نعيم الجنة وطريق الوصول إليها


إنَّ الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونستغفِرُهُ، ونعوذُ باللهِ مِن شرورِ أنفُسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، مَنْ يهدِهِ اللهُ فلا مُضِلَّ لهُ، وَمَن يُضلِلْ فَلَا هادِيَ لهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ.

﴿يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾

أمَّا بعدُ:

فإنَّ اللهَ خَلَقَنَا ابتلاءً وامتحانًا، كما قالَ تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ وقالَ: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾.

ولِنجتهِدْ في عبوديَّتِهِ، وتحقيقِ مراضيهِ رَغَبًا وَرَهَبًا، قالَ تعالى: ﴿اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.

لذلكَ سارَ الأنبياءُ والمرسلونَ جامعينَ بينَ خوفِ اللهِ ورجائِهِ، قالَ تعالى: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ﴾، ومِنِ الخطأِ تغليبُ كثيرٍ من الناسِ الرجاءُ على الخوفِ فصارَ آمنًا مطمئنًا.

وَمِمَّا أعدَّ اللهُ للطائعينَ الجنَّةَ، وهي الدَّارُ الجامِعَةُ لِكُلِّ نعيمٍ، وأعلاهَا النَّظَرُ إلى وجهِ اللهِ الكريمِ، قالَ تعالى: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ والزيادةُ: هيَ رؤيةُ اللهِ سبحانهُ.

قالَ تعالى: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ * وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ * لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ﴾ فهم في عيشٍ هنيءٍ سالمينَ منْ كلِ سوءٍ، وآمنينَ منْ كلِ شرٍ، بلا حسدٍ ولا غلٍ، بل بنفوسٍ امتلأتْ سرورًا وابْتِهاجًا، بلا تعبٍ ولا مشقةٍ في دارِ الخلدِ والبقاءِ.

وقالَ: ﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ * يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾.

وقال ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ * فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ * كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ * يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ * لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾.

وعن أَبي هريرةَ -رضيَ اللهُ عنهُ- قَالَ: قَالَ رسولُ اللهِ ﷺ: «قَالَ اللهُ تَعَالَى: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ، وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، وَاقْرَؤُوا إنْ شِئْتُمْ: ﴿فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾». متفقٌ عَلَيْهِ.

وعَن أبي سعيدٍ الخُدرِيِّ – رضيَ اللهُ عنهُ – عن النبيِّ ﷺ قالَ: «إنَّ في الجَنَّةِ شَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكبُ الجَوَادَ المُضَمَّرَ السَّريعَ مِائَةَ سَنَةٍ مَا يَقْطَعُها» متفقٌ عليهِ.

وَعَن أبي هريرةَ -رضيَ اللهُ عنهُ- أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قالَ: «لَقَابُ قَوْسٍ في الجَنَّةِ خَيْرٌ مِمَّا تَطْلُعُ عَلَيْهِ الشَّمْسُ أو تَغْرُبُ» متفقٌ عليهِ.

وَعَن أبي سعيدٍ وأبي هريرةَ -رضيَ اللهُ عنهُمَا- أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قال: «إذَا دَخَلَ أهْلُ الجَنَّةِ يُنَادِي مُنَادٍ: إنَّ لَكُمْ أَنْ تَحْيَوْا، فَلاَ تَمُوتُوا أَبَدًا، وإنَّ لَكُمْ أَنْ تَصِحُّوا، فلا تَسْقَمُوا أبدًا، وإنَّ لَكمْ أَنْ تَشِبُّوا فلا تَهْرَمُوا أبدًا، وإنَّ لَكُمْ أَنْ تَنْعَمُوا، فَلاَ تَبْأسُوا أَبَدًا». رواهُ مسلمٌ.

وَعَن ابنِ مسعودٍ -رضيَ اللهُ عنهُ- قالَ: قالَ رسولُ اللهِ ﷺ: «إنِّي لأَعْلَمُ آخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنْهَا، وَآخِرَ أَهْلِ الجَنَّةِ دُخُولًا الجَنَّةَ. رَجُلٌ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ حَبْوًا، فَيقُولُ اللهُ – عز وجل – له: اذْهَبْ فادْخُلِ الجَنَّةَ، فَيَأتِيهَا، فَيُخَيَّلُ إلَيْهِ أَنَّهَا مَلأَى، فَيَرْجِعُ، فَيقُولُ: يَا رَبِّ وَجَدْتُهَا مَلأَى! فَيَقُولُ اللهُ – عز وجل – له: اذْهَبْ فَادْخُلِ الجَنَّةَ، فيأتِيهَا، فَيُخيَّلُ إليهِ أنَّها مَلأى، فيَرْجِعُ. فَيَقولُ: يا رَبِّ وَجَدْتُهَا مَلأى، فيقُولُ اللهُ – عز وجل – لَهُ: اذهبْ فَادخُلِ الجنَّةَ. فَإنَّ لَكَ مِثْلَ الدُّنْيَا وَعَشرَةَ أَمْثَالِهَا؛ فَيقُولُ: أتَسْخَرُ بِي، أَوْ تَضْحَكُ بِي وَأنْتَ المَلِكُ».

قال: فَلَقَدْ رَأَيْتُ رسولَ اللهِ ﷺ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ فَكَانَ يقولُ: «ذلِكَ أَدْنَى أهْلِ الجَنَّةِ مَنْزِلَةً» متفقٌ عليهِ.

وأعظَمُ نعيمٍ في الجنَّةِ رؤيةُ اللهِ الكريمِ، قالَ تعالى: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾، عن صُهيبٍ – رضيَ اللهُ عنهُ- أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قالَ: «إذا دَخَلَ أهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: تُريدُونَ شَيئًا أَزيدُكُمْ؟ فَيقُولُونَ: ألَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا؟ ألَمْ تُدْخِلْنَا الجَنَّةَ وَتُنَجِّنَا مِنَ النَّارِ؟ فَيَكْشِفُ الحِجَابَ، فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إلَى رَبِّهِمْ». رواهُ مسلمٌ.

اللهُمَّ ارزُقْنَا الجنَّةَ

اللهُمَّ ارزُقْنَا الجنَّةَ

اللهُمَّ ارزُقْنَا الجنَّةَ

اللهُمَّ ارْحَمْنَا وأكرِمْنَا برؤيةِ وجهِكَ الكريمِ

اللهُمَّ ارْحَمْنَا وأكرِمْنَا برؤيةِ وجهِكَ الكريمِ

أقولُ ما تسمعونَ، وأستَغْفِرُ اللهَ لي وَلَكُمْ إنَّهُ هوَ الغفورُ الرَّحيمُ.

 

الخطبة الثانية:

الحمدُ للهِ والصلاةُ والسلامُ عَلَى رسولِ اللهِ أمَّا بعدُ:

فإنَّ هَوْلَ السَّاعَةِ ويومِ القيامةِ عظيمٌ، قالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾

وكُلٌّ مشغولٌ بنفسِهِ، ولسانُ حالِهِ نَفْسِي نَفْسِي، قالَ تعالى: ﴿لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ﴾.

وَمَنْ أرادَ النَّجَاةَ يومَ العَرْضِ الأكْبَرِ فَعَليهِ باتِّباعِ مَسَالِكَ النَّجَاةِ، وَمِنْهَا:

أولاً/ القيامُ بتوحيدِ اللهِ، بألَّا يدعُوَ وَلَا يستغيثَ ولا يطلبَ المدَدَ والعونَ إلَّا مِنْ اللهِ.

ثانيًا / التَّعَلُّقُ باللهِ، والتَّوكُّلُ عليهِ، فَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِهِ، قالَ تعالى: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ وقالَ: ﴿فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ﴾.

ثالثًا/ الدُّعاءُ والاستِعَاذَةُ مِنْ النَّارِ؛ فقدْ ثَبَتَ في الصحيحينِ عنْ أبي هريرةَ -رضيَ اللهُ عنهُ- الاستعاذَةُ مِن النَّارِ آخِرَ كُلِّ صلاةٍ.

رابعًا/ المُسارَعَةُ إلى التَّوبَةِ، قالَ تعالى: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾، والتَّوبَةُ مِن كُلِّ الذُّنوبِ وَعَدَمُ استِحْقَارِ شيءٍ مِنْهَا، رَوَى ابنُ المباركِ في كتابِ الزُّهْدِ عَن بلالِ بنِ سعدٍ أنهُ قالَ: ” لَا تَنْظُرْ إلى صِغَرِ الخطيئةِ، ولكن انظُر عَظَمَةَ مَن تعصِي “.

خامسًا/ الحذرُ مِن خطواتِ الشيطانِ، وغَلْقُ أبوابِ المعاصي والبُعدُ عَن مواطِنِهَا، قال تعالى: ﴿وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾، وَلَا تَتَسَاهَلْ في نَظَرٍ وَلَا في سماعٍ وَلَا في قولٍ، واحذَرْ ثُمَّ احذَرْ مِن القُرْبِ مِن مواطنِ المعاصي الشُّبُهاتِيَّةِ والشهوانِيَّةِ.

سادسًا/ تَرْكُ التَّسويفِ والتَّأجيلِ، والمُبادَرَةُ بالأعمالِ الصالحةِ، قالَ سبحانه: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ وقال: ﴿سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ﴾.

اللهُمَّ أصلِحْنَا وأدخِلْنَا في عِبادِكَ الصَّالحينَ

اللهُمَّ أعِذْنَا مِن الفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ

اللهُمَّ أعِذْنَا مِن النَّارِ وأدخِلْنَا الجِنَانِ

وقومُوا إلى صَلَاتِكُمْ يَرْحَمْكُمْ اللهُ

نسخة للطباعة
تنزيل الكتاب
نسخة للجوال
تنزيل الكتاب
dsadsdsdsdsads

شارك المحتوى:
0