الرد على المخالف من النصح والشفقة


الرد على المخالف من النصح والشفقة

بسم الله الرحمن الرحيم

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ……….. أما بعد :

فيعارض بعض الناس على مبدأ الرد على المخالفين، ودوافع هؤلاء المعارضين متباينة ؛ إما أنه حسن ظن منهم بالمردود عليهم، أو جهل منهم بأن الرد على المخالف مطلب شرعي، أو لدوافع حزبية حالية أو سابقة مترسبة أو لغير ذلك .

ومن محبة الخير لهؤلاء كتبت هذه المقالة (الرد على المخالف من النصح والشفقة) .

أخرج العقيلي (1/232) عن أبِي صالِح الفراء, قال: حكيتُ ليوسف بن أسباط عن وكيعٍ شيئًا من أمر الفتن.

فقال: ذلك أُستاذه -يعنِي: الْحَسن بن صالِح-.

فقلتُ ليوسف: أما تَخاف أن تكون هذه غيبةً؟

فقال لِي: لِمَ يا أحْمَق, أنا خيرٌ لِهؤلاء من آبائهم وأمهاتِهم, أنا أنْهَى الناس أن يعملوا بِما أحدثوا فتتبعهم أوزارهم, ومن أطراهم كان أضرَّ عليهم”.

وأخرج أبو نعيم في الحلية (2/335): قال عاصم الأحول: جلستُ إلَى قتادة فذكر عَمرو بن عُبيد فوقع فيه ونالَ منه، فقلت: أبا الخطاب, ألا أرى العلماء يقعُ بعضهم فِي بعض؟!

فقال: يا أحول, أوَلا تدري أن الرجل إذا ابتدع فينبغي له أن يُذكر حَتَّى يُحذر”. (قال الشاطبِي -رحِمه الله- ( الاعتصام (2/ 731) ) معلقًا على هذا الأثر: “فمثل هؤلاء لابد من ذكرهم, والتشهير بِهم؛ لأن ما يعودُ على الْمُسلمين من ضررهم إذا تُركوا أعظم من الضرر الْحَاصل بذكرهم, والتنفير عنهم, إذا كان سبب ترك التعيين الْخَوف من التفرق والعداوة, ولا شكَ أن التفرق بين الْمُسلمين والداعين للبدعة وحدهم إذا أقيمَ عليهم أسهل من التفرق بين المسلمين ومن شايعهم واتبعهم, وإذا تعارض الضرران فالمرتكب أخفهما وأسهلهما, وبعضالشرِّ أهون من جَميعه, كقطع اليد الْمُتآكلة, إتلافها أسهل من إتلاف النفس, وهذا شأن الشرع أبدًا: أن يطرح حكم الأخفِّ وقايةً من الأثقل”. ا.هـ.

وقد رأيت لهؤلاء المخالفين على مبدأ الرد على المخالف اعتراضات مبنية على غير العلم الشرعي؛ إما أنها عواطف أو حماسات أو غير ذلك، وسأذكر أشهرها وأجاوب عليها- إن شاء الله – باختصار:

الاعتراض الأول/ أنه لا فائدة من الرد على المخالف.

إن الرد على المخالف دين؛ لأنه من إنكار المنكر، وكما نقبله على العلمانيين والليبراليين والصوفية والرافضة لحفظ الدين، بل ونقبله للرد على دعاة المنكرات كدعاة الغناء بالموسيقى ودعاة الاختلاط، فكذلك يجب أن نقبله على الدعاة المخالفين؛ لأن الناس يتأثرون بهم أكثر من غيرهم، وراجع مشكوراً مقالاً بعنوان : الرد على المخطئ ليس بغيبة والفرق بين النصيحة والغيبة

http://islamancient.com/play.php?catsmktba=3071

الاعتراض الثاني / الرد على المخالف يفرق الأمة.

إن الشريعة تدعو إلى اجتماع مقيد بالحق لا إلى مطلق الاجتماع، قال تعالى {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103] أي اجتمعوا على الحق . وهل يصح أن يقال عن رجال الحسبة الذين يسعون في سجن أصحاب المعاصي الشهوانية وتنفيرهم إنهم مفرقة؟! وأيضاً وهل يقال هذا فيمن يجهر بالدعوة إلى الغناء بالموسيقى؟! أو إلى الاختلاط أو إلى التبرج؟! فإن لازم هذا الاعتراض عدم الرد على هؤلاء حتى لا تفرق الأمة .

الاعتراض الثالث / إن الرد على المخالف غيبة .

إن هناك فرقاً بين الغيبة والنصيحة، وحقيقة الرد على المخالف نصيحة حتى لا يتبع على باطله، فكما يجوز التكلم فيمن سئل عنه لأجل الزواج وهو مصلحة خاصة، فجواز التكلم على من يفسد الأمة من باب أولى.

ثم لماذا التناقض فلا يقال فيمن تكلم في السلفيين المسمين – زوراً – بالجاميةإن كلامهم غيبة، وكذلك التكلم في حكام المسلمين ، وهل أيضاً الإنكار على دعاة الاختلاط والموسيقى يسمى غيبة ؟

كلا ليس التحذير من دعاة الاختلاط غيبة لأنه نصيحة ومثله التكلم في الدعاة الذين يدعون لباطل .

الاعتراض الرابع / لا يصح التحذير من الدعاة ولو أخطئوا فإن كلاً له أخطاء.

فرق بين الأخطاء التي هي كفرية، والأخطاء التي هي بدعية، والأخطاء التي يسوغ الخلاف فيها كالمسائل الفقهية، والأخطاء العرفية وهكذا …

إن المراد من الرد الذي هو تحذير من المخطئ، إنما يكون على المسائل الكفرية والبدعية، لا على المسائل الاجتهادية وغيرها، فلا يخلط هذا بهذا .

الاعتراض الخامس/ إنه لا يرد على المخطئ لأن له حسنات .

لازم هذا ألا يرد على أحد؛ لأن الله لم يخلق شراً محضاً حتى إبليس ليس شراً محضاً كما بين هذا ابن تيمية وابن القيم ، فهل يصح لأجل الحسنات ألا يرد على داعية الموسيقى والاختلاط ؟ كلا لا يصح بل يجب الرد عليه ولو كانت عنده حسنات. وهكذا يرد على الدعاة الذين يدعون لباطل من باب أولى ، والحسنات لا تضيع عند الله ، لكن في حكم الدنيا يجب الرد عليه حماية للشريعة ألا ينسب إليها ما ليس منها، وكذلك لئلا يتبعهم المسلمون على الباطل .

الاعتراض السادس/ إنه يجب حب أهل الخير ومنهم الدعاة فلا يتكلم فيهم .

والله إني أحبهم كما تحبونهم، لكن لما وقعوا فيما يستوجب التحذير منهم من مخالفة الشريعة في ارتكاب البدع والمعاصي الشهوانية كالاختلاط المحرم وغير ذلك، وجب التحذير منهم طاعة لله . فمقتضى الحب لله أن تحبهم إذا أطاعوا الله، أما إذا عصوه ودعوا إلى ما حرم الله من البدع والمعاصي الشهوانية فوجب بغضهم . لأن حب الله مقدم على كل أحد

الاعتراض السابع/ إن التحذير من هؤلاء الدعاة يفرح الجامية .

تقدم تكراراً ومراراً أنه لا يوجد شيء اسمه جامية، فهو لقب تنفيري مثل الوهابية . ذكر هذا شيخنا العلامة صالح الفوزان – حفظه الله –

http://islamancient.com/blutooth/242.mp3

ثم لماذا لا تعامل هؤلاء الذين أسميتهم بالجامية معاملة بقية المسلمين ، أليس لهم حسنات؟ وأليس الكلام فيهم غيبة؟ … ثم عدم التحذير ممن يستحق التحذير عناداَ لمن يسمون جامية هو عناد محرم والعناد مهلك فلا يستهان به فقد يوقع في الكفر كما حصل لكفار قريش أو في البدعة كما حصل لكثير من الرافضة والشيعة والصوفية وهكذا .. فانتبه لنفسك ألا تأثم لعنادك بل قد تبتدع .

الاعتراض الثامن / إن كثيراً من الكلام في الدعاة مبتور فلا يعتمد عليه .

هذه دعوى يلزم مدعيها أن يثبتها ولا يكتفي بالقيل والقال والزعم، فهو زاد المفلسين . وهذه الدعاوى إذا لم يبرهن لها لا يلتفت إليها، وقد أمهلت بعض مدعيها برهة من الزمن فلم يستطيعوا إثباتها

والدعاوى إن لم يقيموا عليها بينة فأصحابها أدعياء

الاعتراض التاسع / كيف ينتقد على الداعية هذا الكلام وله كلام في موضع آخر على خلاف هذا .

هذه طريقة سياسية ماكرة يصنعها بعض دعاة التحزب يذكر في لقاء كلاماً وفي لقاء آخر كلاماً آخر، أو في المجالس العامة كلاماً وفي المجالس الخاصة كلاماً آخر ليخدع مريديه ويحير مخالفيه.

وهؤلاء إن كانوا صادقين في توبتهم فليتبرؤوا من كلامهم الآخر المتضمن خطأ ولا يكتفي بخديعة الناس بتغيير الكلام ، قال تعالى {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا} [البقرة: 160]

فإنه يجب في التوبة حتى تقبل شرعاً أن تجمع بين هذه الأمور الثلاثة

الاعتراض العاشر/ إنه لا تصح تسمية المخالفين فإنا لم نسمع علماءنا سموا مخالفاً .

إن التسمية طريقة شرعية، ويدل عليها ما أخرج الشيخان عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إنه يخرج من ضئضئ هذا قوم يتلون كتاب الله رطبا …” فعينه . وهو تعيين كالتسمية .

وفعل هذا السلف الصالح فما أكثر ما سمى الإمام أحمد ، فقد رد على جماعة وسماهم كالكرابيسي والحسن بن صالح وآخرين كثرين .

وما أكثر ما سمى الإمام ابن باز في مجموع فتاواه ومقالاته حتى جمعه بعضهم في كتاب ، وما أكثر ما سمى الإمام الألباني فقد سمى القرضاوي وشيخه الغزالي وغيرهما كثير وقدم لكتاب ( مدارك النظر ) وفيه تسمية كثير من الدعاة .

وكذلك ما أكثر ما سمى الشيخ صالح الفوزان وعدّ جمع أخطاء بعض الدعاة في شريط من الدعوة إلى الله

http://islamancient.com/blutooth/184.mp3

وكذلك قدم لكتب مثل كتاب ( الإرهاب ) للشيخ العلامة زيد بن هادي المدخلي ، وفيه تسمية كثيرين .

فكيف يرغب عن التسمية وتذم وقد دل عليه فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعل العلماء بعده .

الاعتراض الحادي عشر / إن الردود لا تقبل لأن فيها شدة .

الأصل في الرد وغيره الرفق وعدم الشدة ، لكن قد ينتقل عن هذا الأصل لشدة الجرم أو لأجل مصلحة وهكذا .. فلو زنى رجل بأحد محارمه لأشتد الناس ذماً وقدحاً فيه، وهذه الشدة محمودة مع أنه مسلم؛ لأن الجرم يستحق هذا ، وكذلك تبديل الشريعة باسم الدين والدعوة إلى الله جرم عظيم ، وقد شددت الشريعة على الخوارج مع أنهم مسلمون فسمتهم كلاب النار، ووصفتهم بأنهم شر الخلق والخليقة وهكذا …

ثم ليعلم أن الشدة نسبية أحياناً . فإذاً من شدّ فله اجتهاده ، فإن هذا مما يسوغ الخلاف في تطبيقه على الواقع، ثم لنفرض أن راداً أخطأ في الشدة فإن خطأه هذا لا يصح أن يكون صارفاً عن قبول الحق منه لمن كان متجرداً ، فالخطأ في الأسلوب أهون بكثير من الدعوة إلى البدع والمخالفات الشرعية .

الاعتراض الثاني عشر / أن الراد يريد الشهرة لأجل هذا يرد على الرموز الدعوية .

وهذا ما لا يصح الالتفات إليه لما يلي:

أولاً: أنه طعن في النيات وهذا محرم، فما أكثر ما ردت الردود ولم تقبل على الأخطاء الظاهرة بحجة عدم قبول الطعن في النيات مع أن الأخطاء المردود عليها ظاهرة ، فكيف الآن يبادر في الطعن في النيات وفي أمور غير ظاهرة .

ثانياً: من أراد الشهرة فطريقها سهل، وهو سلوك طريقة مصادمة الحكومات تلميحاً أو تصريحاً، كما يفعل هؤلاء الدعاة . وهذا ليس صعباً لولا أن الدين منعه . والآن لا يخشى على صاحبها أمنياً كما هو الحال قبل .

ثالثا: لنفرض أن الراد أراد شهرة برده فهذا لا يهمنا وإنما المهم النظر في حجته ودليله . وهذا مثل محقق للكتاب بأجرة يتقن تحقيقه لأجل الدنيا ، فيستفاد من تحقيقه ولا يلتفت إلى نيته .

إلى غير ذلك من الاعتراضات الباردة التي لو تجرد صاحبها للحق مع العلم الشرعي لما كانت سبباً لصده عن الحق .

ووالله إن دعاة السنة اليوم الرادين على الدعاة المخالفين ومنهم الإخوان المسلمون يسلكون طريقاً صعباً معارضة لأهواء الناس كما هو الواقع ، مما يظن – في الغالب – أنهم لا يريدون وراءه إلا نصحاً للعباد والشفقة عليهم للفوز بالدار الآخرة فبادروا الفرص بالاقتراب منهم والاستماع إليهم ، وأزيلوا ما على أعينكم من غشاوة تجاههم وكونوا أكبر من تشويه خصومهم ، وتشويه المغترين بخصومهم مع التنبه إلى أن الخطأ من دعاة السنة ليس محسوباً على السنة كما أن خطأ المسلم ليس محسوباً على الإسلام.

أسأل الله أن يرد ضال المسلمين للهدى ويجمعنا جميعاً في الفردوس الأعلى .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

د. عبد العزيز بن ريس الريس

المشرف على موقع الإسلام العتيق

http://islamancient.com/

19 / 8 / 1434 هـ


شارك المحتوى:
0