إنَّ الحمدَ للهِ، نحمدُهُ ونستعينُهُ ونستغفِرُهُ، ونعوذُ باللهِ مِن شرورِ أنفُسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، مَنْ يهدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لهُ، وَمَن يُضلِلْ فَلَا هادِيَ لهُ، وأشهدُ أنْ لَا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ.
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1].
أمَّا بعدُ:
فإنَّ شهرَ رمضانَ شهرُ صَومٍ وقيامٍ وقراءةٍ للقرآنِ، وصدقةٍ وإحسانٍ، فهُوَ مدرسةٌ أيَّمَا مدرسةٍ، والمُوَفَّقُ مَنْ استفادَ مِن هذهِ المدرسةِ في عمومِ السنةِ، بَلْ في عمومِ حياتِهِ، ومِن فوائِدِ هذهِ المدرسةِ مَا يَلي:
أولًا: عَدَمُ قَطعِ الصِّيامِ، إنَّ الصِّيامَ عِبادَةٌ عظيمةٌ، وفي الجنَّةِ بابٌ خاصٌّ يُسمَّى بابَ الرَّيانِ، لا يدخُلُهُ إلَّا الصائمونَ، فَلَا أقَلَّ مِن أنْ يصومَ المسلمُ ثلاثةَ أيَّامٍ مِن كُلِّ شهرٍ، فإنَّهُ يُعادِلُ صِيامَ السَّنَةِ، عَن عبدِ اللهِ بنِ عمرٍو بنِ العاصِ -رضيَ اللهُ عنهُ- أنَّ النبيَّ ﷺ قالَ: «وإنَّ بحسْبِكَ أنْ تصومَ كُلَّ شهرٍ ثلاثةَ أيَّامٍ، فإنَّ لكَ بكُلِّ حسَنَةٍ عشرَ أمثالِهَا، فإنَّ ذلكَ صيامُ الدَّهرِ كُلِّهِ …» الحديثُ. رواهُ البخاريُّ ومسلمٌ.
ومِن الصيامِ المستحبِّ صيامُ سِتَّةِ أيَّامٍ مِن شوالٍ، فهوَ مَعَ رمضانَ كأجرِ صيامِ سنةٍ كاملةٍ، رَوَى الإمامُ مسلمٌ عن أبي أيوبَ الأنصاريِّ -رضيَ اللهُ عنهُ- أنَّ النبيَّ ﷺ قالَ: «مَنْ صَامَ رمضانَ ثُمَّ أتبعَهُ سِتًّا مِن شوالَ كانَ كصِيامِ الدَّهْرِ».
فَلَا تَفوتنَّكَ هذهِ السُّنةُ، وبادِرْ فإنَّ البِدَارَ بِها أرجَى لفِعْلِها، لاسِيَّمَا وَلَا زالَتْ النُّفوسُ مُعْتَادَةً على الصِّيامِ.
ثانيًا: القيامُ، فَقَدْ اعتادَ المسلمونَ قيامَ رمضانَ في صلاةِ التراويحِ، فليَستَفِدْ مِن هذا الموفَّقُ وليُداوِمْ على القيامِ، فإنَّهُ صفةُ المُتعبِّدينَ، وطريقةُ السائرينَ إلى اللهِ ربِّ العالمينَ، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا﴾ [الفرقان: 64].
فَلَا تَتْرُكْ القيامَ وَلَو أنْ تُصلِّيَ قبلَ النومِ رَكَعَاتٍ ثم تُوتِرُ، أو تُصلِّيَ بعدَ راتبةِ العشاءِ ركعاتٍ ثُمَّ تُوتِرَ، رَوَى مسلمٌ وغيرُهُ عن جابرٍ -رضيَ اللهُ عنهُ- أنَّ النبيَّ ﷺ قالَ: «مَن خافَ ألَّا يقومَ مِن آخرِ الليلِ فَليوتِرْ أوَّلَهُ، وَمَن طَمِعَ أنْ يقومَ آخرِهُ فليوتِرْ آخرَ الليلِ، فإنَّ صلاةَ آخرِ الليلِ مشهودةٌ، وذلكَ أفضلُ».
ثالثًا: قراءَةُ القرآنِ، إنَّ شهرَ رمضانَ شهرُ القرآنِ، قالَ تعالَى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾ [البقرة: 185] وإنَّ الاستمرارَ في قراءةِ القرآنِ عبادةٌ عظيمةٌ كثيرةُ الأجرِ والحسناتِ، رَوَى الإمامُ مسلمٌ عن أبي أمامةَ -رضيَ اللهُ عنهُ- أنَّ النبيَّ ﷺ قالَ: «اقرَءَوا القرآنَ فإنَّهُ يأتي يومَ القيامةِ شفيعًا لأصحابِهِ».
وَرَوَى سعيدُ بنُ منصورٍ عن ابنِ مسعودٍ -رضيَ اللهُ عنهُ- أنهُ قالَ: “الحرفُ في كتابِ اللهِ بحسنةٍ، والحسنةُ بعشرِ أمثالِها، لا أقولُ ألم حرفٌ، ولكن (ألفٌ) حرفٌ، و(لامٌ) حرفٌ، و(ميمٌ) حرفٌ“.
ويَزيدُ أجرُ القرآنِ عندَ تدبُّرِهِ، قالَ تعالَى: ﴿أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ [محمد: 24] فاجعَلْ لَكَ في كُلِّ شهرٍ ختمةً أو ختمتينِ أو أكثَرَ، فَلَا أقلَّ مِن أنْ تقرَأَ كُلَّ يومٍ جزءً مِن القرآنِ.
اللهُمَّ وَفِّقنا للطَّاعاتِ، واستعمِلْنَا في مَرَاضيكَ، وَجَنِّبنا مَا يُسْخِطُكَ يا رَبَّ العالمينَ.
أقولُ مَا تسمعونَ، وأستغفِرُ اللهَ لي ولكُمْ فاستغفروهُ، إنَّهُ هُوَ الغفورُ الرحيمُ.
الخطبةُ الثانيةُ:
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، أمَّا بعدُ:
فإنَّ مِن رحمةِ اللهِ أنَّ الحسنةَ تدعو أُختَهَا، كَمَا أنَّ السيئةَ تدعو أُختَهَا، قالَ تعالَى: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى﴾ قالَ عروةُ بنُ الزبيرِ وغيرُهُ مِن السلفِ: الحسنةُ تدعو أُختَهَا، والسيئةُ تدعو أُختَهَا.
فَمَن وُفِّقَ للطاعاتِ وعبادةِ اللهِ فليُتبِعْهَا بمِثْلِها وليستمِرْ على ذلكَ، فإنَّ مِن علامةِ التوفيقِ والقَبولِ أنْ يستمرَّ العبدُ مُقبِلًا على اللهِ تعبُّدًا وتقرُّبًا لينجوَ مِن نارٍ تلظَّى لا يصلاهَا إلَّا الأشقَى، وليكُنْ مُستعِدًّا يومَ هجومِ هادِمِ اللذَّاتِ ومُفرِّقِ الجماعاتِ، فيفوزَ مَعَ الفائزينَ وينجوَ مَعَ النَّاجينَ، قالَ تعالَى: ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ﴾ وقال: ﴿فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾.
فاللهَ اللهَ بالبِدارِ البدارِ، وأخذِ النفسِ بالحزمِ والعزمِ للنجاةِ مِن النارِ والفوزِ بالجنانِ، اللهُمَّ وفِّقنا للطَّاعاتِ، اللهُمَّ سَدِّدْنَا وأعِنَّا، اللهُمَّ اجْعَلنا مِمَّنْ يُداوِمُ على عبادَتِكَ والسَّعيَ في مراضِيكَ.
خطبة مدرسة رمضان – د. عبدالعزيز بن ريس الريس
مدرسة رمضان يا طلاب الجنان