وقفات مع فكر القاعدة (5-6)
د. فيحان بن سرور الجرمان
وقفات مع فكر القاعدة 5- 6
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وعلى آله وصحبه وسلم وبعد
متابعة لما بدأناه في المقالات السابقة من مناقشة فكر القاعدة
قال الابن يا أبتي أفهم من ذلك أن كلام أسامة خطأ حينما قال:( إن هذه الأحداث قد قسمت العالم بأسره إلى فسطاطين فسطاط إيمان لا نفاق فيه وفسطاط كفر أعاذنا الله وإياكم منه ) فقال الأب: نعم يا بني لأن التكفير حكم شرعي لا يكون إلا عن طريق الوحي ، وكلام أسامة بن لادن لا يقوله إلا نبي يوحى إليه ، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم لعثمان (لا يَضُرُّ عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ الْيَوْمِ )أخرجه أحمد والترمذي0 أو نقول إن كلام أسامة بن لادن شبيه بكلام الخوارج الذين لا يعبؤون بما يقولون ويصدرون الأحكام من غير تورع فقال الابن مهلا يا أبتي وهل الخوارج من علاماتهم وأوصافهم إصدار الأحكام من غير تورع ؟ فقال الأب نعم يا بني من علامات الخوارج الجرأة على الفتوى وإصدار الأحكام على المسلمين ، فقال الابن ما الدليل على ذلك ؟ فقال الأب الدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما قسم غنائم حنين على المؤلفة قلوبهم ، فقال رجل وَاللَّهِ إِنَّ هَذِهِ الْقِسْمَةَ مَا عُدِلَ فِيهَا وَمَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللهِ، وفي رواية اتقِ الله يا محمد واعدل فقال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ يَعْدِلِ اللَّهُ وَرَسُولُهُ 000 فَلَمَّا وَلَّى قَالَ إِنَّ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا أَوْ فِيعَقِبِ هَذَا قَوْمًا يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ 000) والحديث في البخاري0 وانظر يا بني إلى ألفاظهم وعدم ورعهم في القول في حق خير البشر وسيد الناس في الدنيا والآخرة فكيف بمن دونه ؟! وتمعّن يا بني إلى تلك الألفاظ التي تدل على أن قائلها من الأتقياء ومن الحريصين على الإسلام0 أولا : لفظ ، هَذِهِ الْقِسْمَةَ مَا عُدِلَ فِيهَا 0 ثانيا : لفظ وَمَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللهِ 0 ثالثا : لفظ اتقِ الله يا محمد واعدل، وأيضا ما حصل للصحابي الجليل أبي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِي ، قال الأَزْرَقُ بْنُ قَيْسٍ قَالَ : كُنَّا بِالأَهْوَازِ نُقَاتِلُ الْحَرُورِيَّةَ فَبَيْنَا أَنَا عَلَى جُرُفِ نَهَرٍ إِذَا رَجُلٌ يُصَلِّي ، وَإِذَا لِجَامُ دَابَّتِهِ بِيَدِهِ فَجَعَلَتِ الدَّابَّةُ تُنَازِعُهُ وَجَعَلَ يَتْبَعُهَا– قَالَ شُعْبَةُ ، هُوَ أَبُو بَرْزَةَ الأَسْلَمِيُّ – فَجَعَلَ رَجُلٌ مِنَ الْخَوَارِجِ يَقُولُ اللَّهُمَّ افْعَلْ بِهَذَا الشَّيْخِ ويَسُبُّهُ فَلَمَّا انْصَرَفَ الشَّيْخُ قَالَ إِنِّي سَمِعْتُ قَوْلَكُمْ وَإِنِّي غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم سِتَّ غَزَوَاتٍ، أَوْ سَبْعَ غَزَوَاتٍ وَثَمَانِيَ وَشَهِدْتُ تَيْسِيرَهُ وَإِنِّي أَنْ كُنْتُ أَنْ أُرَاجِعَ مَعَ دَابَّتِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَدَعَهَا تَرْجِعُ إِلَى مَأْلَفِهَا فَيَشُقَّ عَلَيَّ 0 والحديث في البخاري، وفي روايات صحيحة الإسناد قال الخارجي انظروا إلى هذا الحمار وفي رواية ترك آخرته لأجل دنياه 0 انظر يا بني وتمعن إلى ألفاظهم التي قالوها في حق الصحابي والتي تدل على أن قائلها من الأتقياء ومن الحريصين على الإسلام ، أولا: قاموا بسبه وهو صحابي وشيخ كبير ، ثانيا : وصفوه بالحمار ، ثالثا : قالوا عنه ترك آخرته لأجل دنياه ، وهو من خيار الصحابة وقد غزى مع رسول الله ، وأيضا ، قتلوا عليا رضي الله عنه ولما سُئل عبد الرحمن بن ملجم الخارجي لماذا قتلتَ عليا قال أتقرب بِدَمِهِ إلى الله ،حتى قال عمران بن حطان وهو يمدح عبد الرحمن بن ملجم قاتل علي ( يا ضربة من تقي ما أرادا بها 000 إلا ليبلغ عند الله رضوانا ) لذلك فهم لا يتورعون عن أي لفظ في العلماء كما يصفونهم بعلماء سلطة أو بعلماء حيض ونفاس ولا يعلمون بفقه الواقع إلى غير ذلك من المسميات التي يراد بها تنفير الناس عنهم ، ويرون أن هذا العمل من الدين0 فقال الإبن يا أبتي ألا تكون هذه شجاعة من أسامة بن لادن والقاعدة حينما قاموا بالتفجير ؟! ، فقال الأب يا بني أولا : الذين يقومون بهذه الأعمال ويفجرون أنفسهم هم شباب مُغرَر بهم وهم الضحية استغلوا حماسهم واندفاعهم وجهلهم وأما القادة فهم على الآرائك ينظرون 0 ثانيا : لماذا القادة لا يتسابقون ويفجرون أنفسهم حتى يدخلوا الجنة كما قد صرحوا مرارا وتكرارا أنهم في جهاد ؟!!! 0
ثالثا: هذه ليست شجاعة وإنما جرأة لأن الشجاعة مبنية على الصبر والثبات وحسن التدبير وقد فرق ابن القيم رحمه الله بين الشجاعة والجرأة فقال ((وأماالجرأة فهي إقدام سببه قلة المبالاة وعدم النظر في العاقبة) فقال الابن يا أبتيهناك سؤال قد يُشِكل عليَّ وألاحظه عند بعض أصدقائي وهو التعاطف والميل والتأييد عند قتل الكافر فهل هذا جائز ؟ فقال الأب إن التعاطف إذا كان منضبطاً بضوابط الشرع فإنه محمود بل مطلوب شرعا ولكن إذا كان فيه جَور فإن التعاطف حينئذ مذموم فليس كل من قتل كافرا نتعاطف معه ونؤيده فقال الابن مهلا مهلا يا أبتي ومعذرة عن المقاطعة ، أليست هذه مداهنة وفتوى لحماية الكفار ؟ والقاعدة وأسامة بن لادن سيصفونك يا أبتي بالمداهن والمنافق !!! فقال الأب يا بني دعنا من الناس وعليك بالشرع فإن الرسول صلىالله عليه وسلم ما َسِلمَ من شرهم فوصفوه بالجور وعدم العدل عند القسمة وسأختصر لك الجواب بحديث عن رسول الله ، يدل على أنه ليس كل من قَتَلَ كافرا نتعاطف معه ونؤيده، فالمعاهد والذمي والمستأمن هذه أنفس كافرة فلا يجوز أن نتعاطف مع من يتعدى عليهم ويقتلهم، والدليل على ذلك ، قال النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ( مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا ) رواه البخاري، فهل النبي صلى الله عليه وسلم تعاطف مع الكافر ووقع في المداهنة والدفاع ؟!!! الجواب ” كلا وحاشا ” يا بني : لقدصرح أسامة بن لادن بتكفير الدول الإسلامية سوى أفغانستان حينما سُئل في مقابلة لجريدة الرأي العام بتاريخ 11 / 11 / 2001 إذا خرج الأمريكيون من السعودية وتم تحرير المسجد الأقصى ، هل ستوافق على تقديم نفسك للمحاكمة في بلد مسلم ؟ فأجاب أسامة بن لادن قائلا : أفغانستان وحدها دولة مسلمة ، باكستان تتبع القانون الإنجليزي ، وأنا لا أعترف بالسعودية دولة مسلمة ) وأيضا لو تتبعتَ تصريحات أسامة بن لادن عند ذكر السعودية لا يقول المملكة السعودية ويكره لفظ السعودية نسبة لآل سعود وإنما يقول مكة والحجاز حتى أنه بلغ كرهه إذا سئل من أي جامعة تخرجتَ لا يقول جامعة الملك عبد العزيز ، فقال الابن رويدا يا أبتي لقد سمعتُ سعد الفقيه يقول لايجوز أن يُكتَب لك في ” التابعية ” أي الهوية ، سعودي لأنك إذا رضيتَ بهذا فقد أعلنتَ لآل سعود التبعية فما تقول يا أبتي بهذا الكلام ؟! فقال الأب هذا من التطرف والغلو والجهل المركب لأنه معلوم أن هذا من التسميات لا أثر فيها كالدولة الأموية والعباسية ولم يكن آنذاك حدود وجنسية وجوازات مثل هذا العصر فالمسألة اصطلاحية والعلماء يقولون لا مشاحاة في الاصطلاح، والله عز وجل سيسألك عن عملك واعتقادك {مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} ثم إن هؤلاء من أمثال المسعري وسعد الفقيه وعموم القاعدة يرزقون بأبناء في أثناء إقامتهم في هذه الدول ويمنحونهم الجنسية البريطانية أو الأمريكية أو الكندية ، فلماذا لا يكونون قد أعلنوا التبعية لتلك الدول ؟!0 فقال الابن يا أبتي: كيف يقول أسامة بن لادن أفغانستان وحدها دولة مسلمة ؟ ثم يقيم في باكستان التي تتبع القانون الإنجليزي وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ( إِنِّي بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ ظَهْرَانَيِ الْمُشْرِكِينَ ” ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَلِمَ ؟ قَالَ : ” لاتَرَاءَى نارَهُمَا ) رواه أبو داود0 فالرسول عليه السلام ، يتبرأ من المسلم الذييقيم في دولة غير مسلمة فيكون أسامة والقاعدة وقعوا في المحذور وأقاموا في دول الكفر، ولم يقم في دولة أفغانستان، فقال الأب يا بني بل أزيدك من الشعر بيتا المسعري وسعد الفقيه وغيرهما يقيمون في دولة الصليب في بريطانيا ولهم قناة تبث منها وتسمى ” قناة الإصلاح ” وأكثر حديثها الطعن في المملكة العربية السعودية، ولا يتكلمون عن المنكرات والشركيات المنتشرة في بريطانيا ، وهؤلاء قد التمسوا الأعذار لأنفسهم فيرون أنهم مضطرون للإقامة فيها وقلوبهم كارهة وما يحصل بينهم وبين الكفار هناك من الود واللين والابتسامة يرونه من المصلحة لكي تسير أمورهم على أكمل وجه !!!، ولا يلتمسون الأعذار لغيرهم من المسلمين !!!! فيكفرون حكام المسلمين لا سيمادول الخليج بسبب مخالفتهم للشرع كالولاء والمداهنة لدول الغرب وترك بعض الأحكام الشرعية ، فقال الابن ولماذا لا يكفر كل من وقع في الكفر كالموالاة للكفار ؟ فقال الأب اسمع يا بني وكن على بصيرة من دينك، فإنه لا يجوز تكفير المعين حتى تتوفر فيه الشروط وتنتفي عنه الموانع : !! وهذا ما سنجيبه في المقال القادم بإذن الله فانتظرونا ، والحمد لله رب العالمين 0
كتبه / فيحان الجرمان