المولد والرضاع


الْحَمْدُ للهِ الذِي لا يَبْلُغُ مِدْحَتَهُ الْقَائِلُون، وَلا يُحْصِي نَعْمَاءَهُ الْعَادُّون، وَلا يُؤَدِّي حَقَّهُ الْمُجْتَهِدُون، الْمَعْرُوفُ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَة، الْخَالِقُ بِلا حَاجَة، الْمُمِيتُ بِلا مَخَافَة، الْبَاعِثُ بِلا مَشَقَّة، وَأَشْهَدُ أَنْ لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، الْبَشِيرُ النَّذِيرُ، وَالسِّرَاجُ الْمُنِير، صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنْ سَارَ عَلَى طَرِيقِهِمْ، وَاتَّبَعَ نَهْجَهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيراً.    أَمَّا بَعْدُ:

عباد الله : نستمر في العيش في ظلال سيرة رسولنا ونبينا محمد ما بين حياته وشمائله وأحواله ، فإن ذلك مِمَّا يَزِيدُ الإِيمَانَ، وَيُبَيِّنُ عَظِيمَ مِنَّةِ الرَّحْمَنِ عَلَى هَذِهِ الأُمَّةِ،وَعِنَايَتَهُ

بِرَسُولِهَا وَتَرْبِيَتَهُ لَهَا.

عباد الله: سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَفَخْرُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، أَبُو الْقَاسِمِ مُحَمَّدُ وَأَحْمَدُ وَالْمَاحِي الَّذِي يُمْحَى بِهِ الْكُفْرُ وَالْعَاقِبُ الَّذِي مَا بَعْدَهُ نَبِيٌّ وَالْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمَيْهِ وَالْمُقَفَّي الذي قفا قبله من الرسل فهو خاتمهم وَنَبِيُّ الرَّحْمَةِ وَنَبِيُّ التَّوْبَةِ وَنَبِيُّ الْمَلْحَمَةِ وَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ ، لم يعرف اسم أحمد قبله ، وسمت بعض العرب باسم محمد لما شاع قبل وجوده أن نبيا سيبعث اسمه محمد

وشَقَّ لهُ مِنِ اسمِهِ لِيُجِلَّهُ .. فذُو العرشِ مَحْمُودٌ وهذا محمدُ قال الإمام ابن القيم : لا خلاف أنه ولد نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ ﷺ بجوف مكة ، وأن مولده كان عام الفيل ” وبلا خلاف أنه يَوْمَ الاثْنَيْنِ [ابن كثير] والمشهور الذي عليه الجمهور أنه الثَّانِيَ عَشَرَ مِنْ رَبِيعٍ الأَوَّلِ، أَوْ فِي التَّاسِعِ مِنْهُ عَلَى مَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ، وقيل غير ذلك .

روى ابن ابي شيبة وصححه الألباني عنه ﷺ قال:” خرجت من لدن آدم من نكاح غير سفاح”.

وَوَضْعَتْهُ أُمُّهُ وَهُوَ مُسْتَقْبِلٌ الْقِبْلَةَ، وَاضِعَاً يَدَيْهِ عَلَى

الأَرْضِ، رَافِعَاً رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ .

ومما يروى ما هو مشهور عند أهل التأريخ والسير أَنَّهُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ خَمَدَتْ نَارُ فَارِسَ التِي يَعْبُدُونَهَا، وَارْتَجَسَ إِيُوانُ كِسْرَى، وَسَقَطَتْ مِنْهُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ شُرْفَةً، وَتَنَكَّسَتْ جَمِيعُ الأَصْنَامِ فِي جَمِيعِ الآفَاقِ، وَسَقَطَ عَرْشُ إِبْلِيسَ، وُرُمِيَتِ الشَّيَاطِينُ بِالشُّهُبِ، فَمُنِعَتْ مِنِ اسْتِرَاقِ السَّمْع.

ومن الموطئات قبل البعثة النبوية لمولده ما ثبت عن حسان بن ثابت، وكان بيثرب في المدينة، قبل الإسلام بمدة، يقول حسان: والله إني لغلام يفعه ابن سبع سنين أو ثمان أعقل كل ما سمعت، إذ سمعت يهودياً يصرخ بأعلى صوته على أطمة بيثرب: يا معشر يهود، حتى إذا اجتمعوا إليه قالوا له: ويلك مالك؟ قال: طلع الليلة نجم

أحمد الذي ولد به).

وثبت عن زيد بن عمرو بن نفيل: قال لي حبر من أحبار

الشام: قد خرج في بلدك نبي أو هو خارج، قد خرج نجمه فارجع فصدقه واتبعه.

عباد الله : كانت حاضنته ﷺ أم أيمن بركة الحبشية أَمَةَ أبيه، وأول من أرضعته ثويبة أَمةُ عمه أبي لهب ، قَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ -رحمه الله-: “وثُوَيْبَةُ مَوْلَاةٌ لِأَبِي لَهَبٍ، كَانَ أَبُو لَهَبٍ أَعْتَقَهَا، فَأَرْضَعَتِ النَّبِيَّ ﷺ ، فَلَمَّا مَاتَ أَبُو لَهَبٍ أُرِيَهُ بَعْضُ أَهْلِهِ بِشَرِّ حِيبَةٍ، قَالَ لَهُ: مَاذَا لَقِيتَ؟ قَالَ أَبُو لَهَبٍ: لَمْ أَلْقَ بَعْدَكُمْ خَيْراً غَيْرَ أَنِّي سُقِيتُ

فِي هَذِهِ بِعَتَاقَتِي ثُوَيْبَةَ”[رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ].

فَخُفِّفَ الْعَذَابُ عَنْهُ كَرَامَةً لِلنَّبِيِّ ﷺ ، لا لِأَجْلِ الْعِتْقِ، لِأَنَّ عَمَلَهُ حَابِطٌ بِسَبَبِ الشِّرْكِ .

وَكَانَ مِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ أَنَّهُمْ يُرْسِلُونَ أَبْنَاءَهُمْ إِلَى الْبَادِيَةِ مُنْذُ صِغَرِهِمْ، وَيَسْتَرْضِعُونَ لَهُمُ الْمُرْضِعَاتِ، لِيَبْتَعِدُوا مِنْ وَخَمِ الْحَاضِرَةِ وَيَتَعَلَّمُوا اللُّغَةَ الْعَرَبِيَّةَ، فَاسْتُرْضِعَ لَهُ عليه الصلاة والسلام مِنْ حَلِيمَةَ بِنْتِ أَبِي ذُؤَيْبٍ السَّعْدِيَّةِ، وَقَدْ كَانَ لِذَلِكَ خَبَرٌ عَجِيبٌ وَقِصَّةٌ ذَاتُ عِبْرَ ، [قال ابن كثير رحمه الله عن حديثها :” رُوِيَ مِنْ طُرُقٍ ، وَهُوَ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمَشْهُورَةِ الْمُتَدَاوَلَةِ بَيْنَ أَهْلِ السِّيَرِ وَالْمَغَازِي ” ، وجود اسناده الذهبي .

تَقُولُ حَلِيمَة: قَدِمْتُ مَكَّةَ فِي نِسْوَةٍ عَشْرٍ مِنْ بَنِي سَعْدِ

بْنِ بَكْرٍ نَلْتَمِسُ بِهَا الرُّضَعَاءَ فِي سَنَةٍ شَهْبَاءَ، عَلَى أَتَانٍ لِي قَمْرَاءَ كَانَتْ أَذَمَّتْ بِالرَّكْبِ -أَيْ أَعْيَتْ وَتَخَلَّفَ الرَّكْبُ بِسَبَبِهَا وَلَمْ تَسْتَطِعْ اللِّحَاقَ بِهِ- وَمَعِي صَبِيٌ، ونَاقَةً- لَنَا، وَاللهِ مَا تَبُضُّ بِقَطْرَةٍ، وَمَا نَنَامُ لَيْلَتَنَا أَجْمَعُ مَعَ صَبِيِّنَا ذَاكَ، مَا نَجِدُ فِي ثَدْيِي مَا يُغْنِيهِ وَلا فِي شَارِفِنَا مَا يُغَذِّيه، وَلَكِنَّنَا

كُنَّا نَرْجُو الْغَيْثَ وَالْفَرَجَ.

فَقَدِمْنَا مَكَّةَ، فَوَ اللهِ مَا عَلِمَتْ مِنَّا امْرَأَةً إِلَّا وَقَدْ عُرِضَ عَلَيْهَا مُحَمَّدٌ فَتَأْبَاهُ، إِذَا قِيلَ: إِنَّهُ يَتِيمُ، تَرَكْنَاهُ! قُلْنَا: مَاذَا عَسَى أَنْ تَصْنَعَ إِلَيْنَا أُمُّهُ؟ إِنَّمَا نَرْجُو الْمَعْرُوفَ مِنْ أَبِي الْوَلَد، فَوَ اللهِ مَا بَقِيَ مِنْ صَوَاحِبِي امْرَأَةٌ إِلَّا أَخَذَتْ رَضِيعَاً غَيْرِي. فَلَمَّا لَمْ نَجِدْ غَيْرَهُ وَأَجْمَعْنَا الانْطِلَاقَ قُلْتُ لِزَوْجِي الْحَارِثِ: وَاللهِ إِنِّي لَأَكْرَهُ أَنْ أَرْجِعَ مِنْ بَيْنِ صَوَاحِبِي لَيْسَ مَعِي رَضِيعٌ، لأَنْطَلِقَنَّ إِلَى ذَلِكَ الْيَتِيمِ فَلَآخُذَنَّهُ، فَقَالَ: لا عَلَيْكَ أَنْ تَفْعَلِي، فَعَسَى أَنْ يَجْعَلَ اللهُ لَنَا فِيهِ بَرَكَةً! فَذَهَبْتُ إِلَيْهِ، فَوَ اللهِ مَا أَخَذْتُهُ إِلَّا أَنِّي لَمْ أَجِدْ غَيْرَهُ، فَمَا هُوَ إِلَّا أَنْ أَخَذْتُهُ فِجِئْتُ بِهِ رَحْلِي، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ ثَدْيَايَ بِمَا شَاءَ مِنْ لَبَنٍ، فَشَرِبَ حَتَّى رَوِيَ وَشَرِبَ أَخُوهُ حَتَّى رَوِي، وَقَامَ صَاحِبِي إِلَى شَارِفِنَا تِلْكَ فَإِذَا إِنَّهَا لَحَافِلٌ، فَحَلَبَ مَا شَرِبَ وَشَرِبْتُ حَتَّى رَوِينَا.

فَبِتْنَا بِخَيْرِ لَيْلَةٍ، فَقَالَ صَاحِبِي حِينَ أَصْبَحْنَا: يَا حَلِيمَةُ، وَاللهِ إِنِّي لَأَرَاكِ قَدْ أَخَذْتِ نِسْمَةً مُبَارَكَةً، أَلَمْ تَرِيْ مَا بِتْنَا بِهِ اللَّيْلَةُ مِنَ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ حِينَ أَخَذْنَاهُ.

ثُمَّ خَرَجْنَا رَاجِعِينَ إِلَى بِلادِنَا فَوَ اللهِ لَقَطَعَتْ أَتَانِي بِالرَّكْبِ حَتَّى مَا يَتَعَلَّقَ بِهَا حِمَارٌ، حَتَّى إِنَّ صَوَاحِبِي لَيَقُلْنَ: وَيْلَكِ يَا بِنْتَ أَبِي ذُؤَيْبٍ هَذِهِ أَتَانُكِ التِي خَرَجْتِ عَلَيْهَا مَعَنَا؟ فَأَقُولُ: نَعَمْ وَاللهِ إِنَّهَا لَهِيَ! فَقُلْنَ: وَاللهِ إِنَّ لَهَا لَشَأْنَاً؟

حَتَّى قَدِمْنَا أَرْضَ بَنِي سَعْدٍ، وَمَا أَعْلَمُ أَرْضَاً مِنْ أَرْضِ اللهِ أَجْدَبَ مِنْهَا، فَإِنْ كَانَتْ غَنَمِي لَتَسْرَحُ ثُمَّ تَرُوحُ شِبَاعَاً فَنَحْلِبُ مَا شِئْنَا مِنْ لَبَنِهَا، وَمَا حَوَالَيْنَا أَحَدٌ تَبُضُّ لَهُ شَاةٌ بِقَطْرَةِ لَبَنٍ، وَإِنَّ أَغْنَامَهُمْ لَتَرْجِعُ جِيَاعَاً، حَتَّى إِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ لِرُعْيَانِهِمْ: وَيْحَكُمْ انْظُرُوا حَيْثُ تَسْرَحُ غَنَمُ بِنْتِ أَبِي ذُؤَيْبٍ فَاسْرَحُوا مَعَهُمْ، فَيَسْرَحُونَ مَعَ غَنَمِي حَيْثُ تَسْرَحُ، فَتَرُوحُ أَغْنَامُهُمْ جِيَاعَاً مَا فِيهَا قَطْرَةُ لَبَنٍ وَتَرُوحُ أَغْنَامِي شِبَاعَاً لَبَنَاً نَحْلِبُ مَا شِئْنَا.

فَلَمْ يَزِلِ اللهُ يُرِينَا الْبَرَكَةَ نَتَعَرَّفُهَا حَتَّى بَلَغَ سَنَتَيْنِ، فَكَانَ يَشُبُّ شَبَابَاً لا تَشُبُّهُ الْغِلْمَانُ، فَوَ اللهِ مَا بَلَغَ السَّنَتَيْنِ حَتَّى كَانَ غُلامَاً جَفْرَاً -أَيْ: غَلِيظٌ شَدِيدٌ- فَقَدِمْنَا بِهِ عَلَى أُمِّهِ وَنَحْنُ أَضَنُّ شَيْءٌ بِهِ مِمَّا رَأَيْنَا فِيهِ مِنَ الْبَرَكَةِ.

فَلَمَّا رَأَتْهُ أُمُّهُ، قُلْتُ لَهَا: دَعِينَا نَرْجِعُ بِابْنِنَا هَذِهِ السَّنَةَ الأُخْرَى فَإِنَّا نَخْشَى عَلَيْهِ وَبَاءَ مَكَّةَ، فَوَ اللهِ مَا زِلْنَا بِهَا، حَتَّى قَالَتْ: نَعَمْ. فَسَرَّحَتْهُ مَعَنَا فَأَقَمْنَا بِهِ شَهْرَيْنِ أَوْ ثَلاثَة.

فَبَيْنَمَا هُوَ خَلْفَ بُيُوتِنَا مَعَ أَخٍ لَهُ مِنَ الرِّضَاعَةِ فِي بَهَمٍ لَنَا جَاءَ أَخُوهُ ذَلِكَ يَشْتَدُّ، فَقَالَ: إِنَّ أَخِي الْقُرَشِيَّ جَاءَهُ رَجُلانِ عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بِيضٌ فَأَضْجَعَاهُ فَشَقَّا بَطْنَهُ، فَخَرَجْتُ أَنَا وَأَبُوهُ نَشْتَدُّ نَحْوَهُ فَوَجْدَنَاهُ قَائِمَاً مُنْتَقِعَاً لَوْنُهُ، فَاعْتَنَقَهُ أَبُوهُ، وَقَالَ: يَا بُنَيَّ مَا شَأْنُكَ؟ قَالَ: جَاءَنِي رَجُلَانِ عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بِيضٌ فَأَضْجَعَانِي وَشَقَّا بَطْنِي ثُمَّ اسْتَخْرَجَا مِنْهُ شَيْئَاً فَطَرَحَاهُ ثُمَّ رَدَّاهُ كَمَا كَانَ.

فَقَالَ: أَبُوهُ يَا حَلِيمَةُ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ ابْنِي قَدْ أُصِيبَ، فَانْطَلِقِي بِنَا نَرُدُّهُ إِلَى أَهْلِهِ قَبْلَ أَنْ يَظْهَرَ بِهِ مَا نَتَخَوَّفُ، قَالَتْ حَلِيمَةُ: فَاحْتَمَلْنَاهُ فَلَمْ تُرَعْ أُمُّهُ إِلَّا بِهِ، فَقَالَتْ: مَا رَدَّكُمَا بِهِ؟ فَقَدْ كُنْتُمَا عَلَيْهِ حَرِيصِينَ؟ فَقَالا: لا وَاللهِ إِلَّا أَنَّ اللهَ قَدْ أَدَّى عَنَّا، وَقَضَيْنَا الذِي عَلَيْنَا، وَقُلْنَا: نَخْشَى الإِتْلافَ وَالأَحْدَاثَ، فَنَرُدُّهُ إِلَى أَهْلِهِ! فَقَالَتْ: مَا ذَاكَ بِكُمَا! فَاصْدُقَانِي شَأْنَكُمَا؟ فَلَمْ تَدَعْنَا حَتَّى أَخْبَرْنَاهَا خَبَرَهُ، فَقَالَتْ: أَخَشِيتُمَا عَلَيْهِ الشَّيْطَانَ، كَلَّا وَاللهِ مَا لِلشَّيْطَانِ عَلَيْهِ مِنْ سَبِيل، وَاللهِ إِنَّهُ لَكَائِنٌ لابْنِي هَذَا شَأْنٌ! …، فَدَعَاهُ عَنْكُمَا )

وقد أعمى الحب بعض السذج .. فصاروا يسوقون حدث المولود بأمطار الأكاذيب .. فنشأت حوله الأساطير والخرافات ، فجاءت الروايات الملفقة تشوه سيرة المصطفى ﷺ فقالوا: إن النجوم دنت من الأرض عند مولده ، وقالوا: إنه كان هناك لوح من الذهب كتبت عليها أشعار عند رأس أمه يوم مولده. 

وَلَكِنْ نُذَكِّرُ هُنَا بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَنَا عَمَلُ شَيْءٍ مِنَ العِبَادَاتِ أَوِ الاحْتِفَالَاتِ فِي ذِكْرَى مَوْلِدِهِ ﷺ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِدْعَةٌ، حَيْثُ لَمْ يَفْعَلْهَا النَّبِيُّ ﷺ فِي حَيَاتِه، وَلَمْ يَفْعَلْهَا صَحَابَتُهُ -رضي الله عنهم- بَعْدَ وَفَاتِه، وَهُمْ أَعْلَمُ مِنَّا بِالشَّرْعِ، وَيُحِبُّونَ رَسُولَ اللهِ ﷺ أَكْثَرَ مِنَّا وَأَصْدَق.

أَقُولُ قَوْلي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُم فَاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحيمُ.

 

 

 

 

 

 

 

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَالصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِين.  أَمَّا بَعْدُ:

فَبَعْدَمَا رَدَّتْ حَلِيمَةُ السَّعْدِيَّةُ الصَّبِيَّ إِلَى أُمِّهِ آمِنَةَ بِنْتِ وَهْبٍ، بَقِيَ مَعَهَا وَمَعَ جَدِّهِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فِي كَلاءَةِ اللهِ وَحِفْظِهِ، يُنْبِتُهُ اللهُ نَبَاتَاً حَسَنَاً لِمَا يُرِيدُ بِهِ مِنْ كَرَامَتِهِ، فَلَمَّا بَلَغَ سِتَّ سِنينَ تُوُفِّيَتْ أُمُّهُ، بَالأَبْوَاءِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ، وَكَانَتْ قَدْ قَدِمَتْ بِهِ عَلَى أَخْوَالِهِ مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ تُزِيرُهُ إِيَّاهُمْ، فَمَاتَتْ وَهِيَ رَاجِعَةٌ بِهِ إِلَى مَكَّةَ.

فَكَفَلَهُ جَدُّهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بْنُ هَاشِمٍ صاحب الشرف وساقي الحجيج ، فكانت أولى خطواته في درب الرجولة وتحمل المسؤولية ، فلم يرسله في حاجة إلا جاء بها ، وفي يوم من أيام الحج وكان ساقي الحجيج عبدالمطلب مشغول بالسقاية وقد أرسل حفيده بالإبل فتأخر عليه ،  فلم يرع الجد إلا وهو يهرول نحو بيت الله لا يلوي على شيء ، حتى إذا كان بجوار الكعبة رفع عقيرته يناجي ربه:

ربي رد إلي راكبي محمدًا..يا رب رده واصطنع عندي يدًا

فما برح حتى جاء محمَّد ﷺ ، وجاء بالإبل، فقال عبد المطلب لمحمد: يا بني لقد حزنت عليك حزنًا، لا تفارقني أبدًا) فَكَانَ يُحِبُّهُ وَيَحُوطُهُ، بل مما توارد أهل السير على ذكره أنه كَانَ يُوضَعُ لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ فِرَاشٌ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ وَكَانَ بَنُوهُ يَجْلِسُونَ حَوْلَ فِرَاشِهِ ذَلِكَ حَتَّى يَخْرُجَ إِلَيْهِ، وَلا يَجْلِسُ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ بَنِيهِ إِجْلَالاً لَهُ.

وَكَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَأْتِي وَهُوَ غُلامٌ، حَتَّى يَجْلِسَ عَلَيْهِ فَيَأْخُذَهُ أَعْمَامُهُ لِيُؤَخِرُّوهُ عَنْهُ، فَيَقُولُ جَدُّهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: دَعُوا ابْنِي فَوَ اللهِ إِنَّ لَهُ لَشَأْنَاً، ثُمَّ يُجْلِسُهُ مَعَهُ عَلَى فِرَاشِهِ وَيَمْسَحُ ظَهْرَهُ بِيَدِهِ وَيَسَرُّهُ مَا يَرَاهُ يَصْنَعُ.

وَكَانَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ لا يَأْكُلُ طَعَامَاً إِلَّا يَقُولُ: عَلَيَّ بِابْنِي،

 فَيُؤْتَى بِهِ إِلَيْهِ، وَبَقِيَ مَعَهُ هَكَذَا فِي رِعَايَةٍ وَإِكْرَامٍ حَتَّى تُوُفِّيَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَعُمُرُ نَبِيِّنَا ﷺ ثَمَانُ سِنِين.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: فِي خُطْبَةٍ قَادِمَةٍ -بِإِذْنِ اللهِ- نُكْمِلُ مَا تَيَسَّرَ مِنْ هَذِهِ السِّيرَةِ الْعَطِرَةِ.

فَاللَّهُمَّ صَلَّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ مَا تَعَاقَبَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا مَحَبَّتَهُ وَاتِّبَاعَهُ ظَاهِرَاً وَبَاطِنَاً، اللَّهُمَّ احْشُرْنَا فِي زُمْرَتِهِ وَأَدْخِلْنَا فِي شَفَاعَتِهِ، وَوَالِدَينَا وَأَهَالِينَا وَجِميعِ الْمُسْلِمِينَ.

اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي دُورِنَا وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلاةَ أُمُورِنَا، وَأَصْلِحْ لِوُلاةِ أُمُورِنَا بِطَانَتَهُمْ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ.

اللَّهُمَّ أَصْلِحْ أَحْوَالَ الْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ، اللَّهُمَّ كُنْ لإِخْوَانِنَا الْمُسْتَضْعَفِينَ فِي كل مكان ، اللهم عليك بعدوك وعدوهم اللَّهُمَّ أَشْغِلْهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ وَاجْعَلْ بَأَسَهَمْ بَيْنَهُمْ، والْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.


شارك المحتوى:
0