عشرة لا يكلمهم الله


الحمد لله فالق الإصباح، وفارق أهل الغي من أهل الصلاح، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة زاكية الأرباح ، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، أرسله الله الى الناس والحرمات تستباح ، فأرشد الخلق إلى الحق بالحجاج الوضاح، والسمهرية الرماح ، حتى ظهر دين الله وسرى في الآفاق سريان الرياح، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه ما أشرق ضوءُ الصباح ، وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد: عباد الله: اتقوا الله ربكم وأطيعوه، ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ )

عباد الله: تواردت أحاديث النهي والتحذير عن عدد من الموبقات جاء فيها الوعيد الشديد، ونقف اليوم مع ثلاثة أحاديث فيها الوعيد لثلاثة أصناف يدخل فيهم أمم من الناس ، متوعدون بأن الله لَا يُكَلِّمُهُمُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ، لا يكلمهم كلام رضا ولا يثني عليهم خيرا ، ولا ينظر اليهم نظر رحمة ،ولهم عذاب موجع شديد ، وهو دليل على عظم ذنبهم .

ونبدأ بالصنف الذي ذكره الله في كتابه في قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ فدلت الآية على أن كاتم العلم بعدم اظهار الحق ورد الباطل في وقت يجب إظهاره ، أو سكوته لأجل أمر دنيوي كخوف سخط الناس وكراهيتهم له ، أو زوال منصب أو جاه ، ممن استحق الوعيد بهذه الثلاث .

عباد الله : نثني بما ورد في السنة ، فأول هذه الثلاثيات

المفزعة ما رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ”، قَالَ: فَقَرَأَهَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَلَاثَ مِرَار، قَالَ أَبُو ذَرَّ: خَابُوا وَخَسِرُوا، مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: “الْمُسْبِلُ وَالْمَنَّانُ وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ”

فأول هذا الصنف : رَجُلٌ أَتَاهُ الْهلَاكُ مِنْ قِبَلِ لِبَاسِهِ، فَيَرْتَدِيَ لِبَاسَاً مُسْبَلَاً قال الإمام ابن باز :ثوبا أوقميصا أو سراويل أو بشتا ، يَجُرُّهُ خُيَلَاءَ وَيَتَبَخْتَرُ فِيهِ كِبْرِيَاءَ، فهو متوعد بِهَذَا الْعَذَابِ الْأَلِيمِ، فَأَمَّا إِنْ لَمْ يُجُرَّ لِبَاسَهُ خُيَلَاءَ وَإِنَّمَا نَزَلَ تَحْتَ الْكَعْبَيْنِ فَإِنَّهُ مُتَوَعَّدٌ بِعَذَابٍ، وَهُوَ أَنَّ مَا تَحْتَ كَعْبَيْهِ فِي النَّارِ تُحْرِقُهُ وَتُوجِعُهُ.

وَأَمَّا الثَّانِي: فَهُوَ الذِي لا يعطي أحدًا عطاءً أو يشفع له في أمر ما أو يسدي له أي نوع من أنواع المعروف ثم يذكر هذا المعروف ويدلي به ويمن به، فيتأذى المعطى له، والمعروف إنما يتم كما قال ابن عباس: ” يتم المعروف بثلاث: بتعجيله وتصغيره وستره )

وَأَمَّا الثَّالِثُ عباد الله من هؤلاء الأصناف: فَهُوَ الذِي يَحْلِفُ عِنْدَ الْبيْعِ حَلِفَا كَاذِبَاً لِيُرَوِّجَ بِضَاعَتَهُ وَيُنَفِّقَهَا، “قال الإمام ابن باز : مثل أن يقول :والله أنها علي بكذا، والله أني اشتريتها بكذا، والله إنها بكذا”، وهو يكذب حتى يمشيها ) فَالْحَلِفُ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ مَذْمُومٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَلَوْ كَانَ صِدْقاً، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: “الحَلِفُ مُنَفِّقَةٌ لِلسِّلْعَةِ، مَمْحَقَةٌ لِلْبَرَكَةِ” مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

أَمَّا الْحَدِيثُ الثَّانِي: فَهُوَ مَا رَوَاهُ الشيخان عن أَبي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: “ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلَا يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: رَجُلٌ عَلَى فَضْلِ مَاءٍ بِالْفَلَاةِ يَمْنَعُهُ مِنِ ابْنِ السَّبِيلِ، وَرَجُلٌ بَايَعَ رَجُلًا بِسِلْعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ فَحَلَفَ لَهُ بِاللَّهِ: لَأَخَذَهَا بِكَذَا وَكَذَا فَصَدَّقَهُ وَهُوَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَرَجُلٌ بَايَعَ إِمَامًا لَا يُبَايِعُهُ إِلَّا لِلدُّنْيَا، فَإِنْ أَعْطَاهُ مِنْهَا وَفَى وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ مِنْهَا لَمْ يَفِ”.

عباد الله: هَؤُلاءِ ثَلاثَةُ آخَرُونَ مُتَوَعَّدُونُ بِهَذَا الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ عَلَى هَذِهِ الذُّنُوبِ الْمُهْلِكَةِ:

أَمَّا الْأَوَّلُ: فهو إنسان عنده ماء من مزرعة أو بئر أو غير ذلك في أرض فلاة خالية من السكان يمر الناس من عنده ليشربوا فيمنعهم ، وَصَارَ لَهُ هَذَا الْوَعِيدُ الْعَظِيمُ لِأَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ النَّاسَ شُرُكَاءَ فِي ثَلاثَةِ أَشْيَاءَ وَهِيَ: الْمَاءُ وَالنَّارُ وَالْكَلَأُ أَيِ: الْعُشْبُ.

