يقول السائل: من تكلم عن توحيد العبادة بالتفصيل قبل شيخ الإسلام ابن تيمية؟ وهل ما تمر به الأمة اليوم من بلاء ومحن هو بسبب تهاون المسلمين في توحيد العبادة؟
الجواب:
أما توحيد العبادة قد كفانا ربنا -سبحانه- بيان ذلك بيانًا تفصيليًّا جليًا في كتابه، فالقرآن جلي وواضح في بيان توحيد العبادة، وبيان من خالف في ذلك، ثم السنة النبوية أيضًا واضحة في ذلك غاية الوضوح.
ثم تفاسير السلف من الصحابة والتابعين وأتباعهم واضحة في بيان توحيد العبادة، ومَن رجع إلى تفسير ابن جرير، وتفسير ابن أبي حاتم، و(الدر المنثور) الذي جمعه السيوطي في التفسير من كلام السلف، وجد كلامهم كثيرًا وبَيِّنًا في توحيد العبادة.
لذا من أحسن المراجع في معرفة توحيد العبادة هو الرجوع إلى تفسير السلف لآيات القرآن، والقرآن واضح وجلي في بيانه، وكذلك سنة النبي ﷺ.
وقد تكلم على توحيد العبادة كثير من العلماء، لكن السلف كالإمام أحمد والشافعي ومالك لم يتكلموا كثيرًا في مثل هذا؛ لأنه لم يشتهر عندهم، وإنما اشتهر عندهم الخلاف مع الجهمية ومؤولة الصفات، إلى غير ذلك، ومن دعا إلى القول بخلق القرآن وإلى غير ذلك، وهذه البدع هي التي شاعت في زمانهم لذا كثر كلامهم في هذا الباب، وكذلك اشتهر الخلاف مع الجهمية ومع المرجئة، فكثر الكلام في هذا الباب.
وأما توحيد العبادة، فقد كان الأمر جليًّا في زمانهم، وما احتاجوا أن يتكلموا فيه .
لكن كما أخبر النبي ﷺ: «لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه» أخرجه البخاري من حديث أنس -رضي الله عنه-، فبعد ذلك بدأ الشرك بين المسلمين، وأول مَن أحدثه الرافضة، ثم تسلَّل إلى أهل السنة، فاحتاج أئمة السنة أن يبينوا ذلك بيانًا جليًّا، وممن بينه بيانًا جليًا شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم -رحمهما الله تعالى- وأئمة الدعوة النجدية السلفية، وفي مقدمهم شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله تعالى-.
وقد أشار إلى صور من الشرك أئمة السنة لكن كما تقدم لم يكن كلامهم كثيرًا؛ لأنهم لم يحتاجوا إلى ذلك، وإنما تجد كلام الصحابة والتابعين في تفسير الآيات لأجل الحاجة في بيان معاني الآيات.
أما قول السائل: “ وهل ما تمر به الأمة اليوم من بلاء ومحن هو بسبب تهاون المسلمين في توحيد العبادة؟ ”
فيقال: هذا ممالا شك فيه، فإن من قام بالتوحيد أعزه الله في الدنيا والآخرة، ومن تركه أذله الله، وأعظم معصية هو ترك التوحيد والوقوع في الشرك، سواء كان الأكبر أو الأصغر، قال الله -عز وجل-: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا﴾ [النور:55]. أي: يوحِّدون الله، فمن قام بذلك فاز بما وعد الله به، وقد قال سبحانه في سورة الروم: ﴿وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الروم:6].
وقد بيَّن ربنا أن الهزيمة بسبب الذنوب والمعاصي، وفي مقدم ذلك الشرك، فإن الرماة لما عصوا النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد هُزِموا، فكيف إذَن بالوقوع في الشرك الأكبر؟ – عافاني الله وإياكم-.
يقول الله عن الصحابة في يوم حنين: ﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [آل عمران:165] ويقول سبحانه: ﴿وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [الأنعام:129].
فإذا أراد المسلمون العزة والتمكين والقوة والتقدم، وأن يرفع الله عنهم هذا البلاء من غلبة الكافرين وتفرقهم …إلى غير ذلك، فليرجعوا إلى توحيد الله، فما أكثر التقصير في التوحيد بين المسلمين.
وقد اشتغل كثير من الدعاة بالسياسة، وبالدعوة إلى الأحزاب البدعية، وقصروا في أمر التوحيد، ولم يبق قائم بالتوحيد وداع إليه إلا دعاة السنة السلفيون، -أسأل الله أن يزيدهم وأن يطرح فيهم البركة، وأن يجمع كلمتهم على التوحيد، وأن يجمع كلمة المسلمين على التوحيد.-
أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يعلِّمَنا ما يَنْفَعَنَا، وأن يَنْفَعَنَا بما عَلَّمَنَا.