أضرار الصيام ومخاطره على المريض
عبد الحق التركماني
أضرار الصيام ومخاطره على المريض
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الأمين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد: فعبادة الله عزَّ وجلَّ هي الغاية التي خلق الله الخلق من أجلها، ولبيان ذلك أرسل الله الرسل، وأنزل الكتب، ومن أجلها أقام سوق الجنَّة والنار. قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، لهذا لم يأمر الله تعالى عباده إلا بتحقيق هذه الغاية، والقيام بهذه المهمَّة؛ كما قال سبحانه: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البيِّنة: 5].
والعبادة لله عزَّ وجلَّ هي الغاية المحبوبة لله تعالى، والمرضية له، وهي تذلل العبد المخلوق الضعيف وتقرُّبه إلى ربِّه الخالق الغني الحميد، فهي حاجة الفقير إلى الغني، والضعيف إلى القوي، والعاجز إلى القدير، والفاني إلى الباقي، فالفقر والضعف والعجز والفناء صفات ذاتية للمخلوق، كما أن الغنى والقوة والقدرة والبقاء هي صفات ذاتية للخالق عزَّ وجلَّ، فنفس وجود المخلوق موجبٌ أن يتذلَّل لخالقه ومالكه ومدبِّره، كما أنَّ نفس وجود الخالق سبحانه موجب أن يعبده الخلق ويتقربوا إليه. لهذا قال محمد رشيد رضا رحمه الله: (العبادة ضرب من الخضوع بالغ حدَّ النهاية، ناشئ عن استشعار القلب عظمة المعبود)، وهذا نحو قول ابن القيم رحمه الله في ماهيَّة العبادة: (كمال المحبة مع كمال الذل). وقال السعدي رحمه الله: (العبادة روحُها وحقيقتُها تحقيقُ الحبِّ والخضوع لله؛ فالحب التام والخضوع الكامل لله هو حقيقة العبادة، فمتى خلت العبادة من هذين الأمرين أو من أحدهما فليست عبادة؛ فإن حقيقتها الذل والانكسار لله، ولا يكون ذلك إلا مع محبته المحبة التامة التي تتبعها المحاب كلها).
أما أنواع العبادة فكثيرة، وأحسن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في تلخيص ذلك فقال: (العبادة هي: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة. فالصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والوفاء بالعهود، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والجهاد للكفار والمنافقين، والإحسان للجار واليتيم والمسكين، والمملوك من الآدميين والبهائم، والدعاء، والذكر، والقراءة، وأمثال ذلك من العبادة، وكذلك حب الله ورسوله وخشية الله والإنابة إليه، وإخلاص الدين له، والصبر لحكمه، والشكر لنعمه، والرضاء بقضائه، والتوكل عليه، والرجاء لرحمته، والخوف من عذابه، وأمثال ذلك من العبادة).
قلتُ: ومن أجلِّ العبادات وأعظمها: الصيام، ومنزلته في الإسلام بعد الصلاة، ففيه التذلل والخضوع بمحبَّةٍ وإخلاصٍ لله سبحانه؛ بحبس النفس عن الطعام والشراب والشهوات، والتقيُّد بما شرعه سبحانه من وقت الصيام وصفته وأحكامه، ومراقبته وتقواه في السرِّ والعلن، لهذا كان من واجباته: حفظ اللسان والجوارح عن كل قبيح، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لم يدع قول الزُّور والعمل به فليس لله حاجةٌ في أن يدع طعامه وشرابه» [أخرجه البخاري].
وقد بيَّن الله تعالى الغاية التي من أجلها فرض الصوم علينا وعلى الأمم من قبلنا فقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183]، وهذا نصٌّ صريح لا يقبل تأويلاً ولا تحريفًا في أنَّ مقصد الصيام وغايته: (التقوى)، لا غير، وكلام علماء الإسلام في تفسير التقوى في هذا الموضع لا يخرج عن أحد معنيين لا ثالث لهما:
أولهما: أن المقصود اتِّقاء نفس محظورات الصوم، قال ابن جرير الطبري رحمه الله: (يعني به: لتتَّقوا أكل الطعام وشرب الشراب وجماع النساء فيه. يقول: فرضتُ عليكم الصوم والكفَّ عما تكونون بترك الكف عنه مفطرين، لتتقوا ما يُفطركم في وقت صومكم).
ثانيهما: أنَّه لبيان الغاية وهي تقوى الله عزَّ وجلَّ، قال البغويُّ رحمه الله (لأنَّ الصَّومَ وَصْلَةٌ إلى التَّقْوَى، لِمَا فيه منْ قَهْرِ النَّفْسِ وكَسْرِها، وترك الشهوات). وبمثل هذا قال ابن الجوزي، وغيره.
وهذا المعنى الثاني أظهر وأقوى، وهو متضمِّن للمعنى الأول وزيادة، واختاره ابن كثير رحمه الله فقال: (لأن الصوم فيه تزكية للبدن، وتضييق لمسالك الشيطان؛ ولهذا ثبت في «الصحيحين»: «يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءةَ فليتزوَّج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء».).
والمقصود أن لا معنى للصوم ولا غاية منه سوى إقامة العبودية لله عزَّ وجلَّ باتباع أوامره واجتناب نواهيه، وهذا العمل إذا اقترن بالصدق والإخلاص والاحتساب زاد صاحبَه إيمانًا ومراقبة لربِّه وتعظيمًا لشرعه، فيتَّقي الله عزَّ وجلَّ حقَّ التقوى ـ وهو أعلى درجات العبودية لله عزَّ وجلَّ ـ كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]، قال الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في تفسير: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ}، قال: (أن يطاع فلا يُعصَى، ويُذكر فلا يُنسَى، ويشكر فلا يُكفر)[صحيح: أخرجه ابن جرير الطبري]. فليس للصيام غاية ولا مقصِد ولا هدفٌ سوى التعبُّد لله تعالى والتَّرقي في مدارج العبوديَّة حتَّى يبلغ العبدُ درجاتها العُلى، وهي: التَّقوى.
فإذا تبيَّن هذا: فمن نافلة القول أنَّ الصيام لم يُشرع لتعذيب النفسِ ولا إيذائها، كما أنَّه لم يُشرع لأنَّ فيها فوائد صحيَّة ونفسيَّة واجتماعيَّة. ومن ادَّعى أنه شُرعَ لأحد هذين الغرضين ـ أو سواهما من المقاصد الدنيوية المادية ـ فقد أعظم الفرية على الله عزَّ وجلَّ، وخالف صريح القرآن، وحرَّف دينه، وخرج عن سبيل المؤمنين.
ولا شكَّ أن الصَّوم المعتدل له فوائد صحيَّة ونفسيَّة واجتماعية كثيرة، ثابتةٌ بالتجربة والمشاهدة، إلا أنَّها ليست غاية الصوم ولا مقصده، ولكنَّها من ثماره ونتائجه وآثاره، وهي ممكنة لا واجبة، فقد تتحقَّق وقد تتخلَّف، وقد يصوم شخص فتتحسَّنُ صحته ويتخلَّص من كثير من الأمراض والأوجاع، وقد يصوم آخر فيصاب بأمراض مهلكة. لهذا رخَّص الله تعالى للمريض بالإفطار، ونصَّ على ذلك في كتابه حتَّى لا يكون لأحد من الفريقين سبيل إلى تحريف الدين ومقاصده: فريق المتنطعين الذين يرون غاية الصيام في تعذيب الجسد وإيذائه. وفريق المستخفِّين الذين يرون الصيام وسيلة لتحقيق المصلحة للمجتمع الإنساني من خلال تدريبه وتربيته على الصبر والفضائل.
قال الله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184].
قال ابن قدامة رحمه الله في (المغني): (أجمع أهل العلم على إباحة الفطر للمريض في الجملة، والأصل فيه هذه الآية. والمرض المبيح للفطر هو الشديد الذي يزيد بالصوم أو يخشى تباطؤ برئه. قيل لأحمد: متى يفطر المريض؟ قال: إذا لم يستطع. قيل: مثل الحمى؟ قال: وأي مرض أشد من الحمى! وحكي عن بعض السلف أنه أباح الفطر بكل مرض، حتى من وجع الإصبع والضرس؛ لعموم الآية فيه، ولأن المسافر يباح له الفطر وإن لم يحتج إليه، فكذلك المريض. ولنا أنه شاهد للشهر، لا يؤذيه الصوم، فلزمه، كالصحيح).
ثم قال ابن قدامة رحمه الله: (والمرض لا ضابط له؛ فإن الأمراض تختلف، منها ما يضر صاحبه الصومُ، ومنها ما لا أثر للصوم فيه، كوجع الضرس، وجرح في الإصبع، والدمل، والقرحة اليسيرة، والجرب، وأشباه ذلك، فلم يصلح المرض ضابطًا، وأمكن اعتبار الحكمة، وهو ما يخاف منه: الضررُ، فوجب اعتباره.
فإذا ثبت هذا، فإن تحمَّل المريضُ وصام مع هذا، فقد فعل مكروهًا؛ لما يتضمنه من الإضرار بنفسه، وتركه تخفيف الله تعالى، وقبول رخصته، ويصح صومه ويُجزئه؛ لأنه أخذ عزيمة أبيح تركها رخصة، فإذا تحمَّله أجزأه) وقال: (والصحيح الذي يخشى المرض بالصيام، كالمريض الذي يخاف زيادته في إباحة الفطر).
وقال القرطبي رحمه الله في (الجامع لأحكام القرآن): (للمريض حالتان:
إحداهما: ألا يطيق الصوم بحالٍ، فعليه الفطر واجبًا.
الثانية: أن يقدر على الصوم بضرر ومشقة، فهذا يستحبُّ له الفطر ولا يصوم إلا جاهلٌ. قال ابن سيرين: متى حصل الإنسان في حال يستحقُّ بها اسم المرض صحَّ الفطر، قياسًا على المسافر لعلة السفر، وإن لم تدع إلى الفطر ضرورة. قال طريف بن تمام العطاردي: دخلتُ على محمد بن سيرين في رمضان وهو يأكل، فلما فرغ قال: إنه وجعتْ أصبعي هذه.
وقال جمهور من العلماء: إذا كان به مرض يؤلمه ويؤذيه، أو يخاف تماديه، أو يخاف تزيده صحَّ له الفطر.
قال ابن عطية: وهذا مذهب حُذَّاق أصحاب مالك وبه يناظرون. وأما لفظ مالك فهو المرض الذي يشق على المرء ويبلغ به…
وقالت فرقة: لا يفطر بالمرض إلا من دعته ضرورة المرض نفسه إلى الفطر، ومتى احتمل الضرورة معه لم يفطر. وهذا قول الشافعي رحمه الله تعالى).
قال القرطبي: (قولُ ابن سيرين أعدل شي في هذا الباب إن شاء الله تعالى. قال البخاريُّ: اعتللتُ بنيسابور علةً خفيفةً، وذلك في شهر رمضان، فعادني إسحاق بن راهويه في نفر من أصحابه، فقال لي: أفطرتَ يا أبا عبد الله؟ فقلت: نعم. فقال: خشيتَ أن تضعف عن قبول الرخصة! قلت: حدَّثنا عبدان، عن ابن المبارك، عن ابن جريج، قال: قلتُ لعطاء: من أي المرض أفطرُ؟ قال: من أي مرض كان، كما قال الله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا}. قال البخاريُّ: وهذا الحديث لم يكن عند إسحاق. وقال أبو حنيفة: إذا خاف الرجل على نفسه وهو صائم إن لم يفطر أن تزداد عينه وجعًا أو حُمَّاه شدةً: أفطر).
قلتُ: هذا الخبر عن الإمام البخاريِّ رحمه الله ثابتٌ عنه بالإسناد، أخرجه ابن عساكر رحمه الله في (تاريخ دمشق) 52/86، ونقله ابن حجر رحمه الله في (هدي الساري) و(تغليق التعليق). وهو من فقهه وإمامته وسلامته من الرياء والتكلُّف والتنطُّعن.
ويمكن تلخيص أحوال المرضى بما يلي:
(1) من لا صلة للصيام بمرضه ولا أثر ـ بله المشقة والضرر ـ فهذا كالصحيح يجب عليه الصوم. وعنِّي أخبركَ أنِّي مصاب بمرض نزيف الدم الوراثي منذ الولادة، وكذلك ثلاثة من إخواني، ونحن نصوم ـ بفضل الله ـ كلَّ سنة، دون أن يكون للصيام أي أثرٍ ولا ضرر ولا مشقة.
(2) من كان مرضه مرضًا خفيفًا، لا يضره الصوم ولا يشقُّ عليه، فالأولى أن يصوم، ويجوز له الإفطار على مذهب من تقدَّم ذكرهم من الأئمة.
(3) من كان الصوم يشقُّ عليه أو يضره بحصول المرض أو تجدُّده أو زيادته، فالمستحبُّ في حقِّه ـ تأكيدًا ـ الافطارُ.
(4) من علمَ ـ بالظنِّ القويِّ الراحج أو باليقين ـ أن الصيام يهلكه أو يضرُّه ضررًا شديدًا؛ حَرُم عليه الصيام، ووجب الفطر لعموم قوله تعالى: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195]، وقوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29]. وكلمَّا كان علمه بذلك أقوى؛ كان التحريم في حقِّه أشدَّ، وإثمه أعظم.
قال عبد الحق التركمانيُّ عفا الله عنه: والناس في زماننا هذا في هذه المسألة على صنفين:
الأول: أكثر العامة من المسلمين الذين يجهلون الأحكام الشرعية، ولا يسألون عنها، فبعضهم يشقُّ على نفسه بالصيام تديُّنًا، وبعضهم يشقُّ عليها تحرُّجًا من مخالفة مجتمعه، لأن الصيام قد صار سلوكًا تقليديًّا للمجتمع، ويخجل الإنسان أن يعلم الناس بفطره، وبعضهم يفطر من غير نيَّة القضاء لعدم علمه بالرخصة.
الثاني: الخطباء والدعاة والكتاب من الإسلاميين الحركيين ـ ومن تأثر بخطابهم ـ يبالغون في بيان فوائد الصوم وثماره الصحية والنفسية والاجتماعية، ويفصلون في ذلك تفصيلاً مبالغًا فيه، ويتوسعون توسُّعًا غير محمود فيذكرون كلام الأطباء والتقارير الغربية في التداوي بالصوم وفوائده.
ولقد كان لخطابهم هذا ـ ولا يزال ـ أسوأ الأثر في إضعاف جانب التديُّن والتعبُّد والإيمان والاحتساب عند المسلمين في صيامهم، إذ شغلوهم بالآثار والنتائج المادية الظنيَّة ـ الممكنة لا الواجبة ـ عن الغايات والمقاصد التعبديَّة المحضة الواجبة، حتى صارت تلك الآثار والنتائج هي الغاية والمقصد في أذهان أكثر المسلمين.
ولا شكَّ أنَّ تركيزهم على الجانب النفعيِّ والمادي والاجتماعي من آثار الصوم، والمبالغة في ذلك حتَّى تكون في مرتبة الغاية العليا؛ جزء من تفسيرهم المادي والنفعي والسياسي لدين الإسلام وحقائقه ومقاصده، وقد شرحتُ هذا في مقالات سابقة.
ولا عجب بعد هذا؛ أن يخرج علينا ـ في الضفَّة الأخرى ـ بعض ملاحدة العرب فيكتبوا في مساوئ الصيام وأَضراره، ويذكروا في ذلك تقارير طبية، ثم يجعلوا ذلك مدخلاً للطعن في الدين!
فيقال لهؤلاء الملاحدة: إطلاق القول بضرر الصوم باطل بيقين، فالأطباء مجمعون على أن الصوم المعتدل مفيدٌ للأصحاء ولكثير من المرضى، ولهذا يعالجون مرضاهم بأنواع من الصوم، ولا يقصدون بذلك التديُّن أصلاً.
ويقال لهم أيضًا: ومن قال لكم: إنَّ الصيام لا يمكن أن يضرَّ بعض الأصحاء، وأنه مفيد للمرضى بإطلاق؟! فإن غرَّكم خطاب أولئك الإسلاميين، فقابلتم باطلاً بباطل وكفر وإلحاد؛ فهذا كتاب الله تعالى بيننا، فيه التصريح بأمرين واضحين جليَّين لا لبس فيهما:
الأول: أن الصيام شرع لتقوى الله وعبادته، وليس فيه ذكر فائدة صحية أو نفسية أو اجتماعية.
الثاني: أن المريض يشرعُ له الفطر. وفي هذا دلالة ضمنية على إِضراره بالمريض، وإلا لكان المريض أولى أن يُؤمر بالصوم ليتخلَّص من مرضه!
لهذا نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيام الدَّهر، وأوصَى بصيام ثلاثة أيام من كل شهرٍ، وقال: «فإنَّ لك بكل حسنة عشر أمثالها، فإن ذلك صيام الدهر كله».ولما رغبَ الصحابيُّ الجليل عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما في المزيد، وشدَّد في ذلك، وقال: يا رسول الله، إنِّي أجد قوةً! قال صلى الله عليه وسلم: «فصُمْ صيام نبِيِّ الله داودَ عليه السلام، ولا تَزِدْ عليه». قلت: وما كان صيام نبي الله داود، عليه السلام؟ قال: «نصف الدهر». يعني: يصوم يومًا ويفطر يومًا، وقد التزم عبد الله رضي الله عنه بذلك، فكان يقول ـ بعد ما كبر ـ: (يا ليتني قبلتُ رخصةَ النبي صلى الله عليه وسلم) [أخرجه البخاري]. وفي روايةٍ: (لأنْ أكون قبلتُ الثلاثةَ الأيام التي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أحبُّ إليَّ من أهلي ومالي). [أخرجه مسلم]. وما قال ذلك إلا لشدَّة ندمه، لما وجده من مشقَّة الصوم.
ولنختم هذا المبحث بذكر جملة من الأمراض التي ينصح أصحابها بالفطر أو ينبغي عليهم الفطر حسب نوع المرض وشدَّته:
1- قرحة المعدة أو الإثني عشر، خاصة القرحة الحادة.
2- فتق المعدة (أو فتق الحجاب الحاجز).
3- الإسهال.
4- أمراض الكبد، خاصة التهاب الكبد الفيروسي الحاد، أو الاستسقاء في البطن (الحبن).
5- عمليات قطع المعدة.
6- فشل القلب (قصور القلب).
7- الذبحة الصدرية غير المستقرة.
8- جلطة القلب الحديثة.
9- فشل القلب (قصور القلب) غير المستقر.
10- الذبحة الصدرية غير المستقرة، أو غير المستجيبة للعلاج.
11- الجلطة القلبية الحديثة.
12- حالات التضيق الشديد أو القصور الشديد في صمامات القلب.
13- الحمى الرئوية (الروماتيزمية) النشطة.
14- الاضطرابات الخطيرة في نظم القلب.
15- خلال فترة الأسابيع التي تعقب عمليات جراحة القلب.
16- أمراض الكلى، خاصة الحالات الحادة أو المزمنة، مثل: التهاب الحويضة والكلية الحاد، والتهاب المثانة الحاد والقولنج الكلوي، والتهاب الكبب والكلية الحاد. والفشل الكلوي.
17- وجود الحصيات الكلوية.
18- مرض السكري. وأكثر أنواعه يضرُّ معه الصوم، فمنه: السكري الشبابي (المريض الذي يصاب بمرض السكري دون الثلاثين عامًا من العمر). أو مريض السكري الذي يحقن بكمية كبيرة من الإنسولين (أكثر من 40 وحدة دولية يوميًا)، أو الذين يتعاطون الإنسولين مرتين يوميًّا. والمريض المصاب بالسكري غير المستقر. والمريضة الحامل المصابة بالسكري. والمريض المسنّ المصاب بالسكري لسنين طويلة، وفي الوقت نفسه يعاني من مضاعفات مرض السكر المتقدمة. والمريض الذي أصيب بحماض ارتفاع السكر قبل شهر رمضان بأيام أو في بدايته.
19- التهاب القصبات الحاد أو المزمن.
20- نوبة الربو القصبي.
21- التهابات الغدة الدرقية الحادة.
22- أمراض الغدة الكظرية: مرض كوشينغ، ومرض أديسون والورم القتامي.
23- أمراض الغدة النخامية.
24- مريض الفصام.
فأوصي الخطباء والدعاة وطلبة العلم باستغلال شهر رمضان لبيان حقيقة الصيام ومقاصده الدينية التعبدية كما جاء في القرآن والسنة، والتفصيل في رخصة الفطر للمريض وما في ذلك من رحمة الله تعالى ولطفه بعباده، والتحذير من الخطاب الحركي الذي يحرِّف حقائق الدين ويطمس معالمه، ويفسره تفسيرًا ماديًّا نفعيًّا، وبالله تعالى التوفيق.
كتبه:
عبد الحق التركماني
غرة رمضان 1433هـ