وإذا كان ملكًا لشخص وفي حوزته كالماء الذي في الخزان أو البركة،فهل يدخل في الوعيد إذا منعه صاحبه ابن السبيل؟

فأجاب الشيخ ابن عثيمين :بأنه يلحقه الوعيد عند الضرورة ؛ لأنه في هذه الحال يجب أن يبذله، أما في غير الضرورة، فالظاهر أنه لا يلحقه”

وَأَمَّا الثَّانِي: فَهُوَ مَنْ بَاعَ سِلْعَةً بَعْدَ صَلاةِ الْعَصْرِ عَلَى مشتر فَأَقْسَمَ البائع بِاللهِ كاذبا عَلَى أَنَّهُ اشْتَرَاهَا بِالسِّعْرِ الْفُلَانِيِّ فَصَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي وَأَخَذَ السِّلْعَةَ، وهذا مستحق للوعيد في أي وقت حلف كاذبا إلا أته في هذا الوقت أشد وأعظم لأنه وقت فاضل تجتمع فيه ملائكة الليل والنهار وفيه ترفع

الأعمال .

وأَمَّا الثَّالِثُ فَهُوَ شَخْصٌ بَايَعَ الْإِمَامَ أَيِ: الْحَاكِمَ بَيْعَةَ السمع والطاعة لغرض دنيوي ، كطمع في مال أو منصب ، لا طاعة لله ولرسوله ، والتي جاء الشرع بالأمر بها ،والزعم بعدم لزوم أنه لم يبايع الحاكم بنفسه فهذه شبهة شيطانية كما قال الشيخ ابن عثيمين بل تكفي بيعة أهل الحل والعقد من العلماء والأمراء والوجهاء ، وَلِذَلِكَ جَاءَتِ النُّصُوصُ الشَّدِيدَةُ فِي الصَّبْرِ عَلَى الحاكم حَتَّى لَوِ انتقصنا بل وسلبنا أموالنا ، فَعَنْ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: “مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ، إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً” مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

جعلنا الله من المبصرين الحرام المبتعدين عنه .

أَقُولُ مَا سمعتم وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ.

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده ، أما بعد . . عباد الله : نواصل مع ثالث الثلاثيات التي يجب علينا الحذر منها :

فروى مسلم عن أَبُي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أن رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: “ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: شَيْخٌ زَانٍ وَمَلِكٌ كَذَّابٌ وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ”

فأولهم وهو السابع : مَنْ وَقَعَ في الزِّنَا على كبرَ سِنّهُ ، وَلا شك أن الزِّنَا حَرَامٌ عَلَى الشَّبَابِ وَالشِّيَّبِ لَكِنَّهُ إِذَا وَقَعَ مِنْ كَبِيرِ السِّنِّ فَإِنَّهُ يَعْظُمُ ذَنْبُهُ لِأَنَّهُ قد خفت شهوته فهو يَدُلُّ عَلَى خُبْثِ نَفْسِهِ .

وَأَمَّا الْمَلِكُ الْكَذَّابُ: فهو لا يخشى أحدًا من رعيته، ولا

يحتاج إلى أن يداهن أحدًا ، وإن كان الكذب بكل حال حرام

إلا أنه هنا أشد لضعف الداعي .

وَأَمَّا الثَّالِثُ: فَهُوَ الْفَقِيرُ الْمُتَكَبِّرُ، والكبر أما أن يكون لمال أو منصب ، وهو خلو منهما فعلى ماذا يتكبر إلا لخبث في نفسه.

أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَرْزُقَنِي وَإِيَّاكُمْ وَجَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ الْفِقْهَ فِي دِينِهِ وَالْعَمَلَ بِشَرْعِهِ وَاتِّبَاعَ رَسُولِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الملة والدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفق إمامنا إلى ما تحبه وترضاه، اللهم خذ بناصيته للبر والتقوى، اللهم انصر به دينك وأعلِ به كلمتك، وأعز به أوليائك واجمع به كلمة المسلمين على الحق والهدى يا رب العالمين، اللهم أصلح له البطانة والسريرة يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغـني ونحن الفـقراء، وأنت القوي ونحن الضعـفاء، أنزل علينا الغـيث، واجـعل ما أنزلته علينا قوة لنا على طاعتك وبلاغا إلى حـين.
اللهم أغـثنا، اللهم أغـثنا، اللهم أغـثنا غـيثا معـيثا هنيئا مريئـا غـدقا مجـللا سـحا طبقا عاما نافـعا غـير ضار تسـقي به البلاد وتغـيث به العـباد وتجـعله متاعا للحـاضر والباد، اللهم سـقيا رحمـة لا سـقيا بلاء ولا عـذاب ولا هدم ولا غـرق.
اللهم إنا نسـتغفرك إنك كنت غـفارا فأرسـل السـماء علينا مدرارا.
وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ وَالْحَمْدِ للهِ رَبِّ العَالَمِين.


شارك المحتوى: