أنا إمام مسجد وأصلي الوتر على مذهب أبي حنيفة لأتألف الناس، هل أنا آثم بصلاتها كالمغرب؟


يقول السائل: أنا أصلي التراويح إمامًا في المسجد، وأنا مضطرٌّ أن أصلِّيَ الوتر بمذهب أبي حنيفة، لكي أتألَّف قلوب الناس، وأبقى معلماً هناك، وأدعو إلى منهج السلف، هل عَلَيَّ إثم في صلاة الوتر مثل المغرب؟

يقال: الجواب عن هذا السؤال: إن صلاة الوتر مثل صلاة المغرب، أي: أن صلاة الوتر ثلاثًا، هذا ليس خاصًّا بمذهب أبي حنيفة، بل ثبت عن جمع من الصحابة، ثبت عند ابن أبي شيبة عن عمر وأبي أمامة، وثبت عن علي وعائشة عند ابن المنذر، وعن ابن مسعود-رضي الله عنه- وعن جمع من صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

فليس خاصًّا بمذهب أبي حنيفة، بل عليه الصحابة –رضي الله عنهم-، وثبت عند البيهقي عن أبي أيوب الأنصاري –رضي الله عنه- أنه قال: «من أحبَّ أن يوتر بخمس فليفعل، ومن أحبَّ أن يوتر بثلاثة فليفعل، ومن أحب أن يوتر بواحدة فليفعل».

وأيضًا ثبت عند ابن المنذر عن ابن مسعود أنه قال: «الوتر بثلاثٍ، كوتر نهار المغرب».

فإذًا، صلاة الوتر ثلاثًا، هذا ليس خاصًّا بمذهب أبي حنيفة.

لكن تنازع العلماء هل تُصلَّى بتشهُّدَين أو بتشهُّدٍ واحد؟

منهم من ذهب إلى أن تُصلَّى بتشهُّدٍ واحدٍ حتى لا تُشابِه صلاة المغرب، واستدلَّ بما رُوِي عن أبي هريرة عند البيهقي أنه قال: «لا توتروا بثلاثة، تشبهوا بالمغرب».

فيقال في أثر أبي هريرة: إنْ صَحَّ فإنه محمول على أن أبا هريرة لا يرى الوتر ثلاثًا، وهذا مخالف لقول عمر وعثمان وغيرهم من الصحابة، ومن هؤلاء الصحابة الخلفاء الراشدون كعمر وعلي، وقول الخلفاء الراشدين مقدَّم على غيره لحديث ما رواه الخمسة إلا النسائي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «عليكم بسنَّتي، وسنَّة الخلفاء الراشدين المهديِّين».

أما القول بأن أبا هريرة كان يرى أن تصلى ثلاثًا لكن بتشهُّدٍ واحدٍ كما ذهب إلى ذلك الحافظ ابن حجر فإنه أراد أن يجمع بين قول: «لا توتروا بثلاث، تشبهوا بالمغرب»، وبين الآثار، بأن يُحمَل هذا على تشهد واحد.

وهذا فيه نظر، ولم أر أحدًا جَمَع هذا الجمع إلا الحافظ ابن حجر، ثم تبعه من بعده، ولم أرَ أحدًا سبقه إلى هذا.

وهذا فيه نظر – والله أعلم-؛ بل ظاهر آثار الصحابة أنها تصلى كالمغرب، أي: أن تصلى بتشهدين، ويؤيد ذلك قول ابن مسعود-رضي الله عنه- قال: «الوتر بثلاث كوتر النهار المغرب»، فشبَّهها بصلاة المغرب، ولصلاة المغرب تشهُّدان.

فإذاً الأظهر – والله أعلم- أنها تصلى بتشهُّدَين ، ويصح أن تصلى بتشهُّدٍ واحد، لأن التشهد الأول مستحبٌّ، وليس واجبًا، لكنه خلاف الأفضل، والأفضل أن تُفصَل، بأن تُصلَّى ركعتين، ثم ركعتين، ثم يسلم، ثم يصلي ركعة.

وذهب إلى هذا الإمام أحمد-رحمه الله تعالى-، وذكر أن أكثر الأحاديث على ذلك.

فإذاً، لو أوتر بثلاث بتشهُّدَين لصح هذا، وعليه ظاهر الآثار، ولم ينفرد بذلك أبو حنيفة كما هو ظاهر كلام السائل، بل هذا أيضًا قول الحنفية وهو قول عند الشافعية والحنابلة.

وبعد هذا، فكون السائل أراد أن يترك أمرًا لأجل تأليف الناس، هذا يدل على حكمته وفهمه، فإن ترك المستحبات لأجل لتأليف الناس مطلوب شرعًا.

وفي هذا الصدد أذكّر أنه واجب على أهل السنة أن يتألَّفوا قلوب الناس، ولو استدعى الأمر إلى ترك المستحب عَمَليًّا، ثم بعد ذلك يُدعَى الناس إليه قوليًّا، ويمهَّد معهم رويدًا رُوَيدًا، ولو لم يستطع، فتقديم الأهمّ، وهو تعليم الناس السنَّة، وتحذيرهم من البدعة أَولَى مِن فعل المستحبات.

أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يعلِّمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علَّمنا، وجزاكم الله خيرًا.

dsadsdsdsdsads

شارك المحتوى: