إنَّ الحمدَ لله، نحمدهُ ونستعينهُ ونستغفرهُ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدهِ الله فلا مُضلَّ له، ومن يُضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدهُ ورسولهُ.
فإنَّ ضرر اللسانِ على الناسِ عظيمٌ، ومن ذلكم ما ذكرَ ابنُ عبد البر -رحمه الله تعالى- في كتابه (بهجة المجالس) عن يحيى بن أبي كثير -وهو من أئمة السلف- أنه قال: يُفسد النَّمام والكذَّاب في ساعةٍ ما لا يُفسد الساحرُ في سنةٍ.
وهذا يدلُّ على عظيم خطر اللسان، وأنَّ جُرمه كبير، وضرره متعدٍّ، وواسعُ الانتشار، لذا حرمت الشريعة نقل الشائعات التي تُشاع عن الأفراد وعن الجهات، وغير ذلك.
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا﴾ وفي قراءةٍ أخرى: ﴿فَتَثَبَّتُوْا﴾ [الحجرات: 6] وقال سبحانه: ﴿لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ﴾ [النور: 12] أي: لم يظن المسلم بأخيه المسلم إلا خيرًا، وأحسن الظن به ومن ذلك أنه لم يصدق الشائعات بل حمله على الأصل وهو براءةُ الذِمَّة، وبراءةُ الجهات، وألَّا يُثبَّت عليها شيءٌ من الشائعات إلا ببرهانٍ وبيِّنة.
روى البخاريُّ ومسلم عن المغيرة بن شعبة I أنَّه قال: قال رسول الله ﷺ: «إن الله كره لكم ثلاثا: قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال». قال النوويُّ وابنُ كثير: ومن القيل والقال نقلُ الكلام والشائعات.
وروى الإمام مسلم في مقدمته، وأبو داود في سننه، عن أبي هريرة I أنَّ النبيَّ ﷺ قال: «كفى بالمرء إثمًا أن يُحدِّثَ بكل ما سمع».
وثبت عند البخاري في كتابه (الأدب المفرد) عن عليّ بن أبي طالب I أنه قال: ” لَا تَكُونُوا عُجُلًا مَذَايِيعَ بُذُرًا “. ومعنى(عُجُلًا): أي لا تكن فيكم عَجَلة، و(مَذَايِيعَ): أي ولا تكونوا مذياعًا تنقلون الأخبار بلا تثبُّت، و(بُذُرًا): أي لا تُفشوا الأسرار.
وهذه الكلمات من كتاب الله وسنة النبي ﷺ ومن الصحابة الكرام دالّةٌ على حرمة نقلِ الشائعات.
أيها المؤمنون!
إنَّ نقل الشائعات الكاذبة من الأوزار المتعدّية، ومن الآثام المستمرَّة، فإنها تبلغ الآلاف، بل تبلغ الملايين، وتتناقل هذه الأخبار الشهر والشهرين، بل قد تبقى سنين، والأوزار تُحسب عليك! وتزداد إثمًا على إثم بتناقل هذه الأخبار بلا تثبُّتٍ ولا برهان، ولا خوفٍ من الرب العلَّام.
فاتقوا الله أيها المؤمنون، ولا تكونوا مذاييع، ووسيلة نقلٍ للأخبار التي لم تثبت، وكونوا محتاطين، وتثبَّتوا وتبيَّنوا كما أمر الله سبحانه وتعالى.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي لكم، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فإنَّ نقلَ الشائعات من الآثام المُحرمة ويزداد إثمها بازدياد خطورتها وأثرها، ومن ذلكم نقلُ الأخبار الدِّينية والأحكام الشرعية بلا تثبُّت، ما أكثر الناس الذي يتناقلون رسائل دينية وأحكامٍ شرعية وأحاديث نبوية عبر وسائل التواصل بلا تثبت، فاتقوا الله، وكونوا محتاطين في دينكم، ولا تتناقلوا من دين الله إلا ما ثبتَ صِحَّته، وأخذهُ من أهل العلم الموثوقين.
فما أكثر ما انتشرت الرسائل الصوفية، والرسائل الإخوانية والتبليغية عبرَ هذه الوسائل بلا تثبُّتٍ ولا احتياط.
ومما يزداد إثمها من الشائعات إذا كانت متعلقةً بأهل العلم أو بولاة الأمور، فإنَّ إثمها ووزرها أكثرُ من غيرها، فاتقوا الله أهل الإيمان، وما أكثر تساهل من المسلمين في الشائعات التي تُنقل عن ولاة الأمور وعن العلماء.
ومن الشائعات المحرمة الشائعات التي تُنقل عن جهةٍ حكومية أو غير حكومية بلا تثبُّتٍ ولا برهان، فما أكثر ما سمعنا أنَّ الشركة الفلانية شركةٌ رافضية، فتوارد الناس على ترك الشراء والبيع معها، ثم ما إن تذهب الأيام إلا ويتبيَّن أنَّ تلك شائعات لا قيمة لها.
فاتقوا الله إخوة الإيمان، ولا تكونوا معول هدم، وكونوا معول بناء.
وواجبنا تجاه الشائعات التثبت قال سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا﴾ [الحجرات: 6]
ثم الواجب ظنُّ الخير بإخواننا المسلمين، كما قال سبحانه: ﴿لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ﴾ [النور: 12].
فلا تقبل الشائعات التي لا زمام لها ولا خطام.
ثم مما يزيد الحماسة للتثبت أن تتخيَّل أنَّ هذه الإشاعة فيك، أو في والديك أو أهلك يا لله كم ستتألَّم؟ كم تتحسر؟ فاتق الله واعمل بما أمر النبيُّ ﷺ فيما روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة I أنَّ النبيَّ ﷺ قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت».
اللهم إنا نعوذ بك أن نَظلم أو نُظلم، اللهم اهدنا وسددنا.