هل يجوز زيارة المسجد الأقصى وهو تحت الاحتلال اليهودي؟


السؤال:

هل يجوز زيارة المسجد الأقصى وهو تحت الاحتلال اليهودي؟

الحمد لله وحده، والصلاة السلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

فجواباً عن سؤالكم، نقول ابتداءً يجوز السفر للقدس وزيارة المسجد الأقصى، لما رواه البخاري (١١٩٧)، ومسلم (٨٢٧) في «صحيحيهما» من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لاتشدّوا الرحال الا الى ثلاثة مساجد، مسجدي هذا، والمسجد الحرام والمسجد الأقصى»، ورواه البخاري (١١٨٩)، ومسلم (١٣٩٧) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أيضاً.

وينبغي استئذان من تكون بحوزته وداخلة في حدوده، كـ(اليهود) الآن مثلا، فهم من وَلِيَ أمرها هنالك بلا رضا منّا، في هذا الزمان، وهذا أمر موجود حالياً، فلابد من التعامل معه بالحكمة والعلم الشرعي.

ولبيان جواز زيارة المسجد الأقصى وان كان بالأيدي الغاصبة، سنذكّر بما جوّزه الناس لأنفسهم دون ان يُمنعوا من ذلك، سواء برأي أو فتاوى شرعية:

أولا: كما كان يفعل كثير من الكويتيين مع من استولى على بلادهم وممتلكاتهم، فانهم كانوا يستأذنون من وجدوه في طريقهم، من أتباع الرئيس السابق صدام حسين وجيشة رغبة في الدخول الى بلادهم، (دولة الكويت)، لتتبع حاجياتهم وممتلكاتهم وحراسة أعراضهم…

ثانياً: ان الغالب على الدول المحيطة بالدولة اليهودية وجود معاهدات بينها وبين البلدان المسلمة، فهل تلك المعاهدات جائزة شرعاً أو غير جائزة؟ وهل تُعد الدولة التي أنشأت معاهدة مع عدوها داخلة في ما يسمى بـ (بالتطبيع، أو تكريس الاحتلال).

ثالثاً: نَذْكرُ ببعض الشُّبَهِ التي قالها بعض الناس عندما قلنا بالجواز:

-1 قالوا: (هذا قياس مع الفارق، فالكويتي يذهب الى ملكه في صورة استئذان العراقيين).

-2 وقالوا: (أما في الصورة الثانية فلا، ويلحق بهذا أيضا عدم جواز السفر الى بلاد الكفار، وهذا ما لم يعلل به الشيخ (س)، وأضف ان الكويت مقاطعة للاحتلال من باب عدم التكريس له، وهذه وجهة نظر ولاة الأمر في الموضوع من قديم.) اهـ.

رابعاً: الرد على الشبهة

-1 اذا كان ولي الأمر يمنع فهذا شيء آخر.

-2 وأما الاحتجاج بـ [مصطلح التكريس، والتطبيع!] الغريب.

فأقول: ان هذه اللغة ليست لنا أمة الاسلام، ولا ينبغي ان تكون برهاناً، ولا حجةً شرعيةً تصبح مناطا للأحكام، بل تلك مصطلحات سياسة، لا تصلح وصفاً وعلة للأحكام الشرعية، بل:

-3 ولنا الاحتجاج بما رواه البخاري (١٧٧٨)، ومسلم (١٢٥٣) في «صحيحهما» من طريق قتادة رضي الله عنه، قال: سألت أنساً رضي الله عنه، كم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: أربعاً، عمرة الحديبية في ذي القعدة، حيث صده المشركون، وعمرة من العام المقبل في ذي القعدة حيث صالحهم، وعمرة الجعرانة حيث قسم غنائم حنين، وعمرة مع حجته.

< ويستفاد منه:

– جواز واستحباب زيارة النبي صلى الله عليه وسلم للمسجد الحرام، وهو داخلٌ في حدود بلاد الكفر، وتحت سطوته.

– ان مصطلح تكريس الاحتلال والتطبيع، يحتاج اعادة نظر، وعرض على الأدلة والمقاصد الشرعية، لا عكس ذلك، بأن تكون هذه المسميات والمصطلحات مانعة من نفوذ أحكام الشريعة، والا لقيل: هل النبي صلى الله عليه وسلم وقع في محظور لمخالفته (مصطلح تكريس الاحتلال والتطبيع)… وهذا متعذّرٌ في حقه، بل شرّع بخلاف ما تهواه العقول وتراه.

وبعد الاستدلال بالنصوص الشرعية، واستئذان النبي صلى الله عليه وسلم كفار قريش في دخول بلاد الكفار لزيارة المسجد الحرام..

تم ايراد بعض شُبَهِ اخواننا:

-1 فقالوا: (ومكة لم تكن دار اسلام، وأخذت بعد ذلك فالاحتجاج بهذا أعم من القضية المذكورة، ولذلك ولاة أمرنا يرفضون التطبيع والتكريس، لأنهم يدّعون أنهم أصحاب أرض بخلاف وضع مكة).

-2 وقال آخر: (ان الكعبة كانت بأيدي الكفار وهم أهل مكة، وما كانت تحت أيدي محتلين ومغتصبين).

فقلت ختاما: أولا: ان ذِكرَنا للنبي صلى الله عليه وسلم، فلأنه مصدر التشريع، والمُبلّغ لدين لله عزّ وجل، فقد شرّع للمسلمين زيارة المسجد الحرام قولا وفعلا، عندما كان في حوزة الكفار…

وللعلم: فان ما ذكرناه من قول لا يتجاوز باب الالزام، وان المسلم ليأسف اذا لم يلتزم التابع بالمتبوع.

– وان نقض هذا الدليل الذي ذكرناه وغيره من الأدلة، لا يكون بالرأي والقياس – كالأقوال التي لا تستند للدليل والبرهان، وذُكرت بعد الاحتجاج بالنص الشرعي -، بل لابد من ايرادِ دليل مانع مثله، ولا يوجد!

<< واني لأعجب أيّما عجب ممن يدّعي الامتثال للأدلة، وأنه على منهاج السلف، ثم يرد الدليل والنص الشرعي بالرأي، كقول بعض الناس: فيه (تكريس الاحتلال، وفيه دعوى الى التطبيع) ونحوه.

– أو دعوى التفريق بلا دليل، بين البلاد التي لم يدخلها الاسلام كـ (مكة)، والبلاد التي دخلها الاسلام، وبعد ذلك استولى عليها الكفار، اليهود كـ(القدس والمسجد الأقصى)، وكل ذلك نراه رأياً بلا حجة.

ثانيا:

-1 أُذكر بالعبيديين، وقد كانوا أشد كفرا من اليهود، – فقد استباحوا مصرا، واستعبدوا أهلها، واستولوا على ارضها -، ولم نقرأ فتوى لعالم معتبر بتحريم السفر الى مصر ابان حكمهم لتلك الجهات.

-2 وكذلك لما كانت تلك البلاد ومنها المسجد الأقصى، تحت سيطرة الصليبيين، فلم تُنقل فتوى تمنع زيارة المسجد الأقصى قبل ان يعيدها صلاح الدين الأيوبي الى المسلمين، ويلحقها بالدولة المسلمة.

-3 ومثلها ايران – في هذا العصر-، وما تحمل من عداء للدول المحيطة وأهلها، وهي امتداد الدولة الصفوية، فقد تم الاستيلاء على بلاد فارس وما حولها منذ ثلاثة قرون، وحوّلت تلك الجهات من بلاد ذات هوية الى بلاد تحمل هوية مخالفة… ولم يُنقل عن عالم يُعتد بقوله: الافتاء بحرمة السفر اليها!

ثالثا: ولذا أنصح اخواني الفضلاء عدم التأثر بلغة الاعلام، فلا يكون مصدراً للتلقي، يمارس دوراً في صياغة عقل وذهن القارئ المعاصر، ومن ثم التأثير عليه، ونرى ذلك ظاهراً في مفرداته عند الابتعاد عن ألفاظ الشرع وأحكامه، وكذلك القواعد الشرعية…والله الموفق.

رابعاً: نقل لنا الأخ الفاضل عبدالله السبيعي حفظه الله، فتوى شيخنا ابن باز رحمه الله: (زيارة المسجد الأقصى والصلاة فيه سنة اذا تيسر ذلك)، في «فتاوى ابن باز»، المجلد الثامن، الحوار الذي أجراه رئيس تحرير جريدة «المسلمون» مع سماحته حول الصلح مع اليهود.

س3: في ظل التفاهم بين العرب واليهود، هل يجوز زيارة المسجد الأقصى والصلاة فيه، خصوصاً في حال الموافقة من الدول العربية؟

ج٣: زيارة المسجد الأقصى والصلاة فيه سنة اذا تيسر ذلك، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تشد الرحال الا الى ثلاثة مساجد، المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى». متفق على صحته، والله الموفق]اهـ.

كتبه: عبد العزيز بن ندى العتيبي


شارك المحتوى: