هل الاستغاثة لفظ اخترعه السلفيون؟ وهل يجوز التوسل بالنبي ﷺ؟


يقول السائل: ما الرد على من يقول إن الاستغاثة مصطلح أطلقه السلفيون، وأنه هو التوسل؟ وما الرد على من يقول: بأن التوسل بجاه النبي جائز؟

الجواب:

إنه بعيدًا عن هذه المسميات ينبغي أن تُعرَف أصول دل عليها كتاب الله وسنة النبي ﷺ، وأجمع عليها سلف هذه الأمة.

ومن هذه الأصول: أن العبادة خاصة بالله سبحانه، كما قال سبحانه: ﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ [الإسراء:23].

وقال سبحانه: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ ۚ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:64].

فإذا ثبت أن العبادة خاصة بالله، فصرفها لغير الله شرك أكبر، وهذا هو الأصل الثاني.

ويدل لذلك قوله سبحانه: ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾ [الأنعام:162-163].

وقوله سبحانه: ﴿وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ﴾ [المؤمنون:117].

وقوله سبحانه: ﴿وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ. إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ ۚ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ﴾ [فاطر:13-14] سمى دعاءهم شركًا؛ لأن الدعاء عبادة خاصة بالله.

وكذلك قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾ [الأنعام:162] هذه كلها عبادات خاصة بالله سبحانه.

فإذن صرف العبادات لغير الله شرك أكبر، هذان أصلان مهمان.

إذا عُرِف هذان الأصلان، وضُبِطَا، لم يهمنا كثيرًا بعد ذلك الاصطلاحات، وإنما نعرِف أن العبادة خاصة بالله، وأن صرفها لغير الله شرك أكبر.

الأصل الثالث: أن كل ما يحب الله أن يُفعَل فهو عبادة، فلو سألت أيَّ أحدٍ كيف تتعبد لله؟ وكيف تكون متعبدًا لله؟ قال: بالذبح في الأضاحي، والتقرب لله بالذبح، والتقرب لله بالدعاء، والتقرب لله بالصلاة، وبالاستغاثة، إلى غير ذلك.

فيقال: بما أن هذا معروف بين المسلمين بدلائل الكتاب والسنة بأنه عبادة، والمسلمون متواردون على ذلك ومجمعون عليه من العوام والعلماء، فإذن هذا الذي ثبت أنه عبادة، فصرفه لغير الله شرك أكبر.

إذا فهمت هذه الأصول الثلاثة -وأؤكد أن الاصطلاحات لا تهم، المهم حقيقة الأمر، وما يراد منه- فإن طريقة أهل البدع أنهم يعمدون إلى المتشابه من الكلام، وقد ذكر هذا الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- في مقدمة الرد على الزنادقة والجهمية.

وسبب أنهم يعمدون إلى المتشابه من الكلام ليزيغوا الناس ويضلوهم.

ففي السؤال قال: ما الرد على من يقول إن الاستغاثة مصطلح أطلقه السلفيون؟

يقال: هذا كلام مجمل، هل المراد فقد جاء لفظ الاستغاثة في القرآن، ﴿فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ﴾ [القصص:15] أي: الدعاء في حال الكرب، أو المراد أن دعاء غير الله -عز وجل- دعاء مكروب، أن هذا عبادة، وأن صرفه لغير الله شرك أكبر، إذا كان هذا المعنى فهذا حق دل عليه القرآن والسنة، لما تقدم ذكره لأنه عبادة، كما قال سبحانه: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾[الأنفال:9].

فالاستغاثة بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله، في أمور خاصة بالله، هذا شرك أكبر -عافاني الله وإياكم-.

فالقول بأن السلفيين اصطلحوا هذا خطأ، وإنما يمرون مثل هذا بالألفاظ المجملة.

وقولهم: إنه هو التوسل، أي: أن التوسل الذي أمر الله به في القرآن هو الاستغاثة.

يقال: هذا أيضًا مجمل، أهل البدع ودعاة الشرك يريدون بالتوسل صرف العبادة لغير الله، وهذا من الباطل، ويستدلون على ذلك بقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [المائدة:35] قالوا: أي: اصرفوا العبادات لغير الله، ادعوا غير الله، استغيثوا بغير الله، اطلبوا المدد من غير الله، وهذا من الباطل ولا شك؛ لأن الله ذكر التوسل في القرآن في موضعين، في الآية السابقة، وفي قوله -عز وجل-: ﴿أُولَٰئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ ۚ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا﴾ [الإسراء:57].

والمراد بالتوسل هنا: أي: عبادة الله لا عبادة غيره؛ لأن القرآن يفسر بعضه بعضًا، وقد تقدم أن العبادة خاصة بالله، وأن صرفها لغير الله شرك، وأن العبادات معروفة بالدعاء وغير ذلك مما تقدم ذكره، والقرآن يفسر بعضه بعضًا.

فإذن المراد بالتوسل أي: التعبد لله، لا صرف العبادات للمخلوقين؛ فإن صرف العبادات للمخلوقين شرك، على ما تقدم بيانه.

أما قوله: وما الرد على من يقول بأن التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم جائز؟

يقال: إن التوسل بجاه النبي ﷺ عبادة.

إذا قال القائل: اللهم إني أسألك بجاه محمد ﷺ أن تغفر لي.

يقال: الدعاء عبادة، فإذا ثبت أن الدعاء عبادة، فالعبادات مبناها على التوقيف والإتباع للنبي ﷺ، ومن تعبد الله بخلاف طريقة النبي ﷺ فقد وقع في البدعة.

والنبي ﷺ ثم صحابته ما كانوا يتوسلون بجاه النبي ﷺ، ولا أرشدهم النبي ﷺ إلى ذلك، وكل حديث جاء في التوسل بجاه النبي ﷺ فهو حديث مكذوب، ودونكم كتب أهل العلم وكتب أهل الحديث موجودة ومعروفة، فكل ما ينسب فهو كذب وبهتان، فلم يثبت التوسل بجاه النبي ﷺ.

فإذا تبين أنه لم يثبت، فإنه لا يصح التعبد به، ولو كان مرادًا شرعًا لكان أسبق الناس إليه صحابة رسول الله ﷺ كأبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وغيرهم -رضي الله عنهم-، فلما لم يفعلوه، ولم تدعُ الشريعة إليه دل على أن فعله بدعة.

أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يعلِّمَنا ما يَنْفَعَنَا، وأن يَنْفَعَنَا بما علمنا، وأن يجعلنا جميعًا دعاة للتوحيد والسنة، وأن يميتنا على ذلك، وجزاكم الله خيرًا.

dsadsdsdsdsads

شارك المحتوى:
0