الشهر: November 2020
خطبة: من البيوع المحرمة شرعًا
د. عبدالعزيز بن ريس الريس
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي هدانا للإسلام، شريعة اليسر والإحكام، والصلاة والسلام الأتمان والأكملان على سيد ولد عدنان، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ ﴾ . أما بعد: فإن معرفة أحكام البيع والشراء واجب، لئلا نعصي الله ببيع محرم، وليكون تملكنا لما نشتريه صحيحًا، فكم من بائع ومشتر تملك ببيع غير شرعي فأكل وشرب حرامًا، بل وأكل أولاده حرامًا، وإن هناك بيوعًا بينت الشريعة حرمتها منها: أولاً/ بيع النَّجْش، أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «ولا تناجشوا». والنجش: هو أن يُزايد الرجل في ثمن السلعة وهو لا يريد شراءها وإنما يرفع ثمنها، وينبغي أن يُعلم أن هناك فرقًا بين النَّجْش المحرم والمزايدة في ثمن السلعة في المزاد لمن يريد شراءها، فهذا جائز إجماعًا بخلاف النجش المحرم إجماعًا. ثانيًا/بيع الرجل على بيع أخيه، أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة-رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا يبع بعضكم على بيع بعضٍ». ومعنى بيع الرجل على بيع أخيه: أنه إذا تبايع رجلان، ولا يزالان في المجلس، ووقت الخيار، واتفقا على ثمن …
من أشد ما يغيظ الكفار ..
د. عارف بن عوض الركابي
سبحان من رفع ذكر نبيه عليه الصلاة والسلام القائل : (ورفعنا لك ذكرك) ، رفع ذكره في العالمين رغم ما لاقى النبي صلى الله عليه وسلم من أصناف الأذى .. وإن الأذى وجه إلى نبينا محمد عليه الصلاة والسلام لم يتوقف منذ أن بُعث ، ومعاداته بدأت من يوم أن جهر بالدعوة وقيل له تباً لك سائر هذا اليوم ألهذا جمعتنا ؟! واستمر الأذى في العهد المكي ، وقيلت في حقه أبشع الألفاظ وأسوأ التُّهَم ، وماذا بعد قول الكفار عنه : شاعر وكاهن وساحر ومجنون وكذاب أشِر ؟! وبلغ المكر غايته لأجل قتله يوم الهجرة عندما تجمع الكفار بمختلف مللهم (وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين) .. وجاءت قريش في بدر وأحد وتجمعت مع اليهود في الخندق ومكرت في الحديبية وعقدت الصلح القاسي البنود على المسلمين .. وحاول اليهود إطفاء النور الذي بعث به محمد خير من وطئ الثرى بسحره ، وعصمه الله منه ، ووضعت له يهودية يوم خيبر سُمّاً في لحم لقتله غيظاً وحقداً وحسداً ، وقد كُسِرَت رباعيتُه وكسرت ترقوته وأُدمي في سبيل الله ، ولن يتوقف هذا الكيد والمكر والأذى من خَلَفِ هؤلاء الكفرة وأتباعهم .. (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم) …
المذاهب الأربعة
د. خالد بن حمد الخريف
المذهب الفقهي: هو اصطلاح ظهر خلال القرن الرابع الهجري بعد تميز المذاهب الفقهية وهو الاتجاه والطريقة التي ينتهجها المجتهد أو المجتهدون في الاستنباط وكيفية الاستدلال. والمذاهب الأربعة هي المذاهب الفقهية التي انتهجها الفقهاء الأربعة في استنباط الأحكام الفقهية من أدلتها التفصيلية، وهم الإمام أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل رحمهم الله، وهذا لا يعني أنه لا يوجد مذاهب ومدارس غيرهم بل يوجد مذاهب لعلماء غيرهم ولكن هؤلاء هم الأشهر ولهم أتباع كثر وخدم مذهبهم. وهؤلاء الفقهاء الأربعة متفقون في العقيدة، وإنما اختلفوا في بعض المسائل الفقهية التي يسوغ فيها الخلاف لأسباب ذكرها العلماء (انظر كتاب رفع الملام عن الأئمة الأعلام) لشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-. وهذه المذاهب ما هي إلا مدارس فقهية يدرس فيها القواعد والأصول التي يتمشى عليها العلماء ويصدرون أحكامهم الفقهية. فلا بد لطلاب العلم من أصول يعتمدون عليها في استنباط الأحكام والترجيح بين الأدلة عند الاختلاف ومعرفة الناسخ والمنسوخ والمطلق والمقيد والمجمل والمبين إلى غير ذلك من القواعد والأصول التي يتمشى عليها العلماء. إنه عند التأمل في الفرق الضالة نجد أن من أكبر أسباب ضلالهم هو ابتعادهم عن العلم والعلماء واقتصارهم على أفهامهم القاصرة وعدم الاطلاع في كتب السابقين والمحققين وإنما يحكمون ويقيسون بأفهامهم الضالة ولذلك يقعون في التخبط والحيرة والضلال. إن المذموم من التمذهب هو التعصب المقيت للمذهب وعدم …
الأقوال الشاذة
د. خالد بن حمد الخريف
القول الشاذ: هو ما ينفرد به قائله مخالفا للدليل والقياس متضمنا خلاف المتفق عليه بين الفقهاء ولقد حذر السلف الصالح رحمهم الله من هذه المذاهب والأقوال التي لم تبنَ على دليل صحيح، وحذروا من قائليها، كما أنهم حذروا من الأحاديث الموضوعة وألفوا فيها الكتب التي تحذر منها وتوضح وضعها وأنها مكذوبة على الرسول صلى الله عليه وسلم وذلك دافعاً عن السنة النبوية وحفاظاً على الشريعة أن يدخل فيها ما ليس منها،, وإذا ذكر القول الشاذ فإنما يذكر لعدة أسباب منها: 1)حصر الآراء والمذاهب الواردة في ذلك الموضوع، أداء وقياماً بحق الأمانة العلمية. 2) إبراز قوة الدليل بالنسبة للرأي الراجح، ولا يتم هذا إلا بذكر الرأي المقابل. 3) الاحتراز من الأخذ به، وعدم الاغترار بقائله. وقد تواترت كتابات المتقدمين والمتأخرين في التحذير من الأقوال الضعيفة والشاذة عملا وإفتاء أو حكاية على وجه التندر أو روايتها على سبيل الطرفة والفكاهة؛ حتى لا يتخذها الجاهلون والمنحرفون ذريعة ينفذون بها إلى أغراضهم حتى غدا مثلا بين الفقهاء (أنه لا يتبع الشاذ من الأقوال إلا الشاذ من الناس) قال شيخ الإسلام ابن تيمية: كما في الفتاوى (ج/32ص137) «والمسألة الضعيفة ليس لأحد أن يحكيها عن إمام من أئمة المسلمين، لا على وجه القدح فيه، ولا على وجه المتابعة له فيها، فإن في ذلك ضربا من الطعن في الأئمة، واتباع …
الإفتاء وتتبع الرخص
د. خالد بن حمد الخريف
الإفتاء عظيم الخطر، كبير الموقع، كثير الفضل، لأن المفتي موقع عن الله – عز وجل – ووارث الأنبياء عليهم السلام. وقد تضافرت النصوص الكثيرة في خطورة التسارع إلى الفتيا، وحسبنا في ذلك رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقد كان يسأل عن الشيء فيسكت ولا يجيب حتى ينزل عليه الوحي، وكذلك الصحابة الكرام. – رضي الله عنهم – فقد ضربوا أروع الأمثال في توقيهم الإفتاء والمبادرة إليه. قال ابن القيم – رحمه الله – (قال ابن أبي ليلى: أدركت مائة وعشرين من الأنصار من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يسأل أحدهم عن المسألة فيردها هذا إلى هذا وهذا إلى هذا حتى ترجع إلى الأول، وما منهم من أحد يحدث بحديث أو يسأل عن شيء إلا ود أن أخاه كفاه وقال أبو الحسن الأزدي: ان أحدهم ليفتي في المسألة لو وردت على عمر بن الخطاب لجمع لها أهل بدر، وقال القاسم بن محمد: والله لأن يقطع لساني أحب إليّ من أن أتكلم بما لا علم لي به). وهذا بخلاف ما عليه بعض المنتسبين إلى العلم في زماننا، فإن كثيراً منهم يتسرعون إلى الفتيا بغير علم، ويأنف أحدهم أن يقول فيما لا يعلم: لا أعلم هذا أو: لا أدري أو يقول: سل عن هذا غيري، ويرون في …
التبرك حقيقته وآثاره
د. خالد بن حمد الخريف
التبرك: مصدر تبرك يتبرك تبركاً، وهو طلب البركة، والتبرك بالشيء: طلب البرك بواسطته، ومعناها: الثبوت واللزوم والنماء والزيادة. والبركة على نوعين: النوع الأول: بركة هي فعله تبارك وتعالى، والفعل منها بارك، ويتعدى بنفسه تارة، وبأداة على تارة، وبأداة في تارة، والمفعول منها مبارك.. النوع الثاني: بركة تضاف إليه، إضافة الرحمة والعزة، والفعل منها (تبارك). ولهذا لا يقال لغيره ذلك. والبركة كلها من الله – عز وجل – كما أن الرزق والنصر والعافية من الله تعالى. والتبرك يكون بالله تعالى وبأسمائه وصفاته عز وجل، والقرآن الكريم مبارك فقد وصفه الله – عز وجل – بأنه مبارك كما قال تعالى: {وَهَذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ أَفَأَنتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ}؛ فهو كثير الفائدة والنفع لاشتماله على منافع الدارين، وعلوم الأولين والآخرين، ولكثرة خيره ومنافعه، ووجوه البركة فيه، وكذلك التبرك بالأعمال الصالحة كالصلاة والصيام والصدقة، وكل أمر شرعه الله ففيه بركة الأجر والثواب. وأما التبرك بآثار النبي – صلى الله عليه وسلم – التي انفصلت من جسده كوضوئه وعرقه وشعره ونحو ذلك، فهذا أمر معروف وجائز عند الصحابة – رضي الله عنهم -؛ لما فيها من الخير والبركة؛ ولهذا أقرهم النبي – صلى الله عليه وسلم – عليها، وهي انتهت بوفاته – عليه الصلاة والسلام -، واندثرت باندثارها، وما قصده النبي – صلى الله عليه وسلم – للصلاة …
المجموعة (1003)
د. عبدالعزيز بن ريس الريس
يقول السائل: يستدل البعض بحديث فيه الخروج على الأمراء. ثم ذكر السائل حديث ابن مسعود الطويل الذي رواه مسلم وفيه: «فيخلف من بعد ذلك خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يقولون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن» ثم ذكر لفظًا آخر رواه غير الإمام مسلم وفي هذا اللفظ أنه قال: «يأتي من بعد ذلك خوالف أمراء من بعدي، يقولون ما لا يفعلون …» ثم قال: «فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن».* *يقول السائل: فهذه الرواية تفسر الأولى وتبين أن الخلوف هم الأمراء ويجب جهادهم، قال ابن رجب: وهذا يدل على جهاد الأمراء باليد. يقول: أفدنا جزاك الله خيرًا. الجواب: هذه الشبهة يُرددها الخوارج وقد منَّ الله علي وأجبت عليها في كتابي (الإمامة العظمى عند أهل السنة السلفيين)، وذكرت عدة أجوبة على هذه الشبهة، لكن خلاصة ما يُجاب به ما يلي: الأمر الأول: أن لفظ الإمام مسلم ليس فيه النص على الأمراء، وإنما قال: «يخلف من بعد ذلك خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يقولون» إلى أن قال: «فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن» فلفظ الإمام مسلم لفظ عام وليس خاصًا بالسلطان. أما اللفظ الآخر الذي فيه ذكر السلطان فقد بيَّن الإمام أحمد عدم صحته من جهة إسناده ومن جهة متنه، قال الإمام أحمد كما في (السنة) لما ذكر هذا …
لماذا لم تُخصص أحاديث ذم البدعة بمفهوم حديث: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد»؟
د. عبدالعزيز بن ريس الريس
يقول السائل: أليس المفهوم يُخصص المنطوق؟ فلماذا لم تُخصص أحاديث ذم البدعة بمفهوم حديث: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد»؟ الجواب: ذهب جمهور الأصوليين إلى أن المفهوم يُخصص المنطوق، فعلى هذا إذا جاء لفظ عام وجاء مفهوم خاص فإنه يُخصص هذا اللفظ العام، وهذا صحيح لكن تطبيقه على هذا الحديث مع أحاديث ذم البدعة لا يصح لأمرين: الأمر الأول: أن قوله: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» خرج لسبب، فهو وصف كاشف لا مفهوم له، كقوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ ﴾ فقوله: ﴿ لا بُرْهَانَ لَهُ ﴾ لا مفهوم له، وإنما وصف كاشف. وكقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً ﴾ قوله: ﴿ أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً ﴾ وصف كاشف لا مفهوم له، فلا يدل هذا على أن من أكل من الربا قليلًا فإنه يجوز، فإذن قوله: «ما ليس منه» تأكيد لذم البدع، فهو وصف كاشف لا مفهوم له. الأمر الثاني: أن للحديث مفهومًا وهو أنه إذا أُحدث شيئا يتوافق مع أصول الدين فإنه مقبول، وقد ذكر هذا ابن الملقن في شرحه على الأربعين، وابن حجر الهيتمي في شرحه على الأربعين، وذكره غيرهما من …