الشباب والإجازة


الشباب والإجازة

الخطبة الأولى

إنّ الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ ‌حَقَّ ‌تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}. أمّا بعد:

فإنّ أصدقَ الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ في دين الله تعالى بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار. أما بعد:

لقد ودع شبابُنا الأيام الماضية عامًا دراسيًا حافلًا بالعلم والعطاء، وإنهم بعد هذا الجهد الذي بذلوه في عامهم الدراسي بفصوله الثلاثة سوف يجدون الفجوة الواسعة بين أيام دراستهم وأيام عطلتهم، وسيعانون من مشكلة الفراغ التي قال النبي -صلى الله عليه وسلم- عنها وعن نعمة الصحة: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ» رواه البخاري. وهاتان النعمتان متوفرتان الآن لأكثر شبابنا، فما أدري أيكون شبابنا من الكثير المغبون فيهما أو سيكون من ذوي الحزم والقوة الذين يربحون أوقات صحتهم وفراغهم!

قال رسول اللهِ -صلى الله عليه وسلم- لرجلٍ وهو يعظه: «اغْتَنِمْ ‌خَمْسًا ‌قَبْلَ ‌خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هِرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاءَكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ» رواه الحاكم وصححه. وقال عَبْدُاللَّهِ بنُ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: “إنِّي لأُبغِضُ الرَّجُلَ فَارِغًا، لَا فِي عَمَلِ دُنْيَا وَلَا فِي عَمَلِ الْآخِرَةِ”.

أيها الناس: اعلموا أنه لن تزول قدما أحدكم يوم القيامة عن موقفه الذي سيقف فيه؛ حتى يسأل عن جملةِ أمورٍ، منها: عمره، فيما أفناه؟ ويا أيها الشباب: اعلموا أنكم ستسألون أيضًا عن شبابكم، فيما أبليتموه؟ فقد قال – صلى الله عليه وسلم -: «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به» رواه الترمذي وصححه الألباني.

 

 

فعلى الشاب أن يغتنم أيامَ الشبابِ والصحةِ والفراغِ بما يعود عليه وعلى أمتِهِ بالخير.

ويمكن اغتنامُ هذه النعمِ واستغلالُها بمذاكرة العلم ودراسته سواء في الدروس الرسمية الماضية أو المستقبلة، أو في دروس أخرى، وسواء كان ذلك عبر الكتب التي بين أيدينا                        أو المواقع الالكترونية.

وينبغي أن يكون لعلم العقيدة الصدارة من بين تلك العلوم التي تدرس ويقرأ فيها؛ لئلّا ينشأ جيلٌ يجهل العقيدةَ الصحيحة، فيستسيغ الشركياتِ والبدعَ والخرافات، ويعتبرها من العقيدة؛ لأنه وجد الناس عليها، ولم يعرف بطلانها، ويجب اختيار الكتب الصحيحة السليمة، التي أُلّفت على مذهب السلف الصالح وأهل السنة والجماعة، والمطابقة للكتاب والسنة، ككتاب الأصول الثلاثة والقواعد الأربع وكتاب التوحيد وكشف الشبهات لشيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله-، وكتاب العقيدة الواسطية ونحوه من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- التي ألفت في هذا الباب. كما يمكن القراءةُ في كتب التفسير القيمة السالمة من الزيغ في تحريف معاني القرآن. وهكذا كتب الحديث الصحيحة مثل صحيح البخاريِّ ومسلم. ويمكن أيضًا القراءة في كتب التاريخ المعتمَدَةِ البعيدةِ عن الأهواء، لا سيما تاريخ صدرِ الإسلامِ كسيرة النبي -صلى الله عليه وسلّم- وخلفائه الراشدين؛ لأنها سيرةٌ وسلوك، تزيد القارئَ علمًا بأحوالِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- وخلفائه، ومحبةً لهم، وتفيد الفقهَ في الدين.

وليحذر المسلم كلّ الحذر من النظرِ أو القراءةِ والمتابعة لما يخشى منه على عقيدته وأخلاقه وسلوكه، وعليه البعد عن مواطن الفتن، وأن لا يدنّس دينَه ويعرَضه للفتن بالسماع لدعاة الضلال والنظر في كتبهم ومواقعهم الالكترونية، فإنّ بعضَ الناسِ يقع في ذلك ويظن أنه واثقٌ من نفسه ثم لا يزال الشر يتجارى به فلا يستطيع الخلاص منه. والله المستعان.

كما يمكن اغتنام الوقت في الأعمال النافعة من تجارةٍ وبيعٍ وشراء، ومساعدةٍ للوالدين فيما يقومون بهِ من أعباء، وسفرٍ لا يترتب عليه محرم، يستفيد به استطلاعًا على البلاد، وتعرفًا على إخوانهِ، وصلةً لأرحامِهِ، ودعوةً إلى دين الله على علمٍ وبصيرة، ونحوَ ذلك من الأغراض النافعة.

بارك الله لي ولكم.

 

 

 

 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:

أيها الأولياء:

لقد كان للمدرسة أثناء الدراسة دورٌ كبيرٌ في حفظ أولادكم ورعايتهم، أما الآن فقد أصبح العبء الثقيلُ والمسؤوليةُ عليكم، وإذا لم تقوموا بدوركم فمن الذي سيقوم به؟ هل يقوم بهِ أباعدُ الناسِ ومن لا صلة له فيهم؟ أو يُترك هؤلاء الأولادُ والأغصانُ الغضةُ تعصف بها رياحُ الأفكارِ المضللةِ والاتجاهاتِ المنحرفة والأخلاقِ الهدامة؟

فاتقوا الله في أولادكم، وقوموا بما أوجب الله عليكم فيهم، واعلموا أنّكم لن تسلموا إلا إذا قمتم بما أمر اللَّه به في أنفسِكم، وفيما يدخل تحت ولايتكم من الزوجاتِ والأولادِ ونحوِهِم؛ فقد قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)، وفي الصحيحين أنّ رسول اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قال: «أَلَا ‌كُلُّكُمْ ‌رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ»، وفيهما أيضًا أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: «مَا مِنْ عَبْدٍ اسْتَرْعَاهُ اللَّهُ رَعِيَّةً، فَلَمْ يَحُطْهَا بِنَصِيحَةٍ، إِلَّا لَمْ يَجِدْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ».

فاتقوا الله تعالى بالقيام بحقه وحق من لهم حق من العباد، واتقوا النار التي أعدت لمن أهمل الحقوقَ والواجبات وارتكب الفساد، واعلموا أنّ من أوجب الواجبات عليكم ‌ملاحظة الأهل والأولاد، فاجتهدوا في القيام بواجبكم غاية الاجتهاد؛ لتكونوا عند سؤال الله لكم عنهم على     أتم استعداد.

ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين، واجعلنا للمتقين إمامًا.

وصوا وسلموا… .

 

أعد الخطبة/ د. بدر بن خضير الشمري

 

 


شارك المحتوى:
0