يقول السائل: كيف نرد على من قال لنا: إن ابن تيمية -رحمه الله تعالى- ذهب إلى عزاء أهل أكبر أعدائه وأشدهم عداوة له؟
الجواب:
القاعدة الشرعية التي أجمع عليها سلف هذه الأمة، ودل عليه الكتاب والسنة هو وجوب هجر أهل البدع، ويجب أن يُهجَروا، وأن يُذَلُّوا، وألا يعادوا عند المرض ولا تتبع جنائزهم، إلى غير ذلك.
وقد دل على ذلك القرآن في قوله تعالى: ﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ [المجادلة: 22] وهذا يدخل فيه أهل البدع، كما استدل بهذا غير واحد من أهل السنة.
ومن ذلك قوله تعالى: ﴿فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ﴾ [النساء: 140].
أما السنة فما أخرج الشيخان من حديث عائشة -رضي الله عنها- أن النبي ﷺ قال: «إِذَا رَأَيْتُمُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ، فَأُولَئِكَ الَّذِينَ سَمَّى اللهُ فَاحْذَرُوهُمْ».
أما إجماع سلف هذه الأمة فحكاه جمع كبير من أئمة السنة، كالإمام أحمد في (أصول السنة) وكعلي بن المديني في عقيدته، والرازيين في عقيدتهما، وأبي عثمان الصابوني في كتابه (عقيدة السلف أصحاب الحديث) إلى غير ذلك من أئمة السنة.
ومن ذلك: ألا يعزى أهل البدع.
فإن قيل: إن شيخ الإسلام ابن تيمية لما مات أحد كبار المبتدعة من الأشاعرة في زمانه ذهب وعزى أهله.
فالجواب عن هذا من وجهين:
الوجه الأول: أن شيخ الإسلام وغيره من أهل العلم ليسوا حجة على دين الله، فكل من سِوى الله سبحانه ورسوله ﷺ فإنهم ليسوا حجة، بل الحجة في كتاب الله وسنة النبي ﷺ، وما دل الكتاب والسنة على أنه حجة، كفَهْم سلف هذه الأمة وغير ذلك، والله يقول: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ [النساء: 59] وهذا الجواب إجمالي.
الوجه الثاني: أن هناك فرقًا بين أن يُعزَّى المبتدع نفسه وأن يعزَّى أهله، فإنه إذا مات المبتدع وذهب الرجل وعزى أهله، دعا لهم بالثبات والصبر وغير ذلك، فهو لم يُعزِّ مبتدعة، بخلاف لو مات أحد من أهل المبتدعة، وذهب وعزَّاه فإنه قد عزَّى المبتدع، ففرق بين الصورتين.
أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يعلِّمَنا ما ينفعُنا، وأن يَنْفَعَنَا بما عَلَّمَنَا.