تربية النشء على التوحيد


الحمد لله الذي خلق الإنسان من سلاله ، وركب بلطيف حكمته مفاصله وأوصاله ، ورباه في مهاد لطفه ثلاثين شهرا حمله وفصاله ، وزينه بالعقل والحلم وأزال عنه ظلماء الجهاله ،
فسبحان من اختار لنفسه وأنعمه بأنسه وأجزل له نواله ، ويسّر له مولاه سبيل السعادة وحقق آماله ،
واشهد إن لا اله إلا الله, وحده لا شريك له, له الملك, وله الحمد وهو علي كل شيء قدير
وأشـهد أن نبينا محـمدا عبده ورسـوله، صلى الله وسـلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحـابه والتابعـين لهم بإحـسان إلى يوم الدين.

أما بعد /
عباد الله … اتقـوا الله تعالى حـق التقوى، اتقـوا يوما ترجـعون فيه إلى الله، يوم ينفـخ في الصور، ويبـعث من في القبور، ويظهر المسـتور، يوم تبلى السـرائر، وتكـشف الضمائر، ويتميز البر من الفاجـر.

معاشر المسلمين: إن من المتقرر عند أهل النظر الصحيح أن العناية بالنشء وبتربيته على الشريعة هو أصل حمايته ومناعته .

ولما كان توحيد الله تعالى أعظم الأمور ، وبه سعادة الدنيا والآخرة، اهتم به الأنبياء عليهم السلام في جميع مراحل حياتهم، فعظموا شأن الله تعالى وعظموا أسماءه وصفاته، وأفردوه بالعبادة سرا وجهارا، وحذروا وأنذروا وتوعدوا من أشرك مع الله غيره اين كان بدعاء أو استغاثة أو ذبح أو نذر أو توكل أو خوف أو غير ذلك من أنواع العبادات التي لا تصرف الا لله سبحانه .

ولهذا كان من المتأكد جدا تربية الناشئة الصغار على ذلك قال ابن القيم رحمه الله:(فإذا كان وقت نطقهم فليلقنوا لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم, وليكن أول ما يقرع مسامعهم معرفة الله سبحانه وتوحيده, وأنه سبحانه فوق عرشه, ينظر إليهم, ويسمع كلامهم, وهو معهم أينما كانوا).

وللإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب رحمه الله رسالة في تعليم الصبيان التوحيد قال في مقدمتها : هذه رسالة نافعة فيما يجب على الإنسان أن يعلم الصبيان قبل تعليمهم القرآن حتى يصير إنسانا كاملا على فطرة الإسلام وموحدا جيدا )

معاشر المسلمين: ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم هو المعلم والقدوة للناس كلهم، كان صلى الله عليه وسلم يعنى بشأن الصغار والناشئة عناية تامة وغرس التوحيد في نفوسهم .

فعن جندب بن عبدالله قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن فتيان حزاورة( أي لم نبلغ ) فتعلمنا الأيمان قبل ان نتعلم القرآن , ثم تعلمنا القرآن فازددنا به إيمانا ، وأنتم اليوم تعلمون القرآن قبل الإيمان ) رواه ابن ماجه وصححه الشيخ الألباني.

وعن عبدالله بن عمر قال : لقد عشنا برهة من دهرنا وإن أحدنا ليؤتى الإيمان قبل القرآن ) رواه البيهقي والحاكم وصححه .

ومن شواهد تعظيم التوحيد في نفوس الصغار

ما رواه الشيخان في خبر ارداف النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل على دابته فكان حواره معه ومؤانسته له بتعليمه التوحيد( يا معاذ ما حق الله على العباد ؟ يا معاذ : ما حق العباد على الله ) لتعميق أثر التوحيد وتعظيم خطر الشرك .

ومن ذلكم أيضا وصيته صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله تعالى عنهما وكان عُمْر ابن عباس آنذاك دون البلوغ، : (( يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف” رواه الترمذي .

اخوة الدين : ولغرس التوحيد في نفوس الصغار طرقا وأساليبا فمن ذلك :

ترسيخ مبدأ الثواب والعقاب في نفوسهم، فيذكّرون بأن الله تعالى يراهم ويسمعهم ولا تخفى عليه خافية من أمورهم فإذا أحسنوا كان جزاؤهم إحسانا، وإذا أساؤوا كان جزاؤهم إساءة، ويحسن أن يذكر لهم بعض النصوص الشرعية التي فيها الدلالة على ذلك ، ومن تلك النصوص على سبيل المثال: “إنه هو السميع البصير” “يعلم السر وأخفى” “هل جزاء الإحسان إلا الإحسان” “اعلموا أن الله شديد العقاب وأن الله غفور رحيم”

ومما ينبغي التنبيه عليه في هذا المقام خطأ تربوي وهو تعليق تخويف الصغار عند خطأهم بأشياء وهمية كمجيء وحش إليه أو سقوط شعره أو انقلابه إلى حيوان وما شابه ذلك ، مما لا يرسخ خيرا في نفسه بل قد يزيده استمرارا على خطأه إذا لم ير مصداق ما قيل له .

معاشر المسلمين: ومن طرق غرس التوحيد تعظيم شأن الله تعالى في قلوبهم وأنه تعالى هو المستحق للعبادة لا معبود بحق سواه، وترسيخ هذا المعتقد في نفوسهم، وفي المقابل بيان الوجه المخالف المناقض وإيضاح بطلانه وضلاله، كمن يدعو غير الله أو يستغيث به من الأموات والصالحين ، وبيان ضلال السحرة والكهنة وأنهم كذابون دجالون منحرفون ، وعدم إهماله أو التساهل فيه ، وبخاصة في هذا الوقت التي أصبحت بعض القنوات تدعو إليه بل وتفرغت قنوات للترويج له واستقبال الرسائل والإجابة عليها من لدن أولئك السحرة والفجرة ، لذا فلا بد من تذكيرهم بقوله تعالى ( و لا يفلح الساحر حيث أتى ) و بحديث النبي صلى الله عليه وسلم “من أتى ساحرا أو عرافا لم تقبل له صلاة أربعين يوما …

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم …

الخطبة الثانية

الحمدلله رب العالمين ، وصلاة وسلاما على خير أنبياء الله أجمعين ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه الغر الميامين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين … أما بعد :

معاشر المسلمين: ومن طرق تعظيم التوحيد في نفوس الصغار :

البيان لهم والتوضيح بافتقار الخلائق إلى رحمة الله تعالى وأنهم جميعا محتاجون إليه فقراء أذلاء إليه وهو الغني الحميد .

معاشر المسلمين: ومن طرق تعظيم التوحيد في نفوس الصغار ربط التغيرات الكونية التي يرونها ويحسونها بالله تعالى. ومن أمثلة تلك الظواهر الكونية الكسوف والخسوف وهبوب الريح الشديدة وحصول الغبرة والقترة مع الأتربة ونزول المطر، فيبين للصغار أن الله تعالى يخلق ما يشاء ويفعل ما يشاء وأن الخلائق لو اجتمعوا على أن يردوا شيئا أو يغيروا شيئا من ذلك ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا.

معاشر المسلمين: ومن طرق تعظيم التوحيد في نفوس الصغار زرع محبة الله تعالى في قلوبهم. قال أبو الدرداء رضي الله تعالى عنه:(حببوا الله تعالى إلى الناس) وهذا الأمر مما ينبغي العناية به في شأن الصغار بخاصة .

ويكون ذلك بربط النعم عند ذكرها للصغير بمن أنعم بها وهو الله تعالى. فإذا لبس الصغير جديدا وفرح به ، ذكّره أهله بحمد الله ولقن ذلك، وإذا أكل أو شرب عُلّم البسملة في البدء والحمدلة عند الانتهاء، وأخبر أنه لولا فضل الله لما كان ذلك الطعام والشراب، وهكذا يسلك مع الصغار عند حدوث النعم وتجددها

معاشر المسلمين: ومن طرق تعظيم التوحيد ومحبة الله تعالى في نفوس الصغار العناية بإسماعهم لبعض سور القرآن وتفسيرها بأسهل أسلوب، وكذا بعض النصوص النبوية مع إيضاح ما قد يشكل فهمه عليهم، ومما ينبغي العناية به أيضا أن يكرر عليهم بعض الأذكار الصباحية والمسائية والمنامية و دعاء ركوب السيارة والسفر كي يحفظونها ويعملوا بها ، ويكون ذكر الله تعالى ملازما لهم .
معاشر الآباء : لا تنسوا في صلواتكم وخلواتكم وأوقات إجابة الدعوات من تعاهدهم بالدعوات الصالحة التي ينفعهم الله بها .

عباد الله: ِإنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)-
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين، وانصر عبادك الموحدين، واحمِ حوزة الدين ، اللهم نج اخواننا المستضعفين أهل السنة في كل مكان ، اللهم فرج كربهم واجعل الدائرة على عدوهم يا قوي يا عزيز .

اللهم آمنا في الأوطان والدور، وأصلح ووفق الأئمة وولاة الأمور، وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة وجنبهم بطانة السوء برحمتك يا أرحم الراحمين
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
اللهم اغفر لنا، ولآبائنا ولأمهاتنا، ولأولادنا ولأزواجنا، ولجميع المسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات.

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ*وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ*وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ …


شارك المحتوى: