بسم الله الرحمن الرحيم
[شروط الصلاة وبعض الأخطاء فيها]
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ . الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 21-22].
أما بعد:
فإن فرائض الإسلام إذا شُرعت ينزل الوحي على رسول الله ﷺ إلا الصلاة فإن الله لما أراد أن يفرضها على أمة محمد ﷺ عرج بنبينا ﷺ إلى مقام عالٍ حتى إنه سمع صريف الأقلام ﷺ كما أخرجه الشيخان عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-.
فهذا يدلّ على أهمية الصلاة، فإنها أهم أركان الإسلام العملية، وإن هذه الصلاة العظيمة لا تُقبل إلا بشروط، ومن شروطها ما يلي:
الشرط الأول: [ استقبال القبلة ]
قال سبحانه: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُم ْشَطْرَهُ} [البقرة: 144]، وأخرج الشيخان من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال للمسيء في صلاته: «إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبّر» .فلا تصح الصلاة إلا باستقبال القبلة.
والمراد استقبال جهة القبلة لا عينها، كما أفتى بذلك الخليفة الراشد عمر –رضي الله عنه- عند ابن أبي شيبة، وابنه عبد الله بن عمر –رضي الله عنهما- عند عبد الرزاق، وقال ابن تيمية: لا خلاف بين الصحابة في ذلك.
ومما ثبت عن عمر –رضي الله عنه-: أنه بسط يديه اليمنى واليسرى، ثم قال: “صلّ بينهما كيفما شئت“.
وهذا فيمن كان بعيدًا عن الكعبة لا يراها، أما من كان قريبًا منها ويرى الكعبة فيلزمه استقبال عينها، وهذا بإجماع أهل العلم، كما حكاه ابن قدامة –رحمه الله-
الشرط الثاني: [ دخول الوقت ].
فإن دخول الوقت شرط لصحة الصلاة، قال سبحانه: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا} [النساء: 103]، فمن صلى قبل دخول وقت الصلاة لم تصح صلاته.
ومن تعمّد تأخير الصلاة بلا عذر فصلاها بعد خروج وقتها فقد وقع في كبيرة من كبائر الذنوب، قال سبحانه: {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم: 59]، قيل لابن مسعود –رضي الله عنه-: أكانوا تاركين لها؟ قال: “لو تركوها لكفروا، وإنما كانوا يؤخرون الصلاة عن وقتها”.
والغي: وادٍ في جهنم، كما ثبت ذلك عند ابن جرير عن ابن مسعود –رضي الله عنه-.
إذن الأمر كبير للغاية! فتأخير الصلاة عن وقتها كبيرة من كبائر الذنوب، فما أكثر المسلمين الذين فرّطوا في هذا الشرط، فتراهم في الحضر يجمعون بين الصلوات!
بل بعضهم إذا جاء آخر الليل قام وصلى صلاة اليوم كلها!
يا مسكين! قد وقعت في كبيرة من كبائر الذنوب.
يا مسكين! قد توّعدك رب العالمين بوادٍ في جهنم!
الشرط الثالث: [ستر العورة].
قال سبحانه: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31]، أما الرجل، فقد ذكر علماؤنا أن عورته ما بين السرة والركبة، وأنه يجب عليه أن يستر منكبيه، لما أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء».
وقوله سبحانه: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ} [الأعراف: 31]، ليس المراد ستر العورة فحسب، بل التزيّن للصلاة، فإننا نقف بين يدي جبّار السماوات والأرض.
بالله عليكم، إذا دُعينا لوليمة، كم نتزيّن لها؟! وإذا كان عندنا موعد للقاء مسؤول، كم نتجمّل ونتحسّن؟!
فكيف –إذن -ونحن نقف في الصلاة بين يديّ جبّار السماوات والأرض؟!
يأتي بعض المصلين بثياب نومه، أو ثياب مبتذلة أو برائحة ثوم أو بصل … إلى غير ذلك، وكل هذا خطأ في الصلاة،
وفي الصحيحين عن ابن عمر أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا قام أحدكم في الصلاة فإن الله قِبَل وجهه».
الشرط الرابع: [إزالة النجاسة].
من صلى وفي ثوبه نجاسة لم تصح صلاته، قال تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4]، وفي أحد أقوال أهل العلم المراد: طهّر ثيابك من النجاسات.
وفي الصحيحين من حديث أسماء –رضي الله عنها- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال في الثوب يُصيبه دم الحيض: «تحتّه ثم تقرصه ثم تنضحه بالماء ثم تصلي فيه».
فلا يصح لأحد أن يصلي وفي ثوبه نجاسة، فتفقّد ثيابك ألّا تكون نجسة، لا بدمٍ فاحش، ولا بمذيٍ، ولا ببول، ولا بغير ذلك من النجاسات.
الشرط الخامس: [التطهّر من الحدث الأكبر والأصغر].
قال تعالى: {وإن كنتم جنبا فاطهروا} أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «لا يقبلُ الله صلاة أحدكم إذا أحدثَ حتى يتوضَّأ».
اللهم ارحمنا واجعل قرّة أعيننا في الصلاة، اللهم اجعلنا ممن يُقبل عليها خاشعًا يا أرحم الراحمين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
الشرط السادس: [النية].
أخرج البخاري ومسلم من حديث عمر بن الخطابي –رضي الله عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئٍ ما نوى».
والنية محلها القلب، والتلفّظ أو الجهر بها أو تكرارها، كله من البدع المُحدثة التي لم يفعلها سلف هذه الأمة.
فلا يجوز إذا أراد أحد الناس أن يصلي يقول: اللهم إني نويت أن أصلي صلاة كذا وكذا، فإن هذا من البدع المُسخطة لله سبحانه وتعالى.
يا قوم!
لو كان التلفّظ بالنية أو الجهر بها أو تكرارها خيرًا محبوبًا إلى الله، لفعله الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام؟!
إخوة الإيمان: إن ما تقدم ذكره من الشروط يستوي في حكمه الرجل والمرأة، إلا أن للمرأة أحكامًا خاصة في ستر العورة، فقد أجمع العلماء أنه يجب على المرأة إذا أرادت أن تصلي أن تُغطي رأسها، حكى الإجماع ابن المنذر –رحمه الله-، وثبت عن عائشة وعلي بن أبي طالب أخرجهما ابن أبي شيبة فإنهما قالا: “تصلي في خمار ودرعٍ سابغ“.
فدلّ هذا على أنها تغطي رأسها، لأن الخمار هو ما يُغطى به الرأس.
أما الوجه فإنه ليس عورة للمرأة في الصلاة بالإجماع، حكى الإجماع ابن عبد البر.
أما اليدان، فإنهما ليستا عورة، وحكاه ابن عبد البر إجماعًا.
أما القدمان فإن قدمي المرأة عورة، لما تقدم من فتوى عائشة وعلي –رضي الله عنهما- قالا: “في درع سابغ”، وهو ما يُغطي القدمين.
قال ابن عبد البر –رحمه الله تعالى-: وقد أجمع الصحابة أن قدمي المرأة عورة.
اللهم يا من لا إله إلا أنت، اللهم احفظ علينا صلاتنا، اللهم احفظ علينا صلاتنا، اللهم احفظ علينا صلاتنا.
اللهم تقبّل منا صلواتنا يا أرحم الراحمين، اللهم اجعلنا من الخاشعين المُقبلين الواقفين بين يديك، على ما يرضيك يا رب العالمين.
اللهم تقبلها، وزدها وبارك فيها يا أرحم الراحمين.
اللهم اهدنا فيمن هديت، وتولنا فيمن توليت، اللهم وأعز الإسلام والمسلمين، وعليك بالكفار والمشركين يا أرحم الراحمين.
اللهم ووفق ملكنا الملك سلمان، وولي عهده، أن يُعزوا دينك وأن يُعلوا كلمتك، وأن يكونوا رحمة على الرعيّة يا أرحم الراحمين، وعلى المسلمين أجمعين، ووفق حكام المسلمين أجمعين، أن يقوموا بدينك وأن يُعلوا رايتك يا أرحم الراحمين.
وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.
شروط الصلاة وبعض الأخطاء فيها – د. عبدالعزيز الريس -1