« خطر الجشع والمبالغة في المكاسب التجارية »
محمد بن سليمان المهوس /جامع الحمادي بالدمام
18/4/ 1447
الخُطْبَةُ الأُولَى
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا النَّاسُ: أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُمْ مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: مِنَ الصِّفَاتِ الذَّمِيمَةِ، وَالأَخْلاَقِ السَّيِّئَةِ الرَّدِيئَةِ الَّتِي اتَّصَفَ بِهَا كَثِيرٌ مِمَّنْ غَفَلَ عَنْ مُرَاقَبَةِ رَبِّهِ، وَالْبُعْدِ عَنْ تَعَالِيمِ دِينِهِ، وَتَهْذِيبِ نَفْسِهِ وَصِيَانَتِهَا عَمَّا يُدَنِّسُهَا: خُلُقُ الْجَشَعِ وَالطَّمَعِ فِي التَّكَسُّبِ، وَخُصُوصًا فِي الْقِطَاعِ الْعَقَارِيِّ الَّذِي بَالَغَ مُلاَّكُ الْعَقَارِ فِي رَفْعِ الإِيجَارَاتِ وَالْمَكَاسِبِ الْعَقَارِيَّةِ؛ طَلَبًا لِلرِّبْحِ الزَّائِدِ، مِمَّا تَسَبَّبَ فِي الإِضْرَارِ بِالْمُسْتَأْجِرِينَ، وَالتَّضْيِيقِ عَلَيْهِمْ فِي مَعِيشَتِهِمْ وَاسْتِقْرَارِهِمْ؛ نَتِيجَةَ حِرْصِهِمْ عَلَى الزَّائِدِ عَلَى الْمَالِ الَّذِي يُفْسِدُ دِينَهُمْ وَأَخْلاَقَهُمْ؛ فَعَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الأَنْصَارِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: «مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلاَ فِي غَنَمٍ بِأَفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرْصِ الْمَرْءِ عَلَى الْمَالِ وَالشَّرَفِ لِدِينِهِ» [صَحِيحُ التِّرْمِذِيِّ].
قَالَ ابْنُ رَجَبٍ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: «فَهَذَا مَثَلٌ عَظِيمٌ جِدًّا ضَرَبَهُ النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- لِفَسَادِ دِينِ الْمُسْلِمِ بِالْحِرْصِ عَلَى الْمَالِ وَالشَّرَفِ فِي الدُّنْيَا، وَأَنَّ فَسَادَ الدِّينِ بِذَلِكَ لَيْسَ بِدُونِ فَسَادِ الْغَنَمِ بِذِئْبَيْنِ جَائِعَيْنِ ضَارِيَيْنِ بَاتَا فِي الْغَنَمِ، وَقَدْ غَابَ عَنْهَا رُعَاؤُهَا لَيْلاً، فَهُمَا يَأْكُلاَنِ فِي الْغَنَمِ وَيَفْتَرِسَانِ فِيهَا.
وَقَالَ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: « مَنْ ضَارَّ أَضَرَّ اللهُ بِهِ، وَمَنْ شَاقَّ شَاقَّ اللهُ عَلَيْهِ» [حسَّنَهُ الألبانيُّ].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: دِينُنَا اَلْحَنِيفُ يَسْمُو بِأَخْلاَقِ الْمُسْلِمِ، وَيَدْعُو اَلْمُسْلِمَ إِلَى التَّحَلِّي بِمَكَارِمِ الأَخْلاَقِ فِي مُعَامَلَتِهِ لِلنَّاسِ، وَأَنْ يَكُونَ سَهْلاً هَيِّنًا لَيِّنًا، رَحِيمًا كَرِيمًا قَرِيبًا مِنَ النَّاسِ، يَأْلَفُهُمْ وَيَأْلَفُونَهُ، يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ، مُتَّصِفٌ بِالسَّمَاحَةِ وَالتَّيْسِيرِ، وَبِالْقَنَاعَةِ وَالتَّبْشِيرِ لِيَحْصُلَ عَلَى الأَجْرِ الْعَظِيمِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى الْعَمَلِ بِهَذِهِ الآدَابِ الْجَمِيلَةِ وَالْقِيَمِ النَّبِيلَةِ؛ فَلَيْسَ مِنْ خُلُقِ الْمُسْلِمِ اسْتِغْلالُ ضَعْفِ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ وَتَزَايُدُ الضُّغُوطِ عَلَيْهِ بِرَفْعِ الإِيجَارِ عَلَيْهِ وَمُفَاجَئَتِهِ بِذَلِكَ، وَقَدْ يَكُونُ شَابًّا فِي مُقْتَبَلِ حَيَاتِهِ الأُسَرِيَّةِ، أَوْ يَكُونُ رَجُلاً لاَ يَتَحَمَّلُ دَخْلُهُ هَذِهِ الزِّيَادَةَ؛ فَضْلاً عَلَى الارْتِفَاعِ الْمَهُولِ فِي عَقَارَاتِ التَّمْلِيكِ، وَالأَرَاضِي السَّكَنِيَّةِ، وَرَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ – يَقُولُ: «اللَّهُمَّ مَن وَلِيَ مِن أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَن وَلِيَ مِن أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ» [رَواهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا].
وَقَالَ رَسُولُ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ – «الرََّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرََّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السََّمَاءِ» [صحيح الترمذي].
اللَّهُمَّ أَصْلِحْ أَحْوَالَنَا، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا، وَاجْمَعْ كَلِمَتَنَا عَلَى الْحَقِّ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: اتَّقُوا اللهَ تَعَالَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيْنَا فِي بِلاَدِنَا هَذِهِ الْقِيَادَةَ الْحَكِيمَةَ الرَّحِيمَةَ الَّتِي تَسْعَى جَاهِدَةً فِي إِسْعَادِ الْمُوَاطِنِ وَالْمُقِيمِ، وَمَا هَذِهِ الأَنْظِمَةُ الَّتِي صَدَرَتْ بِتَوْجِيهَاتِ وَلِيِّ الْعَهْدِ رَئِيسِ مَجْلِسِ الْوُزَرَاءِ الأَمِيرِ مُحَمَّدِ بْنِ سَلْمَانَ بْنِ عَبْدِالْعَزِيزِ – حَفِظَهُ اللَّهُ – لِتَحْقِيقِ التَّوَازُنِ فِي الْقِطَاعِ الْعَقَارِيِّ، وَالَّتِي تَهْدِفُ إِلَى تَسْهِيلِ تَأْمِينِ السَّكَنِ لِلْمُوَاطِنِينَ وَالْمُقِيمِينَ وَالتَّيْسِيرِ عَلَيْهِمْ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الاِسْتِقْرَارِ النَّفْسِيِّ وَالاِجْتِمَاعِيِّ لِكَثِيرٍ مِنَ الأُسَرِ فَجَزَاهُ اللَّهُ خَيْرَ الْجَزَاءِ، وَحَفِظَ اللَّهُ وَلِيَّ أَمْرِنَا، وَأَطَالَ اللَّهُ فِي عُمْرِهِ عَلَى طَاعَةِ رَبِّهِ.
هَذا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ: ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾، وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وِآلِهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا» [رَواهُ مُسْلِمٌ].
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَأَهْلِ بَيْتِهِ الطَّاهِرِينَ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَعَنِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، وَعَنِ التَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنَّا مَعَهُمْ بِمَنِّكَ وَإِحْسَانِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَاخْذُلْ مَنْ خَذَلَ الدِّينَ، وَاجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا، وَسَائِرَ بِلادِ الْمُسْلِمِينَ.
اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا التَّمَسُّكَ بِالدِّينِ، وَالاعْتِصَامَ بِالْحَبْلِ الْمَتِينِ، حَتَّى نَلْقَاكَ وَأَنْتَ رَاضٍ عَنَّا يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ .
اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَانْصُرْ جُنُودَنَا، وَأَمِّنْ حُدُودَنَا، وَأَيِّدْ بِالْحَقِّ إِمَامَنَا وَوَلِيَّ أَمْرِنَا، وَجَمِيعَ وُلاةِ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.