الحقوق الزوجية في الإسلام


الخطبة الأولى:

 

الحمد لله الذي هدانا للإسلام، وأشهد أنْ لا إله إلاَّ الله، الملك القدُّوس السَّلام، وأشهد أنَّ محمداً عبد الله ورسوله بدر التَّمام ومسك الختام، صلى الله وسلَّم وبارك عليه وعلى آله البررة الكرام، وصحابته الأئمة الأعلام، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .

أمَّا بعد: فاتقوا الله عباد الله: ﴿وَاتَّقوا يَومًا تُرجَعونَ فيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفّى كُلُّ نَفسٍ ما كَسَبَت وَهُم لا يُظلَمونَ﴾.

  واعلموا أنَّ أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكُلَّ بدعة ضلالة.

عباد الله: هناك حقوق مشتركة تجب لكل واحدٍ من الزوجين تجاه الآخَر.

فمِنْ أهمِّ الحقوق المشتركة بينهما:

أولاً: المعاشرة بالمعروف: فيُعاشِر كلٌّ من الزوجين صاحِبَه معاشرةً حسنة، فلا يؤذيه بالفعل ولا بالقول ولا بما يُستنكر شرعاً ولا عُرفاً ولا مروءة، وإنما بالصبر والرحمة واللُّطف والرِّفق. قال الله تعالى: ﴿ وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ، فالمودة والرحمة هي أصلُ حُسْنِ الصحبة، والمعاشرة بالمعروف، وهي سِرُّ السعادة بين الزوجين.

 ثانياً: المُناصحة بينهما: لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (( الدِّينُ النَّصِيحَةُ)) [رواه البخاري ومسلم].

وبعض الأزواج يظن أنَّ قيام المرأة بالنصيحة له نوع من التطاول على حقِّه، وخَدش لكرامته، وللقوامة عليها، وهذا خطأ فادح؛ لأن التناصح مأمور به شرعاً.

 ثالثاً: حقُّ الإنجاب: وهو أمْرٌ فِطري عند الرجل والمرأة، وينبغي لِمَنْ زهِدَ منهما في الولد أن يُراعي حقَّ الآخَر؛ ولهذا رأى الفقهاء – لَمَّا تحدَّثوا عن العَزْل – أن يكون بإذن الزوجة؛ مراعاةً لِحَقِّها في قضاء الوَطر، وحقِّها في الولد.

 عباد الله: إنَّ الأصل في حقوق الزوجة على زوجها قولُ الله تعالى: ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ  وقوله: ﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ . وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقًّا، وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا )). [حديث حسن، رواه الترمذي].

 ومن حقوق الزوجة على زوجها:

أولاً: المهر: لقوله تعالى: ﴿ وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ، والمهر نوع من أنواع الهدية، يُقدِّمه الرجل بين يدي عقد الزواج.

 ثانياً: النفقة والسكن المُناسب: النفقة تلزم الزوجَ من حين عقد النكاح، يُعِدُّ له السكنَ المُناسب والمتاع، ويُوفِّر لها الطعامَ والشراب والكِسْوَة، ولا تُلزَم الزوجة بالنفقة ولو كانت ذاتَ مال، إلاَّ أنْ تتطوع به عن طِيبِ نفسٍ منها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)) [رواه مسلم].

 ولقوله تعالى: ﴿ أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ .  أي: على قَدْرِ سعتكم وطاقتكم؛ فإنْ كان مُوسِراً يُوَسِّع عليها في المسكن والنفقة، وإنْ كان فقيرًا فعلى قَدْرِ الطاقة؛ ولقوله تعالى: ﴿ لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا .

 ثالثاً: تعليمُها أمورَ دينها: لأنَّ الزوج راعٍ ومسؤول عن رعيته، ويأذن لها أنْ تحضر مجالس العلم، وهو أمر يتساهل فيه كثير من الأزواج، ونَسُوا قولَه تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ . وقوله تعالى: ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا .

 رابعاً: الصَّبر عليها، والعفوُ عنها، ومراعاة ما فيها من قصورٍ فِطري، والتغافل عما يصدر عنها؛ رحمةً بها وشفقةً عليها، وعملاً بوصية النبي صلى الله عليه وسلم: (( اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا)) [رواه البخاري ومسلم]. وهو داخل في المعاشرة بالمعروف.

خامساً: أنْ يرعاها إذا مَرِضَتْ: عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما؛ قَالَ: تَغَيَّبَ عُثْمَانُ رضي الله عنه عَنْ بَدْرٍ، فَإِنَّهُ كَانَتْ تَحْتَهُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم [رقية] وَكَانَتْ مَرِيضَةً. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ لَكَ أَجْرَ رَجُلٍ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا وَسَهْمَهُ)) رواه البخاري. وكذلك يُساعدها فيما ثَقُل عليها من الحمْل، وعند الوضع.

عباد الله: ومن حقوق الزوجة  إجمالاً: طلاقة الوجه، والكلمة الطيبة، ويجلس معها ويؤانسها ويُسامرها، ويتزيَّن ويتجمَّل لها، ويُسلَّم عليها إذا دخل البيت، ويحترم أهلها، ويصونها، ويحفظها، ويجعلها تشعر بالأمان معه.

ويمنعها من جميع أنواع الفساد؛ ومن ذلك التبرج والسفور، ولا يمنعها من زيارة أهلها وأقاربها. ويُحْسِن الظنَّ بها، ولا يتخوَّنها، ويحفَظ هيبتها وكرامتها أمام الناس، ولا يعاملها معاملة الإماء، ويعمل على إعفافها، وتلبية رغباتها، ويُلاطفها ويُلاعبها ويُضاحكها. ويَستشيرها، ويحترم رأيها، ويَغار عليها ويصونها، ويحفظ عِرْضَها.

ويَسْمُر معها يُحدِّثها ويستمع إلى حديثها، ولا يغيبَ عنها أكثر من أربعة أشهر، ولا يهجرها – إذا هجرها – إلاَّ في البيت، ويعدل بينها وبين الزوجة الأُخرى – إنْ كان معدِّداً- ولا يضايقها ليُكرِهَها على المُفارقة والتَّنازل عن حقها.

ولا يُخرِجها من بيتها وقت العدة، ولا تَخرج هي كذلك، ويُنْفِق عليها ويُوفِّر لها سكناً إذا كان طلاقها رجعيًّا؛ كذا لو كانت حاملاً.

عِبَادَ اللَّهِ: أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ الْجَلِيل فَاسْتَغفِرُوه إنَّه هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد للَّه على إحسانهِ، والشُّكر لهُ على توفيقهِ وامتنانِه، وأَشهدُ أَنْ لَا إلهَ إلَّا اللَّهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ، تعظيماً لشأْنِه، وأَشهدُ أنَّ محمداً عبدهُ ورَسُولُهُ، الدَّاعي إلى رِضوَانهِ، وعلى آلهِ وصحبهِ وسلَّمَ تسليماً كثيراً.

أما بعد، عباد الله: ومن حقوق الزوج على زوجته:

أولاً: طاعته في غير معصية: لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (( لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لأَحَدٍ؛ لأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا )). [حديث صحيح، رواه الترمذي].

قال ابن تيمية رحمه الله: “وليس على المرأة – بعد حقِّ اللهِ ورسوله – أوجَبَ من حقِّ الزوج”. مجموع الفتاوى: (32 /260).

 ثانياً من حقوق الزوج على زوجته: الاعتدال في الغَيرة: للمرأة أنْ تغار على زوجها – ولا سيما إنْ كان مُعدِّداً – ولكنْ في حدود الغَيرة المقبولة، ولقد كَثُرت المشاكل في البيوت؛ بسبب الغَيرة الغير مُنضبطة، فينبغي على الزوجة أن تُهذِّب غيرَتَها؛ فلا تتعمَّق في التجسس والتحسس، والتدقيق والمراقبة، فينهدم عشُّ الزوجية.

 ثالثاً: أنْ تحفظَه في غيابه: في نفسها وماله وولده؛ فلا تُدنِّس عِرْضَ زوجها، ولا تُضيع مالَه وولدَه؛ لأنها مؤتمنةٌ على ذلك، والرجل لا يعلم، فإذا خانَتْ هانَتْ، والخيانةُ الزوجية – من الطرفين – يترتَّب عليها فسادٌ في الدنيا والآخرة.

 رابعاً: ألاَّ تخرُجَ من بيته إلاَّ بإذنه: أمَرَ اللهُ النساءَ بلزوم البيت والقرار فيه؛ كما في قوله سبحانه: ﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى . وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (( لاَ تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ)) [رواه البخاري ومسلم].

فيُفهم من الحديث: أنها إذا أرادت الخروجَ لا بد أنْ تستأذن، وأنَّ للزوج منعَ زوجته من الخروج إلاَّ ما استُثْنِيَ شرعاً.

 خامساً: من حقوق الزوج على الزوجة: أنْ تقوم بخدمته وخدمة أولاده: لأنَّ الخدمة واجبةٌ عليها؛ في حدود استطاعتها، وعليها أنْ تصبر على ما تُعانيه من تَعَبٍ ومشقة، ويدلُّ عليه حديث عليٍّ رضي الله عنه؛ أنَّ فاطمةَ رضي الله عنها؛ بنتَ رسول الله أتت النبيَّ تَشْكُو إِلَيْهِ مَا تَلْقَى فِي يَدِهَا مِنَ الرَّحَى، وَبَلَغَهَا أَنَّهُ جَاءَهُ رَقِيقٌ، فسألته خادماً، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: (( أَلاَ أَدُلُّكُمَا عَلَى خَيْرٍ مِمَّا سَأَلْتُمَا؟ إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا – أَوْ أَوَيْتُمَا إِلَى فِرَاشِكُمَا – فَسَبِّحَا ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، وَاحْمَدَا ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، وَكَبِّرَا أَرْبَعًا وَثَلاَثِينَ، فَهْوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ)) [رواه البخاري ومسلم].

 وكانت نساء الصحابة رضي الله عنهن يخْدِمْنَ أزواجهن في بيوتهن وخارج بيوتهن إذا دعت الحاجة؛ بل كانت النساء إلى عهدٍ قريب يفعَلْنَ ذلك، ولا خيرَ في حدوث إشكالٍ بين الزوجين بسبب خدمة البيت، والخيرُ في تعاونهما جميعاً.

 سادساً: ألاَّ تتصدَّق من ماله إلاَّ بإذنه: لما جاء عن أبي أُمامة رضي الله عنه قال سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (( لاَ تُنْفِقُ الْمَرْأَةُ شَيْئًا مِنْ بَيْتِهَا إِلاَّ بِإِذْنِ زَوْجِهَا )). فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَلاَ الطَّعَامَ؟! قَالَ: (( ذَاكَ أَفْضَلُ أَمْوَالِنَا )) [ حديث صحيح رواه أبو داود]. فإنْ كان المُتَصَدَّقُ به يسيراً، من عادة الزوج أنْ يسمح بمثله؛ فللزوجة التصدُّق به، دون إذنه.

 ومن حقوق الزوج إجمالاً: ألاَّ تُدخِلَ أحداً في بيته إلاَّ بإذنه، ولا تُرهِقَه بالإكثار من النفقات، وتتزين له، وتشكره وتعْتَرِف بفضله ولا تجحده.

وتصبر على فقره، وتُحافِظ على كرامته ومشاعره في حضوره وغيابه، وتُوَفِّر له سُبُلَ الراحة النفسية والجسدية، وتُحْسِن استقباله عند قدومه من خارج المنزل.

ولا تَمْتَنِع إذا دعاها للفراش، ولا تصوم نفلاً – وهو شاهد – إلاَّ بإذنه، ولا تطلب الطلاقَ بغير سببٍ شرعي صحيح، وتسترضيه إذا غضب، وتُعينه على الخير وتدله عليه.

 

اللهُمَّ أعزَّ الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ، وأَذِلَّ الـشِّـرْكَ والمُـشـْرِكِين، وَاحْمِ حَوْزَةَ الدِّين.

اللهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَنِنَا، وَأَصْلِح أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا.

اللهُمَّ وفق جميع ولاة المسلمين للعمل بكتابك، واتباع سنة نبيك، وتحكيم شرعك.

اللهُمَّ وَفِّق إمَامَنَا خَادِمَ الْحَرَمَيْنِ لِما فِيه عِزُّ الْإِسْلَامَ وَصَلَاحُ الْمُسْلِمِين.

اللهُمَّ وَفِّقْهُ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ وَإِخْوَانَه وَأَعْوَانَه لِما تُحِبُهُ وتَرْضَاه.

اللهُمَّ احفظ جنودنا المرابطين ورجال أمننا، وسدد رميهم يا رب العالمين.

اللهُمَّ عليك بالحوثيين المفسدين، وبالخوارج المارقين، وبجميع أعداء الدين.

اللهُمَّ اكفنا شرهم بما شئت، اللهُمَّ إنَّا ندرأ بك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم.

اللهُمَّ إنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتَك، وَتَحَوُّل عَافِيَتك، وَفُجَاءَة نَقِمَتِك، وَجَمِيعِ سَخَطِك.

اللهُمَّ إنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ البَرَصِ وَالْجُذَام وَالْجُنُونِ وَسَيِّئ الْأَسْقَام.

عباد الله: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأمُرُ بِالعَدلِ وَالإِحسانِ وَإيتاءِ ذِي القُربى وَيَنهى عَنِ الفَحشاءِ وَالمُنكَرِ وَالبَغيِ يَعِظُكُم لَعَلَّكُم تَذَكَّرونَ.

فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

 

جمع وتنسيق/ عبد الله بن مـحمد حسين النجمي

إمام وخطيب جامع الحارة الجنوبية بالنجامية بمنطقة جازان

الحقوق الزوجية في الإسلام – خطبة جمعة للشيخ عبدالله النجمي 20-5-1443


شارك المحتوى:
0