ماذا بعد الحج؟


إن الحمد لله، نحمده ونستعينُه ونستغفرُه ونتوبُ إليه، أحمده سبحانه، أكمل لنا المناسك وأتمَّ، وأسبغَ على الحَجيج فضلَه المِدرارَ الأعمَّ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً نسمُو بها إلى أعلى القِمَم، وأشهد أن نبيَّنا وسيِّدنا محمدًا عبدُ الله ورسوله أزكى من أدَّى المناسِكَ وطافَ بالبيت العتيق وأمَّ، وأبانَ معالمَ الدين ورسَم بأبلغِ عبارةٍ وأوجزِ الكلِم، صلَّى الله عليه وعلى آله الأطهارِ صفوةِ الأُمَم، السالكين النهجَ القويمَ الأَمَم، وأصحابِه الأخيارِ أُسدِ العَرين ولُيُوثِ الأَجَم، والتابعين ومن تبِعهم بإحسانٍ ما قصدَ المسجدَ الحرام حاجٌّ والتزَم، وسلَّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين .
أما بعد
عباد الله : اتقوا الله تعالى واغتنموا أعماركم بالأعمال الصالحة فإنها تنقضي سريعة، وأعلموا أنها تمر بكم أوقات الفضائل ومواسم الخيرات والنفحات، فالسعيد من تنبه لها واستفاد منها، والشقي من غفل عنها وضيع نفسه، روى الترمذي وحسنه عن ابي يعلى مرفوعا وفي اسناده ضعف الا أن معناه صحيح:”الكيِّس من دانَ نفسه –يعني حاسها- وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني”.

أيها المسلمون أيها المسلمون: في الأيامِ القليلةِ الخاليةِ قضى الحجاجُ عبادةً من أعظم العبادات، وقربةً من أعظم القربات، تجردوا لله من المخيطِ عند الميقات، وهلّتْ دموع التوبةِ في صعيد عرفاتٍ على الوجنات، خجلاً من الهفوات والعثرات، وضجتْ بالافتقار إلى الله كلُ الأصواتِ بجميع اللغات، وازدلفتِ الأرواحُ إلى مزدلفةَ للبَيَات، وزحفتِ الجموع بعد ذلك إلى رمي الجمرات، والطوافِ بالكعبة المشرفة، والسعيِ بين الصفا والمروة .

عادَ الحجاج بعد ذلك فرحين بما آتاهم الله من فضله(قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مّمَّا يَجْمَعُون)
عاد الحجاج بعد المناسك المباركة ، فما لسان قال أوحال كل حاج منهم ..

أهو شكر الله على اداء المناسك وتمامها ، وتيسر الأمور ، ام هو التسخط والضجر المنافي لشكر المنعم جل وعلا .

أيها الإخوة المؤمنون: ومن شُكر المُنعِم سبحانه: التحدُّث بما حبَى الله بلاد الحرمين الشريفين -حرسَها الله- من شرفِ خدمةِ الحُجَّاج والقيام على مصالحهم .

لقد كان الحجاج قبيل تولي المؤسس الملك عبد العزيز مقاليد الحكم، يودِّعهم أهلوهم بالدموع بكاءً على ذلك الذي ربَّما يعود، وربما يلحق بقوافل من خرجوا للحجِّ ولم يعودوا، فمن لم يسلم منهم من أيدي قطاع الطرق واللصوص، تفتك به الأمراض والأوبئة، أو يخرّ صريعًا من مشقة الحجِّ، ولا سيما إن كان من كبار السنِّ، وسط حالة من الإهمال والانفلات الأمني والافتقار إلى أبسط مقوِّمات الأمن والرِّعاية والعناية بضيوف الرحمن، الصورة التي تبدَّدت تمامًا .

يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :إننا في هذه البلاد نعيش نعمة بعد فقر وأَمناً بعد خوف وعلماً بعد جهل وعزاً بعد ذل بفضل التمسك بهذا الدين مما أوغر صدور الحاقدين وأقلق مضاجعهم يتمنون زوال ما نحن فيه ويجدون من بيننا وللأسف من يستعملونه لهدم الكيان الشامخ .

قال الشيخ ابن باز رحمه الله :
وهذه الدولة السعودية دولة مباركة ، نصر الله بها الحق ، ونصر بها الدين ، وجمع بها الكلمة ، وقضى بها على أسباب الفساد ، وأمن الله بها البلاد ، وحصل بها من النعم

العظيمة ما لا يحصيه إلا الله ، وليست معصومة ، وليست

كاملة ، كلٌ فيه نقص .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :هذه البلاد لا نقول إنها خالية من كل ظلم ، فيها ظلم وفيها خطأ ، لكن – والحمد لله – أخف ، ولو لم يكن فيها إلا تحقيق التوحيد ، والعمل الظاهر بالشريعة ، فالمحاكم موجودة ، وهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر موجودة ، وإن كان فيها شيء من الضعف ، لكن هي خير من عدمها .

عباد الله : مع ما سبق تبقى مشروعات الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة أيقونات عملاقة في جسد هذه الدَّوْلة التي قامت على خدمة الإسلام ، تلك المنجزات الكبرى والتي يقر بها عين كل مسلم سني ، وتعمى عنها بل هي كالشوك في عين كل حزبي مقيت .

ومن ذلك ما يُتداول في الشبكة العنكبوتية ومواقع التواصل من تضخيم بعض الأخطاء ، او جعلها مثارا للسخرية والضحك باسم الإصلاح وحفظ الحقوق ، وم هكذا يا سعد تورد الإبل .

وهذه الطريقة طريقة سبئية يهودية دعا إليها عبد الله بن سبأ حتى أسقط خلافة عثمان بن عفان – رحمه الله – فكان مما قال: ” استميلوا قلوب الناس بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإظهار عيوب أمرائكم .

وقد سئل الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله تعالى – عمن يتكلمون في مجالسهم عن ولاة الأمور في هذه البلاد بالسب والطعن فيهم ؟
فأجاب – حفظه الله تعالى – : هذا كلام معروف أنه باطل وهؤلاء إما أنهم يقصدون الشر وإما أنهم تأثروا بغيرهم من أصحاب الدعوات المضللة الذين يريدون سلب هذه النعمة التي نعيشها .
نحن – ولله الحمد – على ثقة من ولاة أمرنا وعلى ثقة من المنهج الذي نسير عليه وليس معنى هذا أننا قد كملنا وأن ليس عندنا نقص ولا تقصير بل عندنا نقص ولكن نحن في سبيل إصلاحه وعلاجه – إن شاء الله – بالطرق الشرعيةعباد الله : إننا نعيش في فتن عظيمة فخذوا الحذر فالنجاة من الفتن تكون بلزوم الجماعة وعدم الشذوذ والخروج عنها فالزموا طاعة ولاة أموركم واستمعوا لنصائح كبار علماء السنة واحذروا من دعاة الفتنة مهما لمعهم الإعلام الفاسد فإنهم دعاة يدلون من اتبعهم إلى فتن الدنيا ونار الآخرة والعياذ بالله.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بهدي سيد المرسلين. أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية :

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده اما بعد :

عبدالله : يا من غابت عنه شمسُ هذه الأيامِ ولم يَقْضِها إلا في المعاصي والآثام، يا من ذهبتْ عليه مواسمُ الخيرات والرحمات وهو منشغل بالملاهي والمنكرات، أما رأيت قوافلَ الحجاج والمعتمرين والعابدين؟! أما رأيت تجرُد المُحْرِمين وأكفَّ الراغبين ودموعَ التائبين؟! أما سمعتَ صوت الملبين المكبرين المهللين؟! فما لك قد مرّت عليك خيرُ أيام الدنيا على الإطلاق وأنت في الهوى قد شُدَّ عليك الوَثاق؟!

( قل يا عبادي الذي اسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ان الله يغفر الذنوب جميعا)
عبدالله المطيع لربه إذا علمت أن كثيرًا من الأعمال ترد على صاحبها لأسباب كثيرة كان أهم ما يهمه معرفة أسباب القبول، فإذا وجدتها في نفسك فاحمد الله، واعمل على الثبات على الاستمرار عليها، وإن لم تجدها فلتكن أول اهتمامك من الآن: العمل بها بجد وإخلاص لله تعالى .

وإليكم عباد الله بعض أسباب قبول الأعمال الصالحة:
1- استصغار العمل وعدم العجب والغرور به: إن الإنسان مهما عمل وقدم، فإن عمله كله لا يؤدي شكر نعمة من النعم التي في جسده من سمع أو بصر أوغيرها، ولا يقوم بشيء من حق الله -تبارك وتعالى-، فإن حقَّه فوق الوصف، ولذلك كان من صفات المخلصين أنهم يستصغرون أعمالهم، ولا يرونها شيئًا، حتى لا يعجبوا بها، ولا يصيبهم الغرور فيحبط أجرهم، ويكسلوا عن الأعمال الصالحة.
2- الخوف من رد العمل وعدم قبوله: لقد كان السلف الصالح يهتمون بقبول العمل أشد الاهتمام، حتى يكونوا في حالة خوف وإشفاق، قال الله -عز وجل- في وصف حالهم تلك: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ) ، وقد فسرها النبي -صلى الله عليه وسلم- بأنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون ويخافون أن لا يتقبل منهم .
3- الرجاء وكثرة الدعاء: إن الخوف من الله لا يكفي؛ إذ لابد من نظيره وهو الرجاء؛ لأن الخوف بلا رجاء يسبب القنوط واليأس، والرجاء بلا خوف يسبب الأمن من مكر الله، وكلها أمور مذمومة تقدح في عقيدة الإنسان وعبادته، ورجاء قبول العمل، مع الخوف من رده، يورث الإنسان تواضعًا وخشوعًا لله تعالى، فيزيد إيمانه، وعندما يتحقق الرجاء فإن الإنسان يرفع يديه سائلاً ربه قبول عمله، فإنه وحده القادر على ذلك، وهذا ما فعله أبونا إبراهيم خليل الرحمن وإسماعيل -عليهما الصلاة والسلام-، كما حكى الله عنهم في بنائهم الكعبة فقال: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ )
4- كثرة الاستغفار: مهما حرص الإنسان على تكميل عمله فإنه لابد من النقص والتقصير، ولذلك علَّمنا الله تعالى كيف نرفع هذا النقص فأمرنا بالاستغفار بعد العبادات، فقال بعد أن ذكر مناسك الحج (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ )
5- الإكثار من الأعمال الصالحة: فمن علامات قبول الحسنة: فعل الحسنة بعدها، فإن الحسنة تقول: أختي أختي، وهذا من رحمة الله -تبارك وتعالى- وفضله، أنه

يكرم عبده إذا فعل حسنة، وأخلص فيها لله أنه يفتح له

بابًا إلى حسنة أخرى ليزيده منه قربًا .

هذا؛ وصلُّوا وسلِّموا -رحمكم الله- على خيرِ الورَى الحبيبِ المُجتبَى والرسولِ المُرتَضَى، كما أمركم المولى -جل وعلا-، فقال تعالى قولاً كريمًا (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا )، وقال -صلى الله عليه وسلم-: “من صلَّى عليَّ صلاةً صلَّى الله عليه بها عشرًا”. خرَّجه مسلمٌ من حديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما-.
اللهم صلِّ على محمدٍ وآلهِ وأزواجِه وذريَّته، كما صلَّيتَ على إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، وبارِك على محمدٍ وآلهِ وأزواجِه وذريَّته، كما بارَكتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين، إنك حميدٌ مجيد، وارضَ اللهم عن الأئمة الأربعةِ الخلفاء الراشدين، الأئمةِ المهديين: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابة والتابعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم برحمتك وكرمك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، واجعل العزة والنصر لعبادك الموحدين.
اللهم انصر من نصر الدين واخذل من خذل الدين, اللهم احفظ بلاد الحرمين من كل عدو للإسلام والمسلمين من الخوارج المارقين والرافضة الحاقدين والعلمانيين المنافقين , اللهم اكشف أمرهم و تدبيرهم , وأفشل مخططاتهم,اللهم أكفنا شرهم وشر أمثالهم يارب العالمين, اللهم مكن ولاة أمرنا منهم حتى يحكموا فيهم بكتابك وسنة نبيك. اللهم آمِنَّا في أوطاننا، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح ووفِّق أئمَّتنا وولاةَ أمورِنا، وأيِّد بالحقِّ إمامَنا ووليَّ أمرنا.اللهم فرج هم المهمومين ونفس كرب المكروبين .
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .


شارك المحتوى: