شفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم-
د. يوسف بن محمد السعيد
شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ… أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ، وَاعْلَمُوا رَحِمَكُم اللَّهُ أَنَّ شَفَاعَة َنَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم لِأَهْلِ الْإِيمَانِ ثَابِتَةٌ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَهْي مِمَّا يَجْتَهِدُ فِيهَا النَّاصِحُونَ لِأَنْفُسِهِم لِتَحْصِيلِهَا، وَقَدْ مَنَّ اللَّه عَلَيْكُم بِرَسُولٍ وَصَفَهُ بِقَوْلِهِ: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}
وَلَمَّا كَانَ مَوْقِفُ الْقِيَامَةِ مَوْقِفًا عَسِيرًا، وَعُدِمَت فِيْه الْخُلَّةُ وَالشَّفَاعَةُ وَالْبَيْعُ و الْفِدْيَةُ كَمَا قَال تَعَالَى: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ}
فَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ مَخْرَجًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، بِشَفَاعَةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، فَقَدْ قَالَ صلى الله عليه وسلم فِيْمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ:” لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ يَدْعُوهَا، فَأُرِيدُ أَنْ أَخْتَبِئَ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَة” وقال صلى الله عليه وسلم فِيْمِا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ بِسَنَدٍ صَحِيح:” شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي” وَشَفَاعَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِأَهْلِ الْإِيمَانِ لَهَا أَسْبَابٌ تَحْصُلُ بِهَا، فَأَوَّلُهَا الْإِخْلَاصُ لِلَّهِ تَعَالَى، رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ:” أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ، مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ، أَوْ نَفْسِهِ“
وَمِنْهَا: الدُّعَاءُ بِمَا وَرَدَ عِنْدَ الْأَذَانِ، قَالَ صلى الله عليه وسلم فِيْمَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ:” مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، وَالصَّلاَةِ القَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الوَسِيلَةَ وَالفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ، حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ“
وَمِنْهَا: سُكْنَى الْمَدِينَةِ وَالصَّبْرُ عَلَى لَأْوَائِهَا، رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:” لَا يَصْبِرُ عَلَى لَأْوَاءِ الْمَدِينَةِ وَشِدَّتِهَا أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِي، إِلَّا كُنْتُ لَهُ شَفِيعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَوْ شَهِيدًا“، وَقَالَ صلى الله عليه وسلم فِيْمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ “ مَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَمُوتَ بِالْمَدِينَةِ فَلْيَفْعَلْ، فَإِنِّي أَشْفَعُ لِمَنْ مَاتَ بِهَا“
وَمِنْهَا: الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَدْ رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ وَابْنُ أَبِي عَاصِمٍ وَالطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:” مَنْ صَلَّى عَلَى مُحَمَّدٍ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ أَنْزِلْهُ الْمَقْعَدَ الْمُقَرَّبَ عِنْدَكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِي“،
وَمِنْهَا: كَثْرَةُ السُّجُودِ، فَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَن رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبٍ الْأَسْلَمِيِّ، قَالَ: كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ فَقَالَ لِي: “سَلْ” فَقُلْتُ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ. قَالَ” أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ” قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ. قَالَ: “فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ “ هَذِه بَعْضُ الْأَسْبَابِ الَّتِي تُنَالُ بِهَا شَفَاعَةُ نَبِيِّ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فاحْرِصُوا عَلَيْهَا. بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُم…
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إحْسَانِهِ… أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ، وَاعْلَمُوا رَحِمَكُم اللَّهُ أَنَّ شَفَاعَةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْآخِرَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ أَنْوَاع ، فَمِنْهَا: شَفَاعَتُهُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُؤْذَنَ لَهُم بِدُخُولِ الْجَنَّةِ،فَيَدْخُلُوهَا، وَشَفَاعَتُهُ لِقَوْمٍ تَسَاوَتْ حَسَنَاتُهُمْ وَسَيِّئَاتُهُم بِأَنْ يَدْخُلُوا الْجَنَّةَ، وَشَفَاعَتُهُ لِبَعْضِ أَهْلِ الْكَبَائِر أَنْ لَا يَدْخُلُوا النَّارَ، وَشَفَاعَتُهُ لِمَنْ دَخَلَهَا أَنْ يَخْرُجَ مِنْهَا إِلَى الْجَنَّةِ، وَشَفَاعَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ مَوْتِهِ تُسْأَلُ مِنْ اللَّهِ وَلَيْسَ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَاَللَّهُ هُو مَالِكُهَا: {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}
فَمَا أَعْظَمَ جُرْمَ مَنْ يَسْأَلُهُ الشَّفَاعَةَ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَمَنْ فَعَلَ فَقَدْ وَقَعَ فِي الذَّنْبِ وَهُوَ الشِّرْكُ الَّذِي لاتُقْبَلُ مَعَهُ الشَّفَاعَةُ، فَاحْرِصُوا عَلَى طَلَبِهَا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ وَاتِّبَاعِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم، هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا…