وما النصر إلا من عند الله

د. يوسف بن محمد السعيد

وما النصر إلا من عند الله

إن الْحَمْدَ لِلَّه … أَمَّا بَعْدُ : فَاتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ حَقَّ التَّقْوَى.

عِبَادَ اللَّهِ : إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا وَعَدَ لَم يُخْلِفْ . يَقُوْلُ تَعَالَى : {وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} ، وَإِنَّ مِمَّا وَعَدَ اللَّهُ تَعَالَى بِه الْمُؤْمِنِين : النَّصْرَ عَلَى عَدُوِّه وَعَدُوِّهِم ، يَقُوْلُ تَعَالَى : {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ } ، وَيَقُول تَعَالَى : {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } وَيَقُولُ تَعَالَى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ } ، وَيَقُولُ تَعَالَى : {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} ،

وَلَنْ يَكُونَ نَصْرٌ إلَّا إِذَا عَمِلَ النَّاسُ بِمَا أَخَذَ اللَّهُ عَلَيْهِم، وَهْو الْإِيمَانُ بِاَللَّهِ وَطَاعَتُه، وَنُصْرَتُهُ، وَالْوُثُوقُ بِوَعْدِهِ، فَإِنْ لَم يَعْتَمِدُوا عَلَى رَبِّهِم وَيَثِقُوا بِه نَزَلَ بِهِم مَا يَسُوؤُهُم، وَحِيْنَئِذٍ فَلا نَاصِرَ لَهُم يَقُوْلُ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} وَيَقُولُ تَعَالَى:{ أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ } وَيَقُولُ تَعَالَى: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ }

وَلَيْسَ النَّصْرُ بِكَثْرَةِ الْعَدَدِ ولا العُدَّةِ، {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ } {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ }

فَالنَّصْرُ يطْلَبُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ ^، قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ÷ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ، وَأَصْحَابُهُ ثَلَاثُ مِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْقِبْلَةَ، ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ: >اللهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، اللهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي، اللهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَا تُعْبَدْ فِي الْأَرْض<، فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ، مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ، فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ، فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ، وَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ، فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} فَأَمَدَّهُ اللهُ بِالْمَلَائِكَةِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ÷: بَيْنَمَا رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ يَشْتَدُّ فِي أَثَرِ رَجُلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَمَامَهُ، إِذْ سَمِعَ ضَرْبَةً بِالسَّوْطِ فَوْقَهُ وَصَوْتَ الْفَارِسِ يَقُولُ: أَقْدِمْ حَيْزُومُ، فَنَظَرَ إِلَى الْمُشْرِكِ أَمَامَهُ فَخَرَّ مُسْتَلْقِيًا، فَنَظَرَ إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ قَدْ خُطِمَ أَنْفُهُ، وَشُقَّ وَجْهُهُ، كَضَرْبَةِ السَّوْطِ فَاخْضَرَّ ذَلِكَ أَجْمَعُ، فَجَاءَ الْأَنْصَارِيُّ، فَحَدَّثَ بِذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: >صَدَقْتَ، ذَلِكَ مِنْ مَدَدِ السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ< فَقَتَلُوا يَوْمَئِذٍ سَبْعِينَ، وَأَسَرُوا سَبْعِينَ < فَتَمَسَّكُوا بِطَاعَةِ اللَّهِ، وَثِقُوا بِوَعْدِهِ. بَارَك اللَّه لِي وَلَكُم…

الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إحْسَانِهِ… أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ، وَاعْلَمُوا رَحِمَكُمْ اللَّهُ أَنَّه لا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَظُنَّ أَنَّ اللَّهَ يَنْصُرُ الْكُفَّارَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ نَصْرًا مُسْتَمِرًّا، يَقُوْلُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ حَالِ الْمُنَافِقِينَ {إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } وَيَقُولُ تَعَالَى: {بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا }

فَخُذُوا حِذْرَكُم، وَإِيَّاكُمْ وَالْيَأْسَ وَالْقُنُوطَ. هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا…

اللَّهُمَّ قَاتِلْ الرَّافِضَةَ وَالحُوْثِيِّيْنَ


شارك المحتوى: