولكم.

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فإنّ الله – عز وجل – قد جعل الآخرة دار الثواب والعقاب والدنيا دار التمحل والاضطراب والتشمر والاكتساب.

وليس العمل في الدنيا مقصوراً على المعاد دون المعاش بل المعاش ذريعة إلى المعاد ومعين عليه، فالدنيا مزرعة الآخرة ومدرجة إليها.

لذا فقد قال تعالى: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ).

وقال تعالى: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا).

وقال الخليل – عليه السلام – (فابتغوا عند الله الزرق واعبدوه واشكروا له)، فالاستعانة بالله واللجوء إليه في أمر الرزق وغيره أمرٌ مطلوبٌ شرعًا.

لكن ينبغي للمسلم أن يتحرى الحلال في كسبه، وأن يأخذ المال بسخاوة نفس؛ ليبارك له فيه، ولا يأخذه بإشراف وهلع، ففي الصحيحين عن حكيم بن حزام أنه سأل النبي ﷺ فأعطاه ثم سأله فأعطاه ثم سأله فأعطاه، وقال له النبي ﷺ: (إنّ هذا المال خَضِرةٌ حُلوة، فمن أخذه بطيب ‌نفس ‌بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا خير من اليد السفلى).

كما ينبغي للمسلم -لاسيما مع تيسر الأرزاق وابتلاء الناس بمد أعينهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي لما متع الله به أزواجًا منهم زهرة الحياة الدنيا- أن لا يجعل المال يشغل همّه، وأن لا تكون الدنيا أكبر همه، بل يكون همه الأكبر آخرته، فقد قال ﷺ: (من كانت الدنيا همه فرق الله عليه أمره وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له، ومن كانت الآخرة نيته جمع الله له أمره وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا وهي راغمة) صححه الألباني. وكان من دعاء النبي ﷺ: (ولا تجعل الدنيا ‌أكبر ‌همنا ولا مبلغ علمنا) رواه الترمذي وحسنه الألباني.

وكان النبي ﷺ يتخوف على أمته من فتح الدنيا عليهم فيخاف عليهم الافتتان بها، ففي الصحيحين عن عمرو بن عوف أنّ النبي ﷺ قال للأنصار لما جاءه مال من البحرين: (أبشروا وأمّلوا ما يسركم فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تبسط الدنيا عليكم ما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم).

وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: (إنّ الدنيا خضرة حلوة وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء).

فاللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا.

وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه…

خطبة لماذا خلقنا الله


شارك المحتوى:
0