محاولة جاهلة لإعادة المزارات إلى جزيرة العرب


محاولة جاهلة لإعادة المزارات إلى جزيرة العرب

بسم الله الرّحمن الرّحيم

أ- كان الغلوّ في محبّة الأنبياء والصّالحين وتتبّع آثارهم – ومازال – أبرز أسباب الضّلال عن دين الله الحقّ الذي أقامه الله على كتابه وسنّة نبيّه، وسنّة الخلفاء الرّاشدين، وفِقْه الصّحابة ومن تبعهم بإحسان في القرون الخيّرة. وغلا اليهود في محبّة عزير فقالوا إنّه ابن الله، وغلا النّصارى في محبّة عيسى فقالوا إنه ابن الله، وغلا أكثر المسلمين في محبّة الأنبياء والصّالحين فأطروهم بما لا يجوز أن يقال في عبدٍ من عباد الله، وملأوا مساجدهم ومقابرهم بأوثان المقامات والمزارات والمشاهد والأضرحة التي سمّوها بأسماء ما أنزل الله بها من سلطان، وهي أصل الأوثان والأصنام في كلّ قرن.

ب- ولم تُغَيِّر دولة من دول المسلمين هذا المنكر منذ بُنِيَ الوثن باسم عَلِيٍّ رضي الله عنه قبل نحو ألف سنة في عهد البويهيّين (كما يقول ابن تيمية رحمه الله) والوثن باسم الحسين رضي الله عنه في عهد الفاطميّين منذ نحو تسعمائة سنة، والوثن باسم الشافعي رحمه الله في عهد صلاح الدّين الأيّوبي تجاوز الله عنه منذ نحو(850) سنة (كما يقول السّيوطي رحمه الله)، ولم تُغَيَّر حتى هذا اليوم.

ج- ثمّ بعث الله المجدّدين لدينه في القرون الأخيرة منذ القرن الهجري الثاني عشر بداية بالإمامين محمد بن عبد الوهّاب ومحمد بن سعود ثمّ بالإمامين تركي بن عبد الله وفيصل بن تركي في القرن الثالث عشر، ثم بالملك عبد العزيز وأبنائه رحمهم الله جميعاً وأسكنهم الفردوس من الجنّة، فطهّروا ما ولاّهم الله من جزيرة العرب من الأوثان وما دونها من البدع ثلاث مرّات، ولا يزال خَلَفهم على العهد بفضل الله، ثبّتهم الله على ذلك وحفظهم قدوة صالحة للمسلمين في كلّ زمان ومكان.

د- وركب الشيطان أعوانه للقضاء على هذا التّميّز الذي خصّ الله به آل سعود، وكان شرّ أعوان الشيطان سلاطين العثمانيّين ولكنّ الله ردّ كيدهم في نحورهم وقضى عليهم.

وآخر محاولة للشيطان وأعوانه مزارٌ باسم (السّلام عليك أيُّها النبيّ)،لا يقوم على مثله ويموِّله عادةً إلاّ أحفاد الصّوفيّة (المبتدعة الذين ابتلى الله بهم بلاد التّوحيد والسّنّة يتمتّعون بدنياها، وينبذون دينها وهو خير ما ميّزها الله به على بلاد ودول المسلمين منذ القرون الخيّرة).

هـ- قد يكون القائمون على مشروع هذا الوثن والمموِّلون له أو بعضهم يحسبون أنّهم يحسنون صنعاً كما كان أوّل القائمين والمموّلين لمثل هذه الأوثان من قوم نوح كما ورد في صحيح البخاري رحمه الله تعالى من تفسير ابن عبّاس رضي الله عنهما لقول الله تعالى عن قوم نوح صلى الله عليه وسلم {وقالوا لا تذرنّ آلهتكم ولا تذرنّ ودّاً ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق ونسراً}، قال ابن عبّاس: (أسماء رجالٍ صالحين من قوم نوح، فلمّا هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصاباً وسَمُّوها بأسمائهم، ففعلوا فلم تُعْبَد، حتى إذا هلك أولئك وتنسّخ العلم عُبِدَتْ)، (صحيح البخاري – في مجلّدٍ واحد لبيت الأفكار الدّوليّة – رقم الأثر/4920).

وفي الأثر نفسه: أنّ هذه الأوثان نفسها صارت في العرب: وَدّ لكلب بدومة الجندل، وسواع لهذيل، ويغوث لبني غطيف بالجوف، ويعوق لهمدان، ونسر لحمير لآل ذي الكلاع.

و- قد يكون مِنَ القائمين على مشروع هذا الوثن أو مموّليه من يحقد على دولة التّجديد والتّوحيد ويبغي الثّأر لما هدمَتْه من أوثان المزارات وزوايا التّصوّف والدّجل في القرن الثالث عشر والرّابع عشر والخامس عشر، وكان أول ما هَدَمَتْ ما وُجِدَ في نجد من أوثان الأضرحة والقبور والشجر والحجر، (وإن كانت قليلة لقلّة من يَفِد إلى نجد من بلاد العجم وأمصار العَرَب الموبوءة بالوثنيّة).

ز- ثمّ أتمّ الله نعمته ورحمته وفضله في العقد الثاني من القرن الثالث عشر فطهّر الله مكّة المباركة والمدينة النّبويّة وما حولهما من مئات الأوثان بالجيش السّعودي يقوده الإمام سعود بن عبد العزيز بن محمد آل سعود الذي هدم الله به الأوثان من كربلاء إلى عُمَان ومن الخليج إلى البحر الأحمر في عهد والده ثمّ عهده رحمهما الله، وكان من بينها وثن ذي الخلصة لخثعم في تبالة (قرب بيشة) ولدوس (في زهران)، ولم يكونا هُدِما بعد عهد النّبوّة حتى بعث الله دولة آل سعود لهدمها في القرن الثالث عشر، ثم لإزالة بقاياهما في القرن الرّابع عشر.

ح- ولما عادت أوثان مكّة والمدينة وما حولهما (بعد حرب دولة الخرافة العثمانيّة لدولة التّوحيد والسّنّة) أعاد الله تطهيرها بجيش الملك عبد العزيز آل سعود رحمه الله في منتصف القرن الرّابع عشر، وتبعه أولاده وأحفاده في الوفاء بعهد الله بين محمد بن عبد الوهّاب ومحمد بن سعود رحمهما الله.

ويقول حمد الجاسر رحمه الله: إنّ (ينبع) كانت أثناء إقامته فيها بعد منتصف القرن الرّابع عشر حديثة العهد بعدد من الزّوايا الصّوفيّة (من سوانح الذّكريات).

وأتمّ الله نعمته على جزيرة العرب فوحّد آل سعود مُلْكَهم على التّوحيد والسّنّة، وهدموا كلّ مزاراتها الوثنيّة وزواياها الصّوفيّة، ورفعوا راية لا إله إلاّ الله محمد رسول الله ، وألزموا رعيّتهم بإفراد الله بالعبادة واتّباع السّنّة، وقضوا على ذرائع الشرك بالله في عبادته وما دون ذلك من البدع.

ط- وتظهر محاولات يائسة (ممّن شَرِقوا بالدّعوة ودولتها المباركة أو أعماهم الله فحسبوا أنّهم يحسنون صنعاً وأنّهم مهتدون)، ولكنّ الله في كلّ مراحل العهد السّعودي المبارك يحوط البلاد والدّولة والدّين والدّعوة والأمّة برعايته ونصره وتوفيقه وتأييده ويزيدهم من فضله، ويردّ الله كيد الكائدين ومكر الماكرين ليعودوا بغيظهم إلى جحورهم لم ينالوا خيراً ويكفينا شرّهم.

ي- ومشروع المزار الجديد – في رأيي – من أخطر المحاولات على مستقبل الدّين والدّعوة والدّولة والأمّة بزعزعة الأساس الذي أقامها الله عليه منذ تعاهد الإمامان محمد بن عبد الوهّاب ومحمد بن سعود رحمهما الله على الوفاء بعهد الله نصرة له وجهاداً في سبيله لتكون كلمة الله هي العليا؛ فظاهره الرّحمة: التّذكير بحياة النبيّ صلى الله عليه وسلّم الدّينيّة والدّنيويّة، العباديّة والعاديّة، وباطنه الشرّ والفساد: الغلوّ في الدّين وفَتْح بابٍ للابتداع (الشرك فما دونه) حافظ كلّ ولاة الدّولة السّعوديّة المباركة وعلمائها في كلّ مراحلها على سَدِّه.

ك- وقد حذّر من فتح أبواب الشّر بمزار (السّلام عليك أيّها النّبيّ): المفتي العام والشيخ د.صالح الفوزان والشيخ صالح اللحيدان (وهم أكبر هيئة كبار العلماء) وعدد من أهل العلم والدّعاة (أنظر مقال الشيخ د. محمد الفريح الأستاذ بالمعهد العالي للقضاء من جامعة الإمام محمد بن سعود فقد وفقه الله إلى بيان ما يُتَعَبَّد به وما لا يتعبّد به من أفعال النّبي صلى الله عليه وسلّم، والتّفريق بين ما هو عبادة وما هو عادة في حياته صلى الله عليه وسلم)، وأكثر من سيزورون هذا الوثن لو بقي يجهلون الفرق بينهما، بل يجهلون القراءة والكتابة العربية، وكلّ همّهم: التّبرّك وطلب المدد والقربة والشفاعة.

ل- وَخُدِعَ قليل من أهل العلم وكثير من الواعظين القًصَّاص بزخرف القول وبهرجة البيانات والصُّوَر، ولا عجب فقدقال أكبر مستشاري الشيخ ابن باز رحمهما الله عن أبرز القائمين على مشروع هذا المزار: لم يخدع ابن باز أحد مثله، (وسأطوي البقيّة إلى حين).

م- ولما كان اسم العلاّمة الشيخ عبد العزيز الرّاجحي (وصورته المسروقة) قد ظهر بين المؤيّدين؛ أصدر بياناً من ثلاث صفحات يبيّن أنّه لم يؤيِّد غير مشروع الموسوعة الحديثيّة، وحذّر من بقيّة المشروع وخطره على مستقبل الإسلام والمسلمين في بلاد التّجديد والتّوحيد وفي العالم، وساق ردّ الإمام المجدِّد ابن باز على من دعا إلى إحياء آثار النّبيّ صلى الله عليه وسلّم في طريق الهجرة ومنها: خيمتي أمّ معبد، وتحذيره من تتبّع وإحياء آثار الأنبياء والصّالحين وأنّها شرّ ذرائع الشرك وما دونه من البدع.

قلت: ومشروع الموسوعة الحديثيّة المزعومة (بين100و300مجلد) لا يليق بعالم عامل مثل الشيخ الرّاجحي الثناء عليها ولا يُعْرَف بين القائمين عليها محدِّث داع إلى التّوحيد والسّنّة حتى تظهر وتمحّص.

ن- ثمّ جاء الشيخ علي الحلبي كأنّما يُدْفَع كمثل الجاريّة التي جاء الشيطان بها ليستحلّ طعام القوم على عهد النّبيّ صلى الله عليه وسلم فأخذ بيدها.

اتّصل بي الشيخ طاهر نجم الدّين (فبشّرني) بزيارة الشيخ علي، (فأنذرته) بضيق الوقت، فأحرجني بأنّهما على الباب، ولم أعهد فيّ ولا فيه حرصاً على زيارة الآخر، وقد رددْتُ محاولته زيارتي في الأردن عدّة مرّات، ولا أذكر أنّي رأيته منذ بضع عشرة سنة، ولكنّي على اتّصال به بالهاتف وتعاون على البرّ والتّقوى.

وبعد مغادرته المملكة المباركة عرفت ما أخفاه عنّي: كان يزور مشروع المزار الأوّل في دولة ميّزها الله بهدم المزارات، وأخفى زيارته وهي عورة أخفاها عنّي لمعرفته بما خصّني الله به – دونه – من التّركيز على نشر إفراد الله بالعبادة ومحاربة أوثان المزارات، فعاجَلْتُه برسالة أُبيِّن له فيها ما قد يجهله من أمر المزار والقائمين عليه، فبادر إلى التّطبيل والتّزمير للمزار ومفتريه، بل ونَقْد من لم يجاروه في تطبيله وتزميره بأنّهم لم يروا المشروع أو لم يفهموه (مما لم يُسْبَقْ إليه) مما جعلني أغلِّب سوء الظّنّ فيه بعد أن كنت أغلّب حُسْنه؛ هل فرح بمن يمكن أن يستفيد من مشروعه تجاريّاً بصناعة الحديث؟ أم أنّه ظنّ أنّهما سيتبادلان المنافع بتبادلهما التّأييد لعلّ سُمْعَة الشيخ علي تتحسّن بعدما مُنِيَتْ بتهمة الإرجاء الباطلة، وتهمة وحدة الأديان وهي إلزام بما لا يلزم – في رايي – قاده إليها سعيه إلى الشرف والتّأييد أيضاً؟ والشيخ عليّ حريص على تحسين سمعته في المملكة المباركة التي تسوِّق أكثر إنتاجه الحديثي التّجاري، وإلاّ ففي مشروع المزار هذا ما يضمن له عملاً مدى الحياة إلاّ أن يقضي الله عليه أو عليه أو عليه.

س- ليت الشيخ علي جازاني بمثل ما فعَلْتُ: زرتُ بلده فلسطين مع أخي في الدّين وفي وطنه/ د. عبد الكريم المنقور ووالده أثابهما الله عام1385، ورأيت سبب ضياعها عام 1967: الفسق والفجور، وأشنعه أوثان المزارات الخاصّة بالمنتمين للإسلام والسّنّة، وهي أكثر من أوثان اليهود والنّصارى وكلّ فرق الضّلال في فلسطين مجتمعة، ولما كان أشنعها أوثانُ مَعْبَد الأوثان المسمّى (الحرم الإبراهيمي الشريف)، وقد احتال الشيطان على اليهود فسوّل لهم أن تحته قبور بعض أنبيائهم وزوجاتهم، وتبعهم الصّليبيّون فبنوا عليها كنيسة، ولم يجد حاجة للاحتيال على المنتمين للإسلام والسّنّة فقد تقرّبوا إلى الله ببناء سبعة أوثان في قبلة المصلّى ووسطه وآخره وجَنْبِه باسم الأنبياء وزوجاتهم؛ لما كان هذا أشنع المزارات فقد حصلتُ من مديريّة الأوقاف في القدس على كتاب رسمي يوثّق هذا المعبد الوثني وكتبت عنه مرّات لا أحصيها، ووضعت صُوَرَه بالألوان ومخطّطين للمعبد وأوثانه(1): أحدهما لمديرية الأوقاف والثاني لمسلمٍ من أصلٍ ألماني اسمه: عبد الله البكري، ومارتن هكلر سابقاً، نشرتها جميعاً على موقع باسمي على الانترنت، ومكّة ثمّ المدينة أقدس من القدس وأطهر بفضل الله، ثم بفضل النّبي وأصحابه، ثم بفضل الله على ولاتها من آل سعود، فهما أولى بالمحافظة عليهما، أو على الأقل عدم الإعانة على الإفساد فيهما، ولعلّ الشيخ عليّ يفتح صفحة جديدة ينشر فيها إفراد الله يالدّعاء وغيره من أنواع العبادة وبنفيها كلّها عمّن سوى الله، ويحارب وثنيّة المقامات والمشاهد والأضرحة والأنصاب ومزاراتها، ولا يخاف في الله لومة لائم، واللهم تجاوز عنّا جميعاً.

كتبه/ سعد بن عبد الرّحمن الحصيّن- مكّة المباركة 1434/9/25هـ


شارك المحتوى: