لماذا جماعة التبليغ؟


بسم الله الرحمن الرحيم

لماذا جماعة التبليغ؟ ]

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله -صلى الله عليه وسلم-.

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ . الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ}[البقرة: 21-22].

أما بعد:

فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة.

إن مما أخبر به نبينا -صلى الله عليه وسلم- أن الأمة المحمدية ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها ضالة ومستحقة للنار إلا جماعة واحدة، ثبت عند الإمام أحمد وأبي داود عن معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «أَلَا إِنَّ مَنْ قَبْلَكُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ افْتَرَقُوا عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، وَإِنَّ هَذِهِ الْمِلَّةَ سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ: ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ، وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ، وَهِيَ الْجَمَاعَةُ».

فإذا كان كذلك كان أوجب ما علينا معرفة الحق والتمسك به لئلا نهلك مع الهالكين، قال تعالى: {وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ}[الأنعام: 153].

ومن أعظم أمارات أهل الحق التمسك بالتوحيد وهو إفراد الله بالعبادة، فلا ذبح ولا نذر ولا طلب للمدد ولا استغاثة إلا بالله وحده لا شريك له، قال تعالى: {وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}[الإسراء: 23]، وقال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}[الأنعام: 162 – 163]، وقال تعالى: {وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ}[المؤمنون: 117].

ومن أمارات أهل الحق الدعوة إلى التوحيد، كما قال تعالى: {قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}[يوسف: 108].

ومن أماراتهم تعظيم العلم الشرعي، لأنه الوحي، واحترام أهل العلم لأنهم حملته، ومن تعبّد الله بغير العلم الشرعي ضل وأضل وزلّ وأزلَّ، وتعبّده بما لا يريد سبحانه.

وإن معرفة المخالفين للحق وأهله من المهمات المنجيات، قال تعالى: {وَكَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ}[الأنعام: 55]،

وقال الشاعر:

عرفت الشر لا للشر ولكن لتوقيه … ومن لا يعرف الشر من الخير يقع فيه

ومن هذه الجماعات التي غرّت الناس وفتنتهم، لأنها خرجت باسم الدين والتضحية والدعوة والزهد والأخلاق، جماعة التبليغ، وتسمى بجماعة الدعوة، وبجماعة الأحباب.

وقبل الحديث عن جماعة التبليغ ينبغي أن يُعلم أن الميزان في معرفة الجماعات والأفراد الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح، لا العواطف والحماسات وما تُظهر من تضحيات.

قال تعالى: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}[النساء: 59]، وقال تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ}[الشورى: 10].

وجماعة التبليغ عندها ضلالات موثّقة ومن كتبهم وأخبارهم مسطرة، ومن ذلك ما يلي:

أولًا: جماعة التبليغ لا يعتنون بالتوحيد، وهو إفراد الله بالعبادة، ولا يوالون ولا يعادون عليه، لذا لا تراهم يدعون إليه، ولا يحاربون الشرك والذبح والدعاء لغير الله، وإنما إذا تكلموا في التوحيد فغاية ما يتكلمون به هو توحيد الربوبية وهو تعظيم الله، وتعظيم خلقه، وهكذا.

وهذا النوع من التوحيد كان يقر به كفار قريش ولم ينفعهم، قال تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}[الزمر: 38] ؛لأنهم كانوا مشركين في توحيد الألوهية الذي هو إفراد الله بالعبادة.

ثانيًا: جماعة التبليغ جماعة جهل وتزهيد في العلم الشرعي، لذا لا يُنظمون لأفراد جماعتهم حلقات في تعلم التوحيد والفقه، كالطهارة والصلاة والصوم والزكاة، وإنما يُنظمون حلقات في الرقائق والوعظ وأمثالها بقراءة أحاديث معينة من كتاب رياض الصالحين يعيدونها ما بين حين وآخر فحسب.

ثالثًا: جماعة التبليغ لا تُنكر المنكرات، بل وتُقرر أن ذلك سبب لتنفير المدعو، وإنما يأمرون ببعض المعروف كالأخلاق والزهد دون غيرها من الأحكام الشرعية الكثيرة.

وهذا من عجائبهم وأوابدهم، وذلك أن الله جعل خيرية هذه الأمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}[آل عمران: 110]، فهم بهذا يريدون تجريد الأمة من سبب خيريتها.

رابعًا: جماعة التبليغ أصحاب ترتيبات بدعية، كالخروج المحدد بزمن كثلاثة أيام وأربعين يومًا، … وهكذا، ثم هذه التنظيمات زيادة على كونها بدعة إلا أنها سببٌ لتشتيت الأسرة المسلمة وتفكيكها، فإنهم يُخرجون الأب معهم ويأمرونه ألا يتواصل مع أسرته، فيُضيّع الأبُ أمانته وأسرته، مع أن اعتناءه بأسرته من الواجبات المتحتمة عليه، وما أكثر ما دمّروا من أسرِ المسلمين بمثل هذا.

خامسًا: جماعة التبليغ مَفْرَخة للتكفيريين، فإنهم يتصيّدون أصحاب الشهوات، كأصحاب المخدرات وغيرهم، فيُدخلونهم في دينٍ تبليغيٍّ جَمَعَ بين الجهل والبدعة، ثم بعد ذلك يتلقَّفه التكفيريون لأنهم أهملوهم ولم يعلموهم، بسبب منهجهم الباطل الذي يحارب العلم وأهله.

وهذه الخمسة بعض أسباب ضلالة وتبديع جماعة التبليغ،

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله الواحد القهار، والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، أما بعد:

فلهذه الأسباب الخمسة وغيرها توارد علماء أهل السنة على تبديع جماعة التبليغ، وتضليلها وتحذير الناس من مصاحبتها والخروج معها، وإليك طرفًا من كلام علمائنا:

قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله تعالى-: فِي إجابة سؤال حول جماعة التبليغ: “وجماعة التبليغ والإخوان من عموم الثنتين والسبعين فرقة الضالة”.

وبيّن في إجابة سؤال آخر وقال: “أن عندهم جهلًا وعدم بصيرة بالعقيدة وحذّر من انضمام الجهال إليهم “.

وكتب جماعة من طلاب الشيخ محمد بن صالح العثيمين-رحمه الله- بيانًا شهدوا فيه أن الشيخ بدَّع جماعة التبليغ.

وقال العلامة الدكتور صالح الفوزان عضو هيئة كبار العلماء -حفظه الله -: “و جماعة التبليغ الذين قد اغترَّ بهم كثير من الناس اليوم نظراً لما يَظهر منهم من التعبّد وتتويب العُصاة كما يقولون، وشدّة تأثيرهم على من يصحبهم، ولكن هم يُخرجون العُصاة من المعصية إلى البدعة، والبدعة شرٌّ من المعصية، والعاصي من أهل السنة خير من العابد من أهل البدع، فليُتنبّه لذلك، وما قلتُ هذا كراهية للخير الذي معهم إن كان فيهم خير، وإنّما قلته كراهية للبدعة فإنّ البدعة تذهب بالخير.

والبدع التي عند جماعة التبليغ قد ذكرها مَن صحبهم ثمّ تاب مِن مصاحبتهم، وأُلِّفت كتب كثيرة في التحذير منهم، وبيان بدعهم”.

وبعد هذا،

فإن هناك شبهات يُرددها بعض المغترين بجماعة التبليغ البدعية، ومن ذلك: أن بعضهم يقول: إنه قد اهتدى على أيديهم خلق كثير كانوا ضالين في المخدرات ومنهمكين.

فيقال: إن الخطأ لا يُعالج بالخطأ، بل يعالج بالصواب، ولا سيما العلاج الشرعي موجود، وقد هدى الله بالطرق الشرعية أممًا من بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى يومنا هذا، ولم تتوقف هداية الناس على جماعة التبليغ الهندية التي أسسها الهندي محمد إلياس الكندهلوي قبل مائة سنة، والذي كان يعكف على القبور ويفعل الشنائع والموبقات.

ومن الشبهات التي يرددها بعضهم: أن لجماعة التبليغ بذلًا ونشاطًا كبيرًا.

فيقال: العبرة في موافقته الكتاب والسنة لا في كثرة الجهد والتعب، قال سبحانه: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا . الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا}[الكهف: 103-104].

ومن الشبهات: أن بعضهم يقول: إنه لا يصح لأحد أن يتكلم في جماعة التبليغ حتى يخرج معهم.

فيقال: هذه خطأ قطعًا، وليس لازمًا، بل يكفي معرفة أخبارهم من كتبهم، ونقل الثقات عنهم، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا}[الحجرات: 6]، فخبر الثقة كافٍ، فكيف إذا كانوا ثقات كثيرين؟

ثم لازم هذا ألا يتكلم العالم الشرعي في أحكام الحيض والنفاس لأنه لا يحيض … وهكذا.

أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يهدي ضال المسلمين، وأن ينجينا من الجماعات البدعية، وأن يثبتنا على التوحيد والسنة، وأن يجعلنا على الصراط المستقيم حتى نلقى الله راضيًا، وأن يغفر لنا أجمعين، وأن يحيينا جميعًا على التوحيد والسنة، وأن يميتنا على ذلك.

د. عبدالعزيز بن ريس الريس

المشرف على موقع الإسلام العتيق

@dr_alraies


شارك المحتوى: