المولد عند أهل الشريعة


المولد عند أهل الشريعة

“الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهرهُ على الدين كلِّه ، وكفى بالله شهيدا ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له ، إقرارًا به وتوحيدا ، وأشهد أن مُحمدًا عبده ورسوله ، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليما مزيدًا” … أما بعد : فإنَّ من تحقيق شهادة أن محمدًا رسول الله : اتباعَ شريعته ؛ والتقيُّدَ بسنته ؛ والإعراضَ عما زِيد فيها ، مما أحدَثَه المحدِثون ؛ فإنه لا خيرَ في عبادةٍ لم يعمل بها رسول الله ﷺ .

ولما وُجد من يُزِّينُ للناس ما لم يأذن به اللهُ ، من الابتداع في دِينه ما ليس منه = وجبَ – على من يستطيع – الذبُّ عن دين الإسلام ، محبةً لله ورسوله ﷺ ، ونصيحة للمسلمين ، وكلٌّ بحسَبه .

ودونكَ إشاراتٍ من كلام أعلام الإسلام ، تدلُّك وتُنبِّهك على عدم مشروعية الاحتفال بالمولد ، وذلك من خلال فنون الشريعة .

🔷 فعند أهل الاعتقاد : لو كان الاحتفال بالمولد خيرًا ؛ لَسبقنا إليه من هم خير مِنا !

🔸 قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : إنَّا نَقتدي ولا نَبتدي , ونتَّبع ولا نبتدع ، ولن نَضلَّ ما تمسكنا بالأثر .
[ أصول الاعتقاد لللالكائي (106) ]

🔸 وقال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه : كلُّ عبادةٍ لم يتعبَّدها أصحابُ رسول الله ﷺ ؛ فلا تعبَّدوها ؛ فإن الأول : لم يدَعْ للآخرِ مَقالا .
[ الحوادث والبدع للطرطوشي (149) ]

🔸 وقال معاذ بن جبل رضي الله عنه : إياكَ والبدعَ ، والتبدُّعَ ، والتنطعَ .. وعليك بالأمر العتيق .
[ ذم الكلام للهروي (537) ]

🔸 قال شيخ الإسلام رحمه الله عن الاحتفال بالمولد : ولو كان هذا خيرًا مَحضًا ، أو راجحًا ؛ لكان السلَف رضي الله عنهم أحقَّ به منَّا ؛ فإنهم كانوا أشدَّ محبةً لرسول الله ﷺ ، وتعظيمًا له مِنَّا ، وهم على الخير أحرص .
[ اقتضاء الصراط المستقيم (2/123) ]

🔸 وقال العلامة الألباني رحمه الله : أصلان ، لا بدَّ لكلِّ مسلمٍ أن يَدينَ اللهَ بهما :
1) الأصل الأول : ألَّا يَعبد إلا اللهَ .
2) والأصل الثاني : ألا يَعبده إلا بما شرعَ الله .
لم ؟ لأنَّ الدينَ قد أكملهُ الله تبارك وتعالى ؛ هذه الحقيقة مع الأسف غائبة عن أذهان كثيرٍ من المسلمين !
[ سلسلة الهدى والنور ، شريط (710) ]

🔷 وعند أهل التفسير :

🔸 قال الله تعالى : { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم }

🔸 قال ابن جُريج رحمه الله : كان قوم يزعمون أنهم يُحبون الله ، يقولون : إنا نحبُّ ربَّنا ! فأمرَهُم اللهُ أن يتَّبعوا مُحمدًا ﷺ ، وجعلَ اتباعَ محمدٍ علَمًا لحُـبِّه .
[ تفسير الطبري (6/323) ]

🔸 وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله : هذه الآيةُ الكريمة حاكمة على كلِّ مَن ادَّعى محبة الله ، وليس هو على الطريقة المحمدية ؛ فإنه كاذبٌ في دَعواه في نفس الأمر ، حتى يَتَّبعَ الشرعَ المحمديَّ ، والدِّين النبوي ، في جميع أقواله وأحواله .
[ تفسير ابن كثير (2/32) ]

🔷 وعند أهل الفقه : لا يَخلو الاحتفال بالمولد من أن يكونَ عادة ، أو عبادة ؛ فإن كان عادة ؛ فقبَّحَ اللهُ مَن جعلَ فرَحهُ بولادة خير خَلْق الله عليه الصلاة والسلام عادةً يَعتادها ! وإن كان عبادةً ؛ فليس يُصدِّقها دليلٌ صحيح من الكتاب ، أو السنة ، أو إجماعٌ ، أو قولُ صحابي ، أو تابعي ، أو أحدٍ من الأئمة الأربعة المتبوعين …

✊🏻 فإذا خلا من كل هذا ؛ فلتعلم أنه من أحبِّ العبادات إلى الشيطان !

ويُقال لمن استدلَّ باحتفال جمهور المسلمين في القرون المتأخرة بالمولد ، وذكر بعض الفتاوى في ذلك … :

🔸 قال شيخ الإسلام رحمه الله : ومَن اعتقد أنَّ أكثرَ هذه العادات المخالفة للسنن مجمَعٌ عليها ، بناءً على أنَّ الأمة أقرَّتها ، ولم تنكرها ؛ فهو مخطئٌ في هذا الاعتقاد ؛ فإنه لم يزلْ ، ولا يزالُ في كلِّ وقتٍ مَن يَنهى عن عامَّة العادات المحدَثة المخالفةِ للسُّنة ، وما يَجوز دعوى الإجماع بعملِ بلدٍ -أو بلادٍ- من بلاد المسلمين .
[ اقتضاء الصراط المستقيم (2/89) ]

ثم كم ذُكرَت الكَثرة في القرآن ، وأُريدَ بها الذمُّ ؟! وُذكرت القِلَّة ، وأُريدَ بها الثناء ؟!

ثم إنَّ العبرة في الدليل الشرعي ؛ المبني على الكتاب والسنة ؛ وأما أهلُ العلم ؛ فيُستدَلُّ لأقوالهم ، ولا يُستدَلُّ بها !

🔸 قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : إنَّ الحقَّ لا يُعرَفُ بالرجال ؛ اعرِفِ الحقَّ ، تعرفْ أهلَه .
[ الذريعة للراغب الأصفهاني (171) ]

👌🏻 وإن تعجَبْ : فعجبٌ استدلالُ بعضهم على جوازِ المولدِ بأبي لهب !

🔸 قال أبو عمرو بن العلاء رحمه الله : لا يزالُ الناس بخيرٍ ، ما تعُجِّبَ من العجب .
[ المورد للفاكهاني (13) ]

🔷 وعند أهل أصول الفقه :

🔸 قال العلامة تاج الدين الفاكهاني رحمه الله عن المولد : إمَّا أن يكون واجبًا ، أو مندوبًا ، أو مباحًا ، أو مكروهًا ، أو محرَّمًا .
▪ وهو ليس بواجبٍ – إجماعًا –
▪ ولا مندوب ؛ لأن حقيقة المندوب : ما طلبهُ الشرعُ من غير ذمٍّ على تركهِ .
وهذا : لم يأذن فيه الشرع ، ولا فعلَهُ الصحابة ، ولا التابعون ، ولا العلماء المتديِّنون (فيما علمتُ)
وهذا جوابي عنه بين يدي الله تعالى ؛ إنْ عنهُ سئلتُ .
▪ ولا جائز أن يكون مُباحًا ؛ لأنَّ الابتداع في الدين ليس مُباحًا بإجماع المسلمين .
⬛ فلم يبق إلَّا أن يكون مكروهًا أو حرامًا !
[ المورد في عمل المولد (10) ]

🔷 وعند أهل مصطلح الحديث :

السُّنة : ما جاء عن النبي ﷺ ، من قولٍ ، أو عملٍ ، أو تقرير ، أو صفة خَلْقية ، أو خُلُقية ؛ والاحتفالُ بالمولد : ليس واحدًا من هذه الخمسة ؛ فدلَّ على أنه ليس منها !

بل لقد تكاثرت نصوصُ السنة على التحذير من مثلِ هذا الاحتفال المخترع .

🔸 قال رسول الله ﷺ : وشرَّ الأمور : مُحدثاتها .
[ صحيح البخاري (7277) ]

🔸 وقال ﷺ : مَن أحدثَ في أمرِنا هذا ما ليسَ فيه فهو ردٌّ .
[ متفق عليه (2697) (1718) ]

وقال ﷺ : فعليكم بسنَّتي ، وسنَّةِ الخلفاء الراشدين المهديين ؛ عَضُّوا عليها بالنواجذ ، وإياكم والأمور المحدثات ؛ فإنَّ كلَّ بدعةٍ ضلالة .
[ صحيح سنن ابن ماجه (42) ]

🔷 وعند أهل التاريخ والسير : فإنهم اتفقوا على أنَّ مولدَ الرسول كان يوم الإثنين :

🔸 فقد سئل النبي ﷺ عن صومِ يوم الاثنين ؟ فقال : ذاك يوم وُلِدتُ فيه ، ويوم بعثتُ [ أو ] أنزلَ عليَّ فيه .
[ صحيح مسلم (1162) ]

واتفقوا على عام الوفاة وشهرِه :

🔸 فقال الحافظ ابن حجر رحمه الله : وكانت الوفاة النبوية في شهر ربيع الأول ، سنة إحدى عشرة باتفاق .
[ فتح الباري (9/448) ]

واختلفوا في الشهر واليوم الذي وُلد فيه ؛ فقِيل في شهر صفر ؛ وقيل في ربيع الأول ؛ وقيل في ربيع الآخر ؛ وقيل في رجب ؛ وقيل في رمضان ؛ وقيل في شهر ربيع الأول يوم 2 أو 8 أو 10 أو 12 أو 17…
وليس لأحدِ هذه الآراء ما يُرجِّحه على الآراءِ الأخرى .
[ انظر سيرة ابن هشام (1/158) والبداية والنهاية لابن كثير (2/320) وعيون الأثر لابن سيد الناس (1/33-34) ]

✊🏻 فكيف يَفرحُ المسلمُ ويَحتفلُ في الشهر الذي انطفأ فيه نورُ الوحي ، وانقطع بالمسلمين الأمان من العذاب ؛ الذي جعله اللهُ في الأرض ؛ فقال سبحانه : { وما كان اللهُ ليعذِّبهم وأنت فيهم } ؟!

🔸 قال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه : أمانان كانا في الأرض : فرُفِعَ أحدُهما ، وبقيَ الآخر .
[ مستدرك الحاكم (1989) ]

بل كيف يفرحُ ويحتفلُ المسلم في شهرٍ وَقعتْ فيه مُصيبة تهونُ دونها كلُّ مصيبة ؟!

🔸 قال رسول الله ﷺ : إذا أصابَ أحدَكم مصيبةٌ ؛ فليذكُرْ مصيبتهُ بي ؛ فإنها من أعظمِ المصائب .
[ صحيح الجامع (347) ]

🔸 وقال أنس بن مالك رضي الله عنه : وما رأيتُ يومًا كان أقبحَ ، ولا أظلمَ ، من يوم ماتَ فيه رسول الله ﷺ ..
[ شرح السنة للبغوي (3834) ]

🔸 وقال العلامة تاج الدين الفاكهاني رحمه الله : الشهر الذي ولد فيه ﷺ ، وهو ربيع الأول : هو بعينه الشهرُ الذي تُوفي فيه ؛ فليسَ الفرحُ فيه بأولى من الحزنِ فيه !
[ نقله السيوطي في : الحاوي للفتاوي (1/224) ]

والحقيقة أن هذا الاحتفال من مكرِ الروافضِ والقرامطةِ العُبيديين (الذين سمَّوا أنفسهم زورا بــ : الفاطميين) ، ومن استدراجهم للمُسلمين ؛ فإنَّهم أوَّلُ مَن ابتدعَ هذا الاحتفال !

🔸 قال العلامة المقريزي رحمه الله : وكان للخلفاء (الفاطميين) في طولِ السنة أعيادٌ ومواسمُ … ( ثم عدَّها ؛ ومنها المولد النبوي )
[ المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار (1/490) ]

🔸 وقال مفتي مصر -سابقًا- محمد بن بخيت المطيعي رحمه الله : إنَّ أولَ مَن أحدَثها ‏بالقاهرة : الخلفاء (الفاطميون) وأوَّلهم : (المعز لدين الله) .
[ أحسن الكلام فيما يتعلق بالسنةِ والبدعة من الأحكام (44) ]

🔸 وقال علي محفوظ رحمه الله : أوَّلُ مَن أحدَثها بالقاهرة الخلفاء (الفاطميون) في القرن الرابع .
[ الإبداع في مضار الابتداع (126) ]

💡 قال القاضي عياض عن العُبيديين : إنَّ حالَ بني عبيد : حالُ المرتدّين والزنادقة .
[ ترتيب المدارك (4/720) ]

فهذا التقليد الأعمى لأهل الشركِ والزندقة ، مصداقُ قولِ النبي ﷺ : لا تقومُ الساعة ، حتى تأخذَ أمتي بأخذِ القرونِ قبلَها ، شبرًا بشبرٍ ، وذراعًا بذراع .
[ صحيح البخاري (7319) ]

🔹 وعند الشعراء :

قال أحدهم :
🔹 ألا قلْ لهمْ قولَ عبدٍ نصوحٍ
وحقُّ النصيحةِ أن تستمَعْ :

🔹 متى علمَ الناسُ في دِيننا
بأنّ الغِنا سُنّة تُتّبعْ ؟

🔹 وأن يأكلَ المرءُ أكلَ الحمارِ
ويَرقصَ في الجمعِ حتى يقعْ ؟

🔹 وقالوا : “سَكِرْنا بحبِّ الإلهِ”
وما أسكرَ القومَ إلَّا القِصَعْ

🔹 كذاكَ البهائمُ إن أُشبعَتْ
يرقِّصُها رِيُّها والشِّبَعْ

🔹 ويُسكِرهُ النايُ ثمَّ الغِنا
وياسينُ لو تليَتْ ما انصَدَعْ

🔹 فيا للعقولِ ويا للنُّهى
ألا مُنكِرٌ منكمُ للبدَعْ

🔹 تُهانُ مساجدُنا بالسماعِ
وتكرَمُ عن مِثْلِ ذاكَ البِيَع !

💡 فاحرص أيها الأخ المحبُّ لدِينه ولنبيِّه .. ألا يستدرجك الشيطان ؛ فتقع في حبائله ، وإياك إياك وهذا الاحتفال الذي ابتدعه أعداء الإسلام ؛ فإن حبَّ النبي ﷺ لا يكون بمخالفة أمره وهديه .. !

☝🏻 والله أعلم ، وصلِّ اللهم وسلِّم على نبيِّنا وحبيبنا مُحمدٍ ، وآله وصحبه ، والحمد لله ربِّ العالمين .

أخوكم : فراس الرفاعي
١٢ ربيع الأول ١٤٣٦ هـ

المولد عند أهل الشريعة


شارك المحتوى:
1