شروط الصلاة وبعض الأخطاء فيها


الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، أمَرَ عِبَادَهُ بالتزَوُّدِ للدَّارِ الآخرةِ بالأعمالِ الصالحةِ مِن فرائِضَ ونوَافِلَ، ونَهَاهُمْ عَن الغفلةِ والإِعراضِ والانشغالِ بالدُّنيا عن الدِّينِ.

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 21-22].

أما بعد:

فإِنَّ فَرَائِضَ الإسلامِ إذا شُرِعَتْ ينزِلُ الوحيُ على رسولِ اللهِ ﷺ إلَّا الصلاةَ فإنَّ اللهَ لَمَّا أرادَ أنْ يَفْرِضَهَا على أُمَّةِ محمدٍ ﷺ عَرَجَ بنبيِّنَا ﷺ إلى مقامٍ عالٍ سَمِعَ فيهِ صريفَ الأقلامِ ﷺ كَمَا أخرجَهُ الشيخانُ عَن أنسِ بنِ مالكٍ -رضيَ اللهُ عنهُ-.

فهذا يَدُلُّ على أهمِيَّةِ الصلاةِ التي هي أهَمُّ أركانِ الإسلامِ العَمَلَيَّةِ، وإنَّ هذِه الصلاةَ العظيمةَ لا تُقبَلُ إلا بشروطٍ، وَمِن شروطِهَا ما يَلِي:

الشرطُ الأولُ: استِقبالُ القِبلَةِ.

قال سبحانه: ﴿فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُم ْشَطْرَهُ﴾ [البقرة: 144] وأخرجَ الشيخانُ عن أبي هريرةَ –رضيَ اللهُ عنهُ- أنَّ النبيَّ ﷺ قالَ لِلْمُسيءِ في صلاتِهِ: «إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاَةِ فَأَسْبِغِ الوُضُوءَ، ثُمَّ اسْتَقْبِلِ القِبْلَةَ فَكَبِّرْ …» فَلَا تَصِحُّ الصلاةُ إلَّا باستقبالِ القِبلَةِ.

والمُرادُ استقبالُ جِهَةِ القبلةِ لا عَيْنُهَا، كَمَا أفتَى بذلِكَ الخليفةُ الراشِدُ عمرُ بنُ الخطابِ -رضيَ اللهُ عنهُ- كَمَا عِندَ ابنِ أبي شيبةَ، وابنُهُ عبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ -رضيَ اللهُ عنهُمَا- كَمَا عِنْدَ عبدِ الرَّزَّاقِ، وقالَ ابنُ تيميةَ: لا خِلافَ بينَ الصحابةِ في ذلكَ.

وَمِمَّا ثَبَتَ عَن عُمَرَ -رضيَ اللهُ عنهُ-: أنهُ بَسَطَ يديهِ اليُمْنَى واليُسرَى، ثُمَّ قالَ: “صَلِّ بينَهُمَا كيفَمَا شِئْتَ “.

وَهَذا فِيمَنْ كانَ بعيدًا عَن الكعبةِ لَا يَرَاها، أَمَّا مَنْ كانَ قريبًا مِنْهَا وَيَرها فيَلْزَمُهُ استقبالُ عَيْنِهَا، وهذا بإجماعِ أهلِ العلمِ، كَمَا حكاهُ ابنُ قدامةَ -رحمهُ اللهُ تعالى-.

الشرطُ الثاني: دخولُ الوقتِ.

إِنَّ دُخولَ الوقتِ شرطٌ لصِحَّةِ الصلاةِ، قالَ سبحانَهُ: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا﴾ [النساء: 103] فَمَنْ صَلَّى قبلَ دخولِ وقتِ الصلاةِ لَمْ تَصِح صلاتُهُ.

وَمَنْ تعمَّدَ تأخيرَ الصلاةِ بِلَا عُذْرٍ فصلَّاها بعدَ خروجِ وقتِهَا فَقَدْ وقعَ في كبيرةٍ مِن كبائِرِ الذنوبِ، قالَ سبحانهُ: ﴿فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾ [مريم: 59] قيلَ لابنِ مسعودٍ -رضيَ اللهُ عنهُ-: أَكَانوا تاركينَ لَهَا؟ قالَ: ” لَو تَرَكوها لَكَفَروا، وإِنَّمَا كانوا يُؤخِّرونَ الصلاةَ عَن وقتِها “.

والغَيُّ: وادٍ في جهنَّمَ، كَمَا ثبتَ عندَ ابنِ جريرٍ عَن ابنِ مسعودٍ -رضيَ اللهُ عنهُ-.

فالأمرُ كبيرٌ للغايةِ! فتأخيرُ الصلاةِ عن وقتِها كبيرةٌ مِن كبائِرِ الذنوبِ، فَمَا أكثرَ المسلمينَ الذينَ فرَّطوا في هذا الشرطِ، فيتساهلونَ ويجمعونَ بينَ الصلواتِ في الحَضَرِ!

بَلْ بعضُهُم يصلي آخرَ الليلِ صلاةَ اليومِ كُلَّها!

يا هذَا! قَدْ وَقَعْتَ في كبيرةٍ مِن كبائِرِ الذنوبِ.

يا رجلُ! قَدْ تَوَّعَّدَكَ رَبُّ العالمينَ بوادٍ في جَهَنَّمَ!

الشرطُ الثالثُ: سَتْرُ العورةِ.

قالَ سبحانَهُ: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ [الأعراف: 31]  وعورَةُ الرجلِ ما بينَ السُّرَّةِ والرُّكبَةِ، ويجبُ عليهِ أنْ يستُرَ منكبيهِ؛ لِمَا أخرجَ البخاريُّ ومسلمٌ عن أبي هريرةَ -رضيَ اللهُ عنهُ- أنَّ النبيَّ ﷺ قالَ: «لَا يُصَلِّي أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ الوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقِهِ مِنْهُ شَيْءٌ».

والتَّزيُّنُ للصلاةِ مستحبٌ، ودليلٌ على تعظيمِ شعائرِ اللهِ، فإنَّنَا نَقِفُ بينَ يَدَي جبَّارِ السماواتِ والأرضِ، وهذا في عامَّةِ الصلواتِ فكيفَ بصلاةِ الجُمُعَةِ؟ فَقَدْ تساهَلَ بعضُ الناسِ في التَّزيُّنِ والتطيُّبِ لهَا حتَّى إنَّ بعضَهُم يحضُرُهَا بملابِسِهِ المبتَذَلَةِ، وبرائحَةِ الثومِ والبصلِ!!

باللهِ عليكُمْ، كمْ نتزينُ إذا دُعينا لوليمةٍ؟!، وكَمْ نتجمَّلُ ونتحسَّنُ لِلِقاءِ مسؤولٍ؟!

فكيفَ وَبِنَا نَقِفُ في الصلاةِ بينَ يديّ جبَّارِ السماواتِ والأرضِ؟!

وفي الصحيحينِ عن ابنِ عُمَرَ -رضيَ اللهُ عنهُمَا- أنَّ النبيَّ ﷺ قالَ: «إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّ اللهَ قِبَلَ وَجْهِهِ».

الشرطُ الرابِعُ: إزالةُ النجاسَةِ.

مَن صَلَّى وفي ثوبِهِ نجاسَةٌ لَمْ تَصِحَّ صلاتُهُ، قالَ تعالَى: ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾ [المدثر: 4] وفي أحدِ أقوالِ أهلِ العلمِ المرادُ: طَهِّر ثيابَكَ مِن النَّجاساتِ.

وفي الصحيحينِ مِن حديثِ أسماءَ -رضيَ اللهُ عَنْهَا- أنَّ النبيَّ ﷺ قالَ في الثَّوبِ يُصيبُهُ دمُ الحيضِ: «تَحُتُّهُ ثُمَّ تقرُصُهُ ثُمَّ تَنْضَحُهُ بِالمَاءِ ثُمَّ تُصَلِّي فِيهِ».

فَلَا يَصِحُّ لأحدٍ أنْ يصلِّي وفي ثوبِهِ نجاسَةٌ، فَتَفقَّدْ ثيابَكَ ألَّا تَكونَ نَجِسَةً، لا بِدَمٍ فاحِشٍ، وَلَا بمذيٍ، ولا بِبَولٍ، وَلَا بغيرِ ذلكَ مِن النَّجاساتِ.

الشرطُ الخامِسُ: التطهُّرُ مِن الحدَثِ الأكبَرِ والأصغَرِ.

قال تعالى: ﴿‌وَإِنْ ‌كُنْتُمْ ‌جُنُبًا ‌فَاطَّهَّرُوا﴾ [المائدة: 6] أخرَجَ البخاريُّ ومسلمٌ عن أبي هريرةَ -رضيَ اللهُ عنهُ- أنَّ النبيَّ ﷺ قالَ: «لَا يَقْبَلُ اللهُ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ».

اللهُمَّ ارْحَمْنَا واجْعَلْ قُرَّةَ أعيُنِنَا في الصلاةِ، اللهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنْ يُقْبِلُ عَلَيْهَا خاشِعًا يا أرحمَ الراحمينَ.

 

الخطبة الثانية:

الحمدُ للهِ وكفى، والصلاةُ والسلامُ على الرسولِ المجتبى، أمَّا بعدُ:

فتتمة الشروطِ: الشرطُ السادِسُ: النِّـيَّةُ.

أخرجَ البخاريُّ ومسلمٌ مِن حديثِ عُمَرَ بنِ الخطابِ -رضيَ اللهُ عنهُ- أنَّ النبيَّ ﷺ قالَ: «إِنَّمَا الأعمالُ بالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امرئٍ مَا نَوَى».

والنِّيَّةُ مَحِلُّهَا القلبُ، والتلفُّظُ أو الجَهْرُ بِهَا أو تَكْرَارُهَا، كُلُّهُ مِن البِدَعِ المُحْدَثَةِ التي لَمْ يفعَلْهَا سَلَفُ هذهِ الأُمَّةِ.

فَلَا يجوزُ لِمَنْ أرادَ أنْ يصلِّي أنْ يقولَ: اللهُمَّ إِنِّي نَوَيْتُ أنْ أُصَلِّي صَلَاةَ كَذَا وَكَذَا، فإِنَّ هذا مِن البِدَعِ المُسخِطَةِ للهِ سبحانَهُ وتعالَى.

يَا قَوْم!

لو كانَ التلفُّظُ بالنيَّةِ أو الجَهْرِ بِهَا أو تَكْرَارِهَا خيرًا محبوبًا إلى اللهِ، لَفَعَلَهُ الرسولُ ﷺ وصحابَتُهُ الكرامُ؟!

إخوةَ الإيمانِ: إنَّ مَا تقدَّمَ ذِكْرُهُ مِن الشروطِ يَستَوِي في حُكْمِهِ الرجلُ والمرأةُ، إلَّا أنَّ للمرأةِ أحكامًا خاصَّةً في سِتْرِ العورةِ، فَقَدْ أجمَعَ العلماءُ أنهُ يجبُ على المرأةِ إذا أرادَتْ أنْ تصلِّيَ أنْ تُغطِّيَ رأسَهَا، حكى الإجماعَ ابنُ المنذِرِ -رحمهُ اللهُ-، وثَبَتَ عِندَ ابنِ أبي شيبةَ عن عائشةَ وعليِّ بنِ أبي طالبٍ -رضيَ اللهُ عنهُمَا- أنَّهُمَا قالَا: ” تُصَلِّي في خِمَارٍ ودِرْعٍ سابِغٍ “.

فدلَّ هذا على أنَّهَا تغطِّي رأسَهَا؛ لأنَّ الخِمَارَ يُغطَّى بهِ الرأسُ.

أمَّا الوجهُ فإنهُ ليسَ عورةً للمرأةِ في الصلاةِ بالإجماعِ، حكى الإجماعَ ابنُ عبدِالبَرِّ.

أمَّا اليَدَانِ، فإنهُمَا ليسَتَا عورةً، وحكاهُ ابنُ عبدِ البرِّ إجماعًا.

أمَّا القَدَمَانِ فإنَّ قَدَمَي المرأةِ عورةٌ؛ لِمَا تقدَّمَ مِن فتوى عائشةَ وعليٍّ -رضيَ اللهُ عنهُمَا- أنَّهُما قالَا: ” في دِرْعٍ سابِغٍ ” وهو مَا يُغطِّي القدمينِ.

قالَ ابنُ عبدِ البَرِّ -رحمهُ اللهُ تعالى-: وَقَدْ أجمعَ الصحابةُ أنَّ قَدَمَي المرأةِ عورةٌ.

اللهُمَّ يا مَنْ لا إلهَ إلا أنتَ، اللهُمَّ احفَظْ علينا صلاتَنَا، اللهُمَّ احفَظْ عَلَيْنَا صلاتَنَا، اللهُمَّ احفَظْ عَلَيْنَا صلاتَنَا.

اللهُمَّ تقبَّلْ مِنَّا صلواتِنَا يا أرحمَ الراحمينَ، اللهُمَّ اجعلنا مِن الخاشعينَ المُقبلينَ الواقفينَ بينَ يديكَ، على ما يُرضيكَ يا رَبَّ العالمينَ.

وقوموا إلى صلاتِكُم يرحَمْكُمْ اللهُ.

نسخة للطباعة
تنزيل الكتاب
نسخة للجوال
تنزيل الكتاب
dsadsdsdsdsads

شارك المحتوى:
